ثقافة وفنون

موسى الزين شرارة، شاعر متمرّد على الظلم وثائر على الظالمين
إعداد: وفيق غريزي

كان فخوراً بنفسه انه شاعر، يعي تماماً قيمته وموقعه الاجتماعي، ويفقه عبء الرسالة التي يحمل، ويدرك بالتالي ما تتطلب من إيمان وصلابة وصبر وطول أناة. وكان يقدر ويثمن كون الإنسان شاعراً.. والشعر – شرط نظافة الإلتزام – ملكة وموهبة ونعمة لا مثيل لها. والشعراء هم سفراء الأمة في التاريخ, العظماء الخالدون عبر الزمان، الذين يحفرون عميقاً في التراث الباقي بينما تزول الممالك، وتنتقل الثروات وتضيع الأجيال ويتوالد الناس، ولا يبقى إلا المميزون من الأدباء والشعراء العظماء. ومن هؤلاء الشاعر العاملي موسى الزين شرارة.

 

نصير المعذبين
تتميز شخصية موسى الزين شرارة بالقلب الكبير الذي يفيض حباً، وبتلك الروح الشفافة التي تذوب رقة. فلا تقوى على مشاهدة حدث مؤلم أو سماع قصة حزينة. كان شاعرنا ضعيفاً أمام الحب، وديعاً مع المتعبين، قريباً من الموجوعين، رفيقاً للبسطاء الطيبين، يريحه أن يقيم معهم يشاركهم مباهجهم وأشجانهم, ويسبغ باستمرار على هذه العلاقة نداوة حنان طالما افتقده صغيراً، حتى إذا اغتنى به كبيراً راح ينشر طيب القه حيثما حل وأقام. وبالمقابل كان ثائراً على المتجبرين، عنيفاً مع الظالمين, صلباً أمام المستغلين.. كان يوجعه أن يرى الناس غارقين في الجهل والتخلف والاستسلام.. وكان يؤذيه أن يرى إذلال الناس وإرهاقهم واستعبادهم, من قبل أصحاب النفوذ.
قلمه صادق يصور معاناة الناس المقهورين، وأشعاره غنائية مشابهة لتلك التي تحدث عنها حلمي عبد المجيد وهو يعرض لشعر احمد شوقي: هي غنائية شعرية شفافة غير كثيفة تضيء المعنى ولا تطمسه، وتجلوه ولا تبهمه، وتنقل المشاعر التي تتراءى على هامش الموقف في صور، وتتحرك في الواقع الذي يضطرب فيه.. وتتوزع توزيعاً متقناً في ثنايا بناء الصورة اللفظية.

 

إيمان بالوطن
يتميز شعر موسى الزين بصفاء عفوي ينم عن إيمان ثابت عميق في نظرته للوطن، أما عروبته فانتماء تاريخي – حضاري نظيف لا يقبل المساومة أو المواربة. ووطنيات هذا الشاعر الجنوبي مدرسة أخلاقية منفتحة حضارية مترفعة عن كل مثالب العصبيات والتفرقة.. استمر طيلة حياته نظيف المعتقد رافضاً تجارة الأديان والمذاهب.. كان افقه واسعاً في تحليل ما حدث وكان يدين أخطاء الجميع ويرى أن الوطن هو الباقي وان العصبيات تماثل الإلتهابات في الجسد وعندما تزول تعود إليه العافية ويزول الاحتقان والورم:

.. يا من يناصبني العداء كأنني
                                     وكأنه العربي والصهيوني
دين يفرقنا ويبذر بيننا الـ
                                    شحناء والبغضاء .. ما هو ديني!!

الزين والمرأة
يوم وعى موسى الزين الحياة كانت المرأة "العاملية سجينة بيتها تديره وتنجب الأولاد وتربيهم وان حالفها الحظ أمن لها أبوها تعلم القراءة والكتابة، فذلك كان محظوراً عليها. والمرأة كما يراها شاعرنا أساس رقي المجتمع وتقدمه، لم تخلق لتكون سجينة المنزل وخادمة الرجل، هي الحنان والفضيلة والإلهام:

حـواء أنت برغم كل مكابر
                                          لجميع ما حوت السعادة مصدر
أنت النعيم فروض صدرك روضة
                                          ولماك ما أحلى لماك الكوثر
لولاك ما كان الملوح شاعراً
                                         يوماً ولا قهر الفوارس عنتر

وهو يرى أن المرأة السجينة والمعزولة، الراسنة في أغلال الجهل والخنوع، يجب أن يطلق سراحها، وتفتح أمامها أبواب آفاق المعرفة، لان زينتها: ليست ثياباً وأساور وعقوداً وإنما العلم والأدب والفضيلة:

"أرى العلم أحلى للفتاة من الحلى
                                      وأبهى لها من ماسها والأساور

 

غزلياته وخمرياته
كان غزله قليلاً يطل لماماً في قصائده لين عن روح تحب الحياة وتعشق الفرح، لكن غزل موسى شراراة فيه من الجديد حلاوة اللغة وعذوبة الألفاظ. وهذا النمط الجديد في الغزل كان نتيجة لانعتاق المرأة من الأسر إلى ميادين الحياة.
في ريعان شبابه نظم قصيدة غزلية، وأسماها "غلطة الولد" ذكر فيها حكاية قبلة ظفر بها من غادة حسناء بعد اعتذار طريف عن غلطة وقع فيها. ومما تقوله القصيدة:

"على الغدير بها شاهدت فاتنة
                                             ممشوقة القد تحكي الغصن بالميد
حييت .. فانفرج العناب مذ ضحكت
                                           عن لؤلؤ كالضحى في الثغر أو برد
حورية آية في الحسن لو نظرت
                                           حور الجنان لها، ذابت من الحسد

أما في خمرياته فيشدنا الشاعر إلى أجواء الندامى والجلسات الأنيسة التي يسلو فيها الإنسان آلامه وهمومه وأحزانه ويعيش لفترات في عالم وردي لحظات ممتعة نابضة يصورها في شعره لتبقى ذكرى حلوة خالدة.

 

الوفاء والتسامح
ذكر مؤرخو سيرة الشاعر موسى الزين شرارة انه كان يتحلى بخلق رفعيه، وتهذيب لافت، ودمث المعاشرة خفيف الروح، محباً للناس، جم التواضع، طاهر العلاقة، لا يستغل صادقته لمنفعة أو مكسب، فإذا خاصم سياسياً لا يسف ولا ينحو إلى التجريح الشخصي، كان يحافظ على مستوى لائق في العراك السياسي لأنه ينتقد ويعارض النهج والأسلوب، ولا يتعرض للأشياء الحميمة في حياة خصمه.. ولم يطعن أحداً في ظهره، ولم يهادن في مواقفه، ولم يحاب أحداً أو يجامله، فهو لا يعرف التزلف ولا الرياء.

وحقك ما طلبت الجاه يوماً
                                كوغد في التزلف أو جبان
ولكني شجاع الرأي حر
                               فؤادي أن نطقت على لساني
لي الرحمات.. قلبي كم يقاسي
                               من الصحب الكرام وكم يعاني