نظرة إلى الداخل

"مِنكُن ولكم"
إعداد: ندين البلعة خيرالله

400% هي نسبة ازدياد أعداد المدمنين على المخدرات في لبنان، و60%؜ من المتعاطين ينتمون إلى الفئة العمرية من 16 إلى 35 عامًا (بحسب إحصاءات جمعية "جاد"). 7 قتلى و15 جريحًا هم ضحايا الرصاص الطائش والسلاح المتفلت سنويًا (بحسب "الدولية للمعلومات"). ما هذه إلا عينة من الأرقام المقلقة التي تُظهر الواقع الأليم الذي يعانيه المجتمع اللبناني عمومًا وشبابنا خصوصًا. وقد تفاقمت في الآونة الأخيرة، وتحديدًا خلال العام الحالي، أعداد ضحايا الآفات الاجتماعية على أنواعها، والتي راحت تزداد بسبب الأزمات المتتالية التي تدمّر أبناءنا وتهشّم مجتمعهم.

 

ترتسم الملامح الأولى لصورة الجيش اللبناني في المجتمع من خلال وظيفته الأساسية كحامٍ للوطن، يحفظ كيان هذا المجتمع ويؤمّن له سبل الاستمرار، والإنتاج والتقدم والازدهار، لضمان استقراره... وهذا الجيش لم يتغاضَ يومًا عن أي خطر يهدد أبناء وطنه، ولم يتخلّف يومًا عن أداء مهمة تعود بالخير والأمن والأمان عليهم. عزّز جهوده التوعوية والتواصلية عبر التفاعل مع المجتمع في هذه الظروف الصعبة، بهدف المساهمة في تأمين الاستقرار الاجتماعي والتنمية. وفي هذا السياق، قضت توجيهات القيادة بإيلاء الأنشطة الإنمائية، وأنشطة التفاعل مع المجتمع المدني أهمية كبيرة بالتوازي مع المهمات الدفاعية والأمنية التي تقوم بها وحدات الجيش على امتداد مساحة الوطن.

 

توعية وتحصين

الغاية الأساسية من كل أنشطة التفاعل مع المجتمع المدني التي ينظّمها الجيش وينفّذها، والتي سنفصّلها في هذا المقال، هي توعية الجيل الجديد وتحصين شبابنا ليحافظوا على أنفسهم في وجه كل الآفات التي تهدّد مستقبلهم (مخدرات، تهريب، سلاح متفلّت...). فهؤلاء الشباب هم مستقبل هذا الوطن، وعليهم تُبنى كل الآمال ليكون هذا المستقبل أفضل. من هنا كانت أهمية التوعية والتفاعل وكسر الحواجز القائمة بين المجتمع المدني (وخصوصًا الجيل الشاب) والمؤسسة العسكرية، هذه الحواجز التي قد تنشأ بسبب المحيط الاجتماعي والأسباب اللاإرادية. فمشاركة الشباب في نشاط ما إلى جانب العسكريين، أكان مخيمًا، أو يومًا مفتوحًا، أو محاضرة، أو دورة تدريبية، أو حتى نشاط رياضي أو ثقافي... وتفاعلهم مع هؤلاء العسكريين، واختبارهم التجربة التي تجمعهم برفاقٍ من مختلف المناطق والطوائف تشبه النسيج الاجتماعي للجيش اللبناني، يعود بالفائدة عليهم، ومن ثم على المؤسسة العسكرية والوطن ككلٍ.

 

يوم مفتوح ومخيمات تدريبية

"معًا نحو مجتمع آمن" هو العنوان الذي اختارته المؤسسة لتنظيم اليوم المفتوح Open Days في وحدات عسكرية مختلفة، لتوجّه رسالة إلى الجميع مفادها أنّنا بحاجةٍ إلى العمل يدًا بيدٍ لنبني مجتمعًا آمنًا يحتضن شبابنا. فالعائلة، والمدرسة والشباب والجيش، جميعنا كل من موقعه، من واجبنا أن نتضامن ونعمل لنعيش في مجتمع آمن خالٍ من المخدرات والسلاح المتفلت والآفات التي تجعل الشباب ينحرفون عن المسار الذي نريده لهم (المسار التعليمي، التثقيفي الهادف إلى خدمة الوطن والمجتمع وتنميتهما).

تشكّل هذه النشاطات تجربة فريدة من نوعها يتفاعل فيها شبابنا من عمر 10 سنوات وما فوق مع العسكريين عن قرب، ويتعرّفون على طبيعة حياتهم ومهماتهم والمبادئ والأخلاقيات التي يتمتعون بها. كذلك، تتضمن هذه الأنشطة توعية على الآفات ورسائل توجيهية مخصصة لكل منطقة بحسب المخاطر التي تهدّد مجتمعها وأبناءها. وفي ختام النشاط، يغادر المشاركون حاملين معهم تذكارات تُبقي في بالهم تجربة مميزة تعزز ارتباطهم بجيش بلادهم، وتسهم في تماهيهم مع أخلاقياته وتضحياته للحفاظ على لبنان.

وفي هذا السياق، يندرج اليوم المفتوح التي تشهدها القطع وكان آخرها في فوج الحدود البرية الأول (نحو 1000 تلميذ من مختلف مدارس القرى الحدودية الشمالية)، ولواء المشاة السادس وفوج الحدود البرية الرابع (نحو 2500 تلميذ من مدارس مدينة بعلبك وجوارها)، فضلًا عن الفوج المجوقل الذي استضاف شبابًا من الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم.

في المقابل، وفي إطار سعي المؤسسة العسكرية المستمر إلى تنمية الحس الوطني للبنانيين، وإلى جانب العديد من المسؤوليات التي تقوم بها، لم يغب الشباب والشابات عن اهتمامها، لتتوجه إليهم بعد أن ساهمت الظروف الحالية والوسائط التكنولوجية في إبعادهم عن العديد من القيم والمفاهيم الوطنية. ففي مبادرة هي الأولى من نوعها تقوم الكلية الحربية، بالتعاون مع مديرية التخطيط للتواصل الاستراتيجي التي تُعنى بالتواصل مع الرأي العام، ومع مديرية التعاون العسكري-المدني "CIMIC"، باستضافة مخيم لتلامذة عدد من المدارس، ذكورًا وإناثًا، في تجربة "Cadet Challenge". وتهدف هذه المبادرة إلى إفساح المجال أمام الشباب للتعرّف على الجيش، عبر عيش تجربة لمدة 4 أيام برفقة التلامذة الضباط. يطّلع الطلاب خلال المخيم على نشاطات الكلية وتدريباتها وشروط الانتساب إليها، ويطوّرون قدراتهم. وقد خاض هذه التجربة خلال هذا العام حوالى 300 تلميذ (على دفعتَين).

 

مديرية التعاون العسكري-المدني

مديرية التعاون العسكري-المدني "CIMIC" هي الوجه الأوضح والأكثر تعبيرًا عن التفاعل بين الجيش والمجتمع. تنشط هذه المديرية على كل الأراضي اللبنانية، والمستفيدون من جهودها وأنشطتها ومبادراتها هم بالآلاف. ومن ضمن المبادرات التي نفّذتها هذا العام:

  • مشروع إنشاء مركز إعادة تأهيل المدمنين على المخدرات، وهو الأول من نوعه في منطقة الشمال. يُعدّ إنشاؤه خطوة متقدمة في سياق الجهود التي يقوم بها الجيش لمحاربة آفة المخدرات ومنع تفاقمها في المجتمع اللبناني. ويستفيد منه كل أبناء منطقة الشمال.
  • توزيع 500 حصة غذائية على العائلات الفقيرة في منطقة بيروت.
  • دعم حوالى 3500 مواطن من صغار مربي المواشي على امتداد المناطق الحدودية اللبنانية، مع كشف بيطري وتوزيع أدوية وجلسات توعية.
  • توزيع حوالى 500 حقيبة مدرسية مع قرطاسية في منطقة جبل لبنان، وتقديم معدات وتجهيزات لـ15 مدرسة رسمية في 13 قرية في قضاءَي راشيا وعكار.
  • يوم طبي مجاني في منطقة طرابلس ومعاينة أكثر من 500 مواطن مع تقديم أكثر من 2500 استشارة طبية وتوزيع الأدوية، وآخر في منطقة عين إبل تخلله معاينة أكثر من 400 مواطن وتقديم لقاحات للأطفال وتوزيع أكثر من 38 صنفًا من الأدوية.
  • زراعة شتول في الأماكن العامة في منطقتَي الجنوب وكسروان.

 

القانون الدولي الإنساني

تنظّم مديرية القانون الدولي الإنساني، محاضرات ودورات لعددٍ من طلاب الجامعات (يصل عددهم إلى نحو 40 تلميذًا في الدورة الواحدة)، ممن يتابعون الدراسة في اختصاصات الحقوق والعلوم السياسية والإعلام. التفاعل الثقافي مع هؤلاء يُغني معرفتهم من خلال النقاشات التي يخوضونها في اختصاصاتهم من جهة، ويُعمّق معرفتهم بالمؤسسة العسكرية من جهة أخرى خصوصًا على صعيد احترام هذه المؤسسة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتقديرها للحرية والديموقراطية والقيم الوطنية التي نؤمن بها وندافع عنها بموجب الدستور، من مساواة، وحرية تعبير، وحرية تجمّع...

 

...وفي مختلف الوحدات

لا تتوقف هذه الأنشطة التفاعلية مع المجتمع على مديرية أو وحدة عسكرية معينة، بل هي توجيهات تتبعها مختلف القطع والوحدات في الجيش وتبني عليها سلسلة نشاطاتها ومهماتها. وفي ما يأتي بعض الأمثلة الإضافية:

  • المركز العالي للرياضة العسكرية: تنظيم أيام مفتوحة، وأيام لمكافحة الفساد، إلى الأنشطة والمباريات الرياضية المشتركة، وآخرها المباراة الودية في كرة السلة بين فريق الجيش اللبناني وقدامى نجوم كرة السلة اللبنانية، بمناسبة العيد الثامن والسبعين للجيش.
  • فوج الأشغال المستقل: يشهد هذا الفوج منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 جهودًا متواصلة لـتطوير القدرة على حماية الممتلكات الثقافية. ويقوم هذا النشاط على التفاعل والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية للحفاظ على ممتلكات وطننا الثمينة، وهويته الثقافية.
  •  المركز الوطني للأعمال المتعلقة بنزع الألغام: تنظيم أنشطة تفاعلية وأيام مفتوحة وتوعية على مخاطر الألغام وأنشطة مع المدنيين والمنظمات غير الحكومية.

إلى ذلك، تُنظّم جميع القطع والوحدات أنشطة تخدم هدف التفاعل مع المجتمع، ومنها: إطفاء الحرائق، تنظيف الأماكن السياحية والشواطئ، الاجتماعية بحسب القدرات المتوافرة، جرف الثلوج وإخلاء مواطنين عالقين في الثلج... فالشق الإنمائي والاجتماعي هو أصلًا من صلب مهمات المؤسسة، ويفرض علينا مع المجتمع.

الانخراط المجتمعي والتفاعل مع المجتمع المدني هو جهد طويل المدى ومستمر، تؤمن به المؤسسة العسكرية بكل وحداتها المنتشرة، لخدمة أهلها بالقدرات المتوافرة والتفاعل معهم، والتخفيف قدر الإمكان من الأعباء الملقاة على كاهلهم في هذه المرحلة الصعبة التي يمرُّ بها لبنان.