إكتشاف علمي

نال براءة إكتشاف جديد لعلاج سرطان الرأس والعنق
إعداد: ندين البلعة

إيلي حدشيتي في لائحة الأسماء اللبنانية المشعّة عالمياً

توصّل الباحث اللبناني الشاب ايلي ديب حدشيتي الى إكتشاف جديد لمعالجة داء السرطان في منطقتي الرأس والعنق، وذلك من خلال تخفيض نسبة البروتيين hsp27 الى جانب العلاج بالأشعة. الإكتشاف نال البراءة الرسمية من المنظمة العالمية لملكية الحقوق الفكرية في آذار الماضي، وهو نجح في تجاربه الأولية على الفئران، ويبقى أن تتأكد على الإنسان، ليعطي الطب سلاحاً جديداً في مواجهة المرض الخبيث.
حدشيتي من منطقة نيحا البقاعية. تخرّج من المعهد الأنطوني حائزاً بكالوريا علوم إختبارية، وتابع دراسته في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية ليحصل على إجازة في الكيمياء الحياتية (Biochimie). توجّه بعدها الى فرنسا لإتمام دراساته العليا حيث حصل على Master en biochimie ليبدأ بالتالي التحضير لأطروحته التي استغرقت أربع سنوات في مختبر فرنسي Laboratoire de radio - biologie cellulaire et moléculaire التابع للمركز الطبي الجامعي Centre Hospitalier Universitaire de Lyon (CHU). وقد أشرفت على أطروحة الدكتور حدشيتي Professeur Claire Rodriguez La Frasse خلال أربع سنوات اعتباراً من تشرين الأول 2004.
الباحث اللبناني المكب على تجاربه تحدث الى «الجيش» عن اكتشافه.

 

من البداية
بداية قال: في المختبر حيث عملتُ على أطروحتي، يعملون على نوعَي سرطان: سرطان الدم وسرطان الرأس والعنق. الأول يتجاوب مع العلاج بالأشعة، على عكس الثاني. من هنا كانت محاولة إيجاد الفرق بين النوعين والسبب الأساسي الذي يؤدي الى مثل هذه النتائج. ومن المعروف علمياً أن داخل الخلايا السرطانية توجد بروتينات عديدة تعمل لحمايتها ضد أي علاج. من بينها اخترنا العمل على الـhsp27 المعروف بدوره الأساسي في مقاومة العلاج الذي يؤدي الى قتل الخلية السرطانية وبالتالي الى انتشار المرض ونموّه.
عملنا على التأكد من وجود هذا النوع من البروتيين في نوعَي السرطان فكانت النتيجة: وجودالـhsp27 بكميات كبيرة في سرطان الرأس والعنق، وانعدامه في سرطان الدم. وهذه كانت أول خطوة في بداية الإكتشاف.
حاولنا بعدها تخفيض كمية هذا البروتيين لإظهار مدى تجاوب الخلايا مع هذا العلاج. إستعملنا حمضاً نووياً مضاداً (ADN - anti - sens) لعمل الـhsp27، وهو ما يوقف فرزها في الخلايا. كانت التجربة كمرحلة أولى، على خلايا معزولة لثلاثة أنواع سرطان: الرأس والعنق، الدماغ والبروستات. وقد توصّلنا الى نتيجة إيجابية في جميع الحالات، واستنتجنا أن هذه الطريقة في العلاج، بالإضافة الى علاج الأشعة، ممكن أن تؤدي الى موت الخلايا السرطانية.


 
المرحلة الثانية
وأضاف قائلاً: بعد هذه النتيجة، عملنا على تطبيق الإستراتيجية ذاتها على الفئران، فكان البروتوكول الأول الأساسي للدراسة. وفي المرة الثانية كانت النتائج أفضل:
زرعنا سرطان الرأس والعنق لدى عدد من الفئران، لأن نسبة هذا النوع عالية وعلاجه دقيق جداً لما له من آثار تورّط المريض بمضاعفات تجميلية وعملية (أوتار الصوت، التنفس...). قسمنا فئران التجربة الى فئات:
فئة لا تتلقى العلاج، وأخرى تتلقى علاج الأشعة فقط، والفئة الثالثة تتلقى علاج الأشعة مع إستراتيجية تخفيض hsp27 فكانت النتيجة أننا توصّلنا لإزالة 70٪ من الورم، وتأخير نمو المرض مقارنة مع العيّنات التي لا تتلقى علاجاً.
وأوضح قائلاً:
هذا العلاج الذي يضعف الخلية السرطانية، يجعلها تتجاوب مع علاج الأشعة بشكل أسرع وذلك من دون أي آثار جانبية سلبية على الأعضاء الحيوية (كالدماغ والكبد...). ما يعني عملياً تقليص جلسات الأشعة التي يخضع لها المصاب بالمرض، وبالتالي الحدّ من آثارها السلبية على الخلايا السليمة غير السرطانية في جسمه.

