ملف العدد

نتيجة ٢٥ سنة من العمل والالتزام الكامل «أرضك نظيفة استثمرها»...
إعداد: ريما سليم

خلال مسيرته الطويلة في مجال تنظيف الأراضي المشبوهة والملوثة، لم تقتصر مهمة المركز اللبناني على إزالة الألغام والمتفجرات، بل شملت الجهود الرامية إلى حماية المواطنين أيضًا، لذلك كان التشديد بصورةٍ مستمرة على التوعية كجزءٍ أساسي من عمله بالتعاون مع المؤسسات والجمعيات المعنية. وعلى هذا الأساس جاء إعلان محافظة لبنان الشمالي خالية من مخاطر الألغام مرفقًا بالدعوة إلى الحذر، «أرضك نظيفة استثمرها…لكن يبقى الحذر واجب» هي العبارة التي تصدرت الحملة التي انطلقت في احتفال أقيم في فندق سان ستيفانو-البترون غداة انعقاد المنتدى السابع.

حضر الاحتفال إلى جانب رئيس المركز اللبناني لنزع الألغام العميد الركن جهاد بشعلاني، السفير الهولندي في لبنان هانس بيتر فاندر وود H.E. Hanes Peter Van Der Woude، والممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان السيدة ميلاني هاونشتاين، إلى عدد من رؤساء البلديات والمخاتير والمعنيين في منطقة الشمال.

 

ندعمكم حتى النهاية

عبّر السفير الهولندي في كلمته عن سروره بالإعلان عن محافظة الشمال خالية من الألغام، هذه البقعة التي تحتل ١٢٪ من مساحة لبنان، وتضم ٢٥ في المئة من الشعب اللبناني. وإذ أشاد بأداء المركز اللبناني لنزع الألغام الذي عمل بجدٍ طوال تلك السنوات لتحقيق الإنجاز الذي نشهده اليوم، أوضح أنّ أهمية تنظيف الأراضي من الألغام تكمن في منح المواطنين والمزارعين الفرصة لاستثمار أراضيهم والاستفادة منها في مشاريع زراعية وإنمائية. وأكد دعم بلاده المستمر للمركز اللبناني لحين إعلان جميع الأراضي اللبنانية خالية من الألغام.

 

شكرًا للشجعان

وأشادت الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان ميلاني هاونشتاين بالإنجاز العظيم الذي حققه المركز اللبناني لمكافحة الألغام رغم الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، مؤكدة نيّة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دعم البرنامج اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام حتى بعد تنظيف الأراضي، وذلك من خلال تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومنح مساعدات للمزارعين، بالإضافة إلى تشجيع المبادرات التجارية، وتأهيل أراضٍ صالحة لأعمالٍ سياحية وترفيهية. كما ركزت بشكلٍ خاص على التعاون من أجل مساعدة ضحايا المتفجرات عبر تقديم الخدمات المناسبة خصوصًا للأشخاص الذين أصيبوا بإعاقةٍ جسدية، مؤكدة أنّ المركز اللبناني لمكافحة الألغام وضع هذه القضية كأولويةٍ على جدول أعماله. وشكرت في هذا الإطار جميع الشجعان العاملين في إزالة الألغام في ظل بيئة خطرة بهدف الحفاظ على سلامة الآخرين.

 

وفق أعلى المعايير الدولية

بدوره، أشار العميد بشعلاني إلى أنّ العمل الذي استمر طوال ٢٥ عامًا، تم وفق أعلى المعايير الدولية، موضحًا أنّ المركز اللبناني لنزع الألغام من الأوائل عالميًا لناحية الاحترافية والشفافية، من دون أن ننسى المناقبية العسكرية والالتزام الكامل تجاه الجيش والوطن.

وأضاف أنّه في كانون الأول من العام المنصرم، تم الإعلان عن محافظة لبنان الشمالي خالية من الألغام ومخلفات الحروب غير المنفجرة، في احتفال أقيم برعاية قائد الجيش العماد جوزاف عون وحضوره، واجتماع اليوم هو لإعلان استمرار وقوفنا إلى جانب أهلنا كي يستثمروا أراضيهم بثقةٍ، ولإطلاق حملة توعية بما يُعرف بالأخطار المتبقية وهي ما تقوم به جميع دول العالم كإجراءٍ احترازي بعد تنظيف حقول الألغام.

وتوجه العميد بشعلاني إلى المواطنين مؤكدًا لهم أنّ «أرضكم نظيفة تنتظركم لتعملوا بها» مشجعًا إياهم على استثمارها والاستفادة منها، ومشيرًا إلى دور البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في دعمهم في إنشاء مشاريع زراعية وإنمائية في الأراضي التي تم تنظيفها.

 

تنظيف أكثر من ١٩٢ حقلًا

قدّم رئيس قسم العمليات في المركز اللبناني لنزع الألغام المقدم فادي وازن عرضًا عن عمل المركز في لبنان الشمالي وحجم الأراضي المحررة، موضحًا أنّ معظم البقع في منطقة الشمال كانت ملوثة. كما أكد أنّه بعد ٢٥ سنة من العمل الدؤوب تم تحرير البقع المشبوهة والملوثة، والنتيجة تنظيف ١٩٢ حقل ألغام أي بمجموع ٢,٦ مليون متر مربع، وتدمير أكثر من سبعة آلاف لغم مضاد للأشخاص.

وتحدث عن سير العمل على الأرض أيضًا، بدءًا من تحديد البقع المشبوهة عبر المسح غير التقني، إلى تحليل المعلومات، ومن ثم تحديد الأفضليات للعمل بحسب خطورة الوضع، ومن بعدها تنظيف البقع وفق المعايير الدولية. وأوضح أنّ عملية التنظيف يتخللها مراقبة الحقول بشكلٍ دوري لضمان الجودة، كما تقوم فرق من المركز اللبناني بفحص الأراضي لدى تسلمها لمراقبة الجودة.

 

فرص كثيرة

الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لنزع الألغام كانت موضوع العرض الذي قدّمه آلان شاطري من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد أشار خلاله إلى أهم النقاط الإيجابية لتنظيف الأراضي من الألغام، ومن بينها إمكان استثمارها في مشاريع زراعية وسياحية تخلق فرص عمل لسكان القرى، وتشكّل مصدر دخل مهم لأصحابها. وأضاف أنّ هذه الأراضي تتيح التنوع الزراعي الذي يحفظ التوازن البيئي وتزيد المساحات الخضراء، كما يمكن استخدامها لإنشاء ملاعب رياضية وحدائق عامة.

من جهة أخرى، تحدث عن دور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الشمال، والذي يشمل دعم الأهالي في تأهيل الأراضي الزراعية، وتقديم خدمات تقنية ومساعدات عينية للمزارعين، بالإضافة إلى إعادة التشجير وإدارة الغابات للحد من الحرائق.

وفي الختام، عُقدت حلقة حوار شارك فيها ممثلون عن المكتب اللبناني لنزع الألغام والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وتناول البحث طرق توعية المجتمع المحلي وكيفية استثمار الأراضي النظيفة.

خطوة جبّارة أُنجزت في الشمال، وتطلبت الكثير من الجهد والصبر، على أمل أن يُعلن لبنان خاليًا من الألغام في القريب العاجل وتكون بشرى سارة للبنانيين. فقضية الألغام تبقى أولوية بالنسبة للجيش كما قال العماد جوزاف عون العام الماضي في مناسبة إعلان الشمال خاليًا من الألغام، وهو عاهد اللبنانيين يومها أن تستمر المعركة ضد هذا العدو المتخفي وصولًا إلى تحرير آخر شبر من أرضنا من خطره.