قضايا بيئية

نحو الاقتصاد الأخضر
إعداد: سينتيا الخوري

بعد التّدهور البيئي المتمثّل في تفاقم ظاهرة تغيّر المناخ وما يترتّب عنها من آثار وتداعيات مدمّرة، أصبح اعتماد الاقتصاد الأخضر ضرورة ملحّة.
تكمن أهميّة نموذج الاقتصاد الأخضر، في ضمان النمو الاقتصادي المستدام، وبالتالي خلق فرص عمل خضراء جديدة، والحدّ من الفقر، إضافة إلى تخفيض المخاطر البيئية والاحتباس الحراري.

 

التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر والتنمية
على الرغم من الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير المستقرّة في المنطقة العربية، يعتبر التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر ضرورة للمساعدة في نقل العالم العربي إلى مسار جديد في التنمية، يضمن الاستدامة في البيئة.
جاء التفكير بالتّحول إلى الاقتصاد الأخضر بسبب تراجع مستوى الاقتصاد العالمي السائد حاليًا، كارتفاع أسعار الغذاء، انهيارات الأسواق، الأزمات المالية والاقتصادية، التغيّر المناخي، وتصحّر بعض المناطق العربية، فقد أثبتت الدراسات أنّ نسبة التصحّر ازدادت ثلاثة أضعاف خلال الخمسين عامًا الماضية، وأن هناك تضاربًا حقيقيًا بين النمط المعيشي الذي يعتمده سكان العالم العربي، وبين ما تقدّمه الطبيعة من موارد أوّلية وأساسية.
إذًا، الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر الذي يراعي مبدأ الحفاظ على الموارد واستدامتها، يشكل ضرورة اقتصادية وبيئية ملزمة.
تتمحور مبادئ هذا الاقتصاد وفوائده الأساسية، في مجالات: مكافحة الفقر والبطالة، تحسين التدفّقات التجارية خصوصًا السلع والخدمات البيئية، تحقيق الأمن الغذائي، تعزيز الزراعة والنقل المستدام، تحسين إدارة المياه، والإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية.
ويتّسم الاقتصاد الأخضر