كلمتي

موقّعاً
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

مَن راقب الوحدات العسكرية وهي توقّع خطاها في الاحتفال بعيد الاستقلال، تلمّس من قرب، وتأكّد ووثّق، وتلقّى من المرجع والمصدر، سمات الفخر والاعتزاز التي تزيّن هامات الجنود، وتلوّن أعلام قطعهم، وتمهر شاراتهم بالسؤدد والمجد.
ومَن شاهد الآليات العسكرية في برّها وبحرها وجوّها، وهي تؤدّي عروضها زاهية لامعة، دخل في قناعته أن الإرادة الصلبة تعوّض في أحيان كثيرة عن ضيق ذات اليد، لا بل تحوّل الفقر الى غنى، في بعض الظروف، وتبني على العوز اكتفاءً ذاتياً يُغني عن سؤال وسؤال.
المواطنون يعرفون جيشهم، تماماً كما يعرفهم هو. العلاقة بين الطرفين «أهلية بمحليّة». إنهم يعرفون أن شجاعة الطيّارين هي التي أحيت محرّكات الطائرات الثلاث التي كانت تجوب الآفاق، وأن إخلاص الفرسان هو الذي حرّك الدبابات الثقيلة ورفع أبراجها وجهّز مدافعها، وأن مغامرات المغاوير والمجوقلين هي التي رمت بهم من الأعالي غير آبهين ببساطة المنصّات التي انطلقوا منها، ولا الحبال التي زحفوا عليها وكأنهم القردة في غابات الاستواء.
أما الألوية المقاتلة فكانت تتقدّم بعزم وثبات أمام المنصة الرسمية، فيما أعادت مجموعة المتقاعدين الى الأذهان ذكريات الأيام الخوالي... إنها مؤسسة لكل زمان، وإنها مؤسسة لكل الوطن، وقد صار من المطلوب والمستعجل والفوري أن تنال ما يمكّنها من تحقيق غناها الحقيقي لا المعنوي فحسب، ومن امتلاك العتاد المناسب للمهمات الموكلة اليها، والموازي للتضحيات التي اعتادت على تقديمها، واللازم لها في مهمة حماية البلاد أرضاً ومؤسسات، ومالاً منقولاً وغير منقول.
إنه مال من أجل المال وغير المال. إنه المال الذي يقدّر بالمال، لتيسير الدفاع عن الكرامة الوطنية التي لا تقدّر بالمال. وهل يخفى على أحد ما للأمن والاستقرار من دور، ليس في حماية الوطن والمواطنين فحسب، بل في إحياء الاقتصاد وتأمين الحياة بكل جوانبها، إنتاجاً وثقافة وسياحة وتصديراً واستيراداً، وتخزيناً للأيام الصعبة؟
لكن، والى أن يتحقّق ذلك، لن يبخل جنودنا يوماً بالجهد والعرق... والدم، فإن تحقّق المطلوب سعدنا وأينعت آمالنا وتراكمت خطانا، وإن لم يتحقّق جدّدنا الهمم، وأحيينا النظر في الأحداق، ومدّدنا السهر، وأكّدنا إلغاء التراجع والهون.
إن للوطن تضحيات في أعناقنا، وليس لنا أن نتعب، وإن كان لنا أن نلوم ونعتب.