 

لا مستعصي على العلم
عن اختياره مرض السرطان مجالاً لأبحاثه على الرغم من صعوبته، قال: في البحث والعلم والدراسة لا شيء مستعصياً، نسعى دائماً لإيجاد الحلول. ففي كل نتيجة هناك عقدة صغيرة ونحن نحاول إيجادها وحلها. وفي البحث، حتى ولو لم نصل الى نتيجة يُعتبر ذلك نتيجة، إذا لم تنجح الطريقة التي اعتمدناها، نحاول أخرى.
وما ساعدني ايضاً على المتابعة وعدم التراجع، هو مستوى العمل الممتاز في المختبر الذي عملتُ فيه. إذ استطعت إيجاد الدعم التقني والمعنوي اللازمين, ما شجعني وزاد حماستي للتوصل الى نتائج إيجابية.
• ما الصعوبات التي واجهتها خلال مراحل الإكتشاف؟
- ما توصّلنا اليه كان نتيجة أربع سنوات من العمل، إذ كنا نعمل على الخلايا، التي لا تنجح التجارب عليها دائماً. والأكثر صعوبة، مرحلة التجارب على الفئران، التي تأخذ وقتاً طويلاً. بدءاً بزراعة المرض وانتظار نموّه الى حجم معين لبدء العلاج، والتحاليل التي تُجرى بعد العلاج. وكل ذلك يحتاج الى وقت للتنفيذ.
وبالطبع خلال فترة التجارب، نكون دائماً في شوق لمعرفة النتائج ومدى نجاح إستراتيجيتنا.

 

براءة الإكتشاف
• نلتَ براءة إكتشاف علمي من المنظمة العالمية لملكية الحقوق الفكرية بإسمك وبإسم البروفسور المشرفة على الأطروحة.  كيف تمّ ذلك وما كان شعورك لدى إحرازه؟

- قدّمنا النتائج الأولية للبحث في 5 آذار 2007 وقُبلت رسمياً من المنظمة العالمية لملكية الحقوق الفكرية (تسجيل النتائج الأولى ضروري للتأكد من عدم إزدواجية الفكرة مع أحد آخر). بعدها تابعنا العمل وأرسلنا نتائج الدراسة الثانية تأكيداً لنتائج الأولى وقدّمنا التطوير الذي جرى على العلاج, فقُبل الإكتشاف رسمياً في 5 آذار 2009 بعد التأكّد من دقة النتائج وصحتها.
هذا الإنجاز مرّ بمراحل عديدة اندمجت خلالها مشاعري بين الشوق والحماسة والخوف. وكلما كنت أصل الى نتيجة معينة، كانت السعادة تعتريني وكنت أزداد حماسة لأتابع فأصل الى النتائج المرجوّة والنجاح الرائع.

 

مشاريع مستقبلية
• ماذا بعد براءة الإكتشاف؟

- تخرّجت في 23 كانون الثاني 2009 وعدت الى لبنان آملاً إكمال مشروعي في وطني، الى جانب مشاريع أخرى. ولكن الأهم هو متابعة تطبيق العلاج بالتنسيق مع المختبر في فرنسا، ومع الشركة الكندية التي زوّدتنا الحمض النووي المضاد للـhsp27.
لدي الكثير من المشاريع التي ما زالت قيد الدراسة في هذا الإطار، أحاول ضمنها إيجاد التنسيق مع مختبر لبناني لمتابعة المشروع ولإفادة اللبنانيين والعالم. فبعد مرحلة الإكتشاف، هناك الكثير من المراحل والدراسات للوصول الى تطبيق العلاج على الإنسان.
نحاول قدر المستطاع النجاح في هذا المشروع، كما أفكر بالتعليم في جامعات لبنانية الى جانب إهتمامي الرئيس الذي يرتكز على مرض السرطان.

 

حدشيتي والإعلام
• توصّلت الى إكتشاف عظيم للبشرية، لماذا لم تظهر بعد في الإعلام؟

- تُنشر الدراسة في المجلة العلمية الأميركية Molecular Therapy، هذا كبداية، وقد ظهرتُ في بعض وسائل الإعلام، لكنني أودّ التشديد على أن الإكتشاف الذي توصّلنا اليه ما زال قيد الإختبار على الفئران ولم يُطبّق بعد على الإنسان. فالعلاج ما زال في مراحله الأولية ويحتاج الى وقت ليُطبّق وتصبح النتائج نهائية وأكيدة، هذا بالإضافة الى وجود بروتوكول معيّن في ما يتعلق بتناول الإكتشاف في الإعلام.

 

كلمة الى الشباب
• ما الكلمة التي توجّهها الى الشباب اللبناني؟

- كانت لي تجربتي في المهجر، وقد صادفت الكثير من الشباب اللبنانيين الذين يملكون الطموح والقدرات في كل المجالات. «حرام» أن يضيّع لبنان كل هذه الموارد البشرية الأساسية لنموّه وبقائه بتصديرها الى الخارج.
مع العـلم أن السبب الأساسي لهجرة هؤلاء هو افتقـارهم الى الدعم المادي والمعنوي فإنني أدعوهم للعـودة الى وطنـنا، ولو أن الأمر فيه من الصعوبات والمخاطـرة، ولكن باستـطاعـتنا التأثـير إيجابيـاً ليتحوّل لبنـان الى وطـن آمن وحاضـن لنا.
في المقابل أوجّه ايضاً نداءً الى الدولة التي هي المسؤول الأول عن دعم الشباب اللبناني وإبداعه، ومن واجبها أن تقدم لهم التسهيلات ليعودوا ويساهموا بطاقاتهم ومشاريعهم الإبداعية في نهضة لبنان.
وختم حدشيتي بـ«تحية تقدير وإجلال للجيش اللبناني، الذي هو وحده حامي الوطن وشبابه».