قضايا إقليمية

نتنياهو وملابسات التصعيد الأمني
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

يعتبر المحللون الإسرائيليون أنّ رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقف في المرحلة الراهنة أمام مفترق طرق خطير ومهم، إنْ على صعيد مصير زعامته الشخصية إثر ملفات الفساد المتعددة المرفوعة ضده، أم على صعيد مصير الدولة إثر رفعه مستوى التوتر الإقليمي بوجه خصومه الفعليين والمفترضين كلهم، إلى ما هو أبعد من تجاوز الخطوط الحمراء. وهو على هذا الصعيد لم يكتفِ بتحريك ملف التهديدات الكلامية فقط، بل تجاوزها إلى ملف الاعتداءات المباشرة على حركات المقاومة ومن يدعمها في لبنان وسوريا وفلسطين.


يقول بن كاسبيت، المحلل السياسي في صحيفة معاريف: «إنّ التصعيد الأمني والخطابات الملحمية وخطر المواجهة العسكرية تخدم نتنياهو». ويضيف «أنّ نتنياهو تغيّر، ومن يستمع إليه في الآونة الأخيرة سيصاب بالذهول، فالقائد المتوازن والمسؤول الذي يتهرّب من المخاطرة واتخاذ القرارات الصعبة تغيّر. لقد بات مصرًّا على استئصال الخطر الإيراني عن الحدود الشمالية، وعدم السماح لطهران بتعزيز قدراتها العسكرية في سوريا مهما كان الثمن، وحتى لو كان هذا آخر ما يقوم به في هذه الفترة السياسية. وهو لا يقيم اعتبارًا لأي شيء مقابل الخطر الإيراني، وبالنسبة له، فليفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يريد، إذ إنّ روسيا لن تنجح بردع إسرائيل، وخسارتهم في سوريا ستكون فادحة».

 

نتنياهو بات أكثر جرأة؟
ولفت كاسبيت إلى أنّ نتنياهو تغيّر، وبات أكثر جرأة وإقدامًا من ذي قبل، إذْ كان في السابق يهدّد ولا ينفّذ أي شيء، سواء على مستوى ملف إيران النووي أو الاتفاق الذي عقدته الأخيرة مع الدول العظمى والذي وعد بعرقلته، وكذلك تهديده بالقضاء على المقاومة في فلسطين ولبنان، وهذا كله لم يحدث. ومن ضمن الأمثلة أيضًا، التردّد في منح رئيس الموساد السابق مئير داغان الموافقة على تنفيذ عدد من العمليات الدقيقة خارج الحدود. أما هذه المرة، فالأمر مختلف.
وفي ما يتعلّق بأسباب تغيّر سلوك نتنياهو، رأى كاسبيت أنّ هناك احتمالين، وهو يقول: «إنّ الاحتمال الأول، الذي يخيفني شخصيًا، هو أنّ نتنياهو يدرك جيدًا وضعه القانوني والقضائي في ملفات التحقيق، وهو قلق جدًا من كيفية ذكره في كتب التاريخ. ولذلك، فالأفضل هو وضع كل الرهان على الشأن الإيراني، حتى لو اضطر لترك منصبه على وقع الدم والنار والدخان، فهذا بالتأكيد أفضل من ترك المنصب إلى زنزانة السجن». ويتابع كاسبيت قائلًا: «نتنياهو يريد أن يسجّل التاريخ له شيئًا باسمه. فهو لم يصنع السلام ولا الحرب باستثناء الحرب التي أوقدها داخل المجتمع الإسرائيلي، لم يحتلّ لبنان، ولم يدمّر أي مفاعل نووي سوري، بل صمد في منصبه من خلال الخطابات فقط، واليوم يملك فرصة أخيرة لتصحيح الوضع».
ويختم كاسبيت مشيرًا إلى أنّ «الاحتمال الثاني هو الأسهل، ومفاده أنّ نتنياهو لم يقرّر بعد التوجّه إلى انتخابات مبكرة تكون لمصلحته، ولكنّه يتحضّر لها بكل الأحوال، والأمثل في هذه الحالة أن يشغل الرأي العام بالموضوع الأمني، وهذه ساحة يتفوّق فيها على منافسيه، لأنّ الناخب الإسرائيلي لا يرى بديلًا لنتنياهو باستطاعته الدفاع عن أمنه مثله».
أما المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، فاعتبر من ناحيته أيضًا «أنّ نتنياهو يظهر جرأة غير معهودة، وهو مدعوم بموقفٍ لا يقل جرأة من قبل قيادة الجيش الرافضة لأي وجود لإيران في سوريا، وأنّ مطار T4 والقواعد العسكرية والصواريخ طويلة ومتوسطة المدى ومضادات الطيران والطائرات من دون طيار كلها في الخانة نفسها، خانة الخطر الذي يجب القضاء عليه. فهو تائه وممزّق كالعادة بين ميله الشخصي الإيديولوجي المكتسب من بيئته، والرياح التي تهب في الخارج، والتغيير الذي يشهــده العالــم، والحاجــة لشــقّ طريــق جديــد».

 

مرحلة تحمل مخاطر كبيرة
إنّ الفترة الانتقالية التي يعيشها كيان العدو في ظل التوصية بفساد نتنياهو، والتأرجح ما بين رفضها أو قبولها، هي الأهم في ما يتعلق بالسلوك الإسرائيلي الأمني والسياسي والتهويدي المقبل. فهي فترة سيكون فيها رئيس الحكومة نتنياهو أكثر قابلية للضغط والابتزاز من قبل أطراف ائتلافه اليميني الحريدي المتديّن، إنْ لجهة إقرار المزيد من القوانين العنصرية، التي تمرّر فيها قوانين بضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقرار خطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الإضافية، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة تحمل مخاطر كبيرة للقضية الفلسطينية، أو ممارسة الاعتداءات العسكرية يمينًا وشمالًا، تحت ذريعة قول نتنياهو: «إنّ إسرائيل لن تتوانى في الدفاع عن نفسها، وسنفعل كل شيء في هذا المجال».
يلاحظ المراقب الموضوعي للوضع الإسرائيلي الحالي الآتي: هناك انخفاض حاد في شعبية نتنياهو في أوساط اليمين واليسار والوسط، مقابل انكشاف ظهره أمام الشارع الإسرائيلي، وارتفاع الأصوات المنادية بإسقاطه. فقد أظهرت استطلاعات الرأي تَقَدّم كل من الوزيرين ليبرمان وبينيت عليه، مع الدعوة للتوجّه نحو إجراء انتخابات مبكرة. كذلك، ثمة حالة من فقدان الأمن والأمان داخل البيت الإسرائيلي نفسه، مع سقوط مريع لهيبة المؤسسة الأمنيـة الإسرائيليـة وتقديراتهـا للوضـع.

 

محاولة الحصول على تسوية من دون دفع ثمنها
في الماضي لجأ رئيس الوزراء نتنياهو، البارع في إنتاج المناورات الحزبية والسياسية وتمريرها، إلى الانتخابات المبكرة كي يقلب الطاولة بوجه عدد من منافسيه عندما شعر بأنّ تحالفًا ينشأ ضده داخل الائتلاف الحكومي، واستطاع بذلك أن يجدّد بقاءه على رأس الهرم السياسي الإسرائيلي. لكن مع ظهور شخصيات حزبية تريد منافسته على منصب رئاسة الوزراء من داخل حزب الليكود وخارجه، اختلفت المسألة هذه المرة. وفي كل مرة يظهر فيها منافسون جدد، يلجأ نتنياهو إلى مناورة التصعيد، ليحدّ من الخطورة على مستقبله، ويوجّه اهتمام الجميع نحو الخارج، من خلال قطع الطريق على المزايدة عليه، واندفاعه في تنفيذ السياسات العدوانية والتوسعية. وفيما تزداد شعبية رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت، تزداد أيضًا رغبة نتنياهو في الذهاب إلى التصعيد والتطرف أمنيًا وعسكريًا واستيطانيًا، مع مراعاة الاعتبارات التوافقية مع إدارة ترامب، التي تسعى إلى ضبط إيقاع سياسة نتنياهو وفق أولوياتها. فبمجيء ترامب اكتسب نتنياهو شريكًا في تمرير رؤيته لحلّ أحادي الجانب على جبهة التسوية الفلسطينية؛ (ضمن حلّ إقليمي أو حتى من دونه)، يضمن لتل أبيب استمرار السيطرة الأمنية والاقتصادية على الضفة الغربية والجولان، ويضمن تطبيع العلاقات مع المحيط العربي الرسمي من دون دفع الثمن المطلوب لتسوية مفترضة تجسّد بعض حقوق الشعب الفلسطيني المهدورة.