عبارة

موقعة الأبطال
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

لم تكن تلك الليلة لتشبه أيّ واحدةٍ أخرى من ليالي شهر آذار الذي يتمايل بأيامه بين الشتاء والربيع. ولم يكن للجنود أيّ شرط حول صفاتها وظروفها، فلو كانت مقمرة لامعة، لما تردّدوا في الانطلاق الى تنفيذ المهمّة الخاصة الموكلة إليهم. ولو كانت مظلمة دامسة، لما تراجعوا ولما عدّلوا في إيقاع خطاهم وفي قرقعة بنادقهم، ولما أخطأوا في التّصويب نحو هدفهم: دكّ أوكار الإرهاب واحدًا تلو الآخر، وملاحقة «نزلائها» من المجرمين.
تقدّم الجُند عبر السفوح وفي عقولهم أمر عمليّاتهم، وفوق ظهورهم زاد من سلاح وعتاد. يقظة عيونهم كانت الوسيلة النّاجعة لتنوير الدّرب إن سيطر العتم، وإيمان قلوبهم، وشجاعتهم، كانا الردّ الصّارخ إذا ما انكشفت مسيرتهم تحت أضواء النجوم. الخطى ثابتة، والأوامر جليّة واضحة، وهي القضاء على الإرهابيين وتدمير حصونهم. الدقائق معدودة، والأنفاس معدودة أيضًا. عيون القيادة عليهم، ورفاقهم في الانتظار وفي الاستنفار، انتظار العودة المشرّفة، واستنفار استعدادًا لأي طارئ.
تبدأ المهاجمة من خلف أوكار العدو هذه المرّة، وفي مرّات تكون في مواجهة مباشرة، فللقتال أساليب، وفي الحرب الفن، ألم تطلق الجيوش منذ أقدم العصور عبارة «فن الحرب»؟ إذ رأى القيّمون عليها أن الفن ضروري في كلّ عمل، سلميًا كان أو عسكريًا.
وفي النتيجة تمَ تدمير المركز العدوّ عن بكرة أبيه، وعاد الجنود منتصرين، وكان الجرحى بينهم أكثر انتصارًا، وكان شهيدهم هو المنتصر الأكبر، وهذا ما أعلنه أهله وأبناء قريته وما جاورها من قرى وبلدات، اذ خرجوا الى دروبهم الجبليّة الصاعدة نحو الأعلى، يزفّون الى البيوت والملاعب والساحات، وإلى الصغار والكبار، خبر عودة ابنهم البار إلى أرض الطفولة شهيدًا بطلًا، لا تجوز صحبة العلم الوطني إلاّ له، ولا يليق مهرجان البطولة إلاّ به. زملاؤه في الفوج ورفاقه في المؤسسة الأم، رفعوا النعش فوق الأكتاف، والأمّ الأولى، تلك المرأة التي حنّت عليه طفلًا وأحسنت تربيته يافعًا، انبرت أمام الجموع وهي تذرف دمعتين: واحدة للحزن، وواحدة للفخر والإباء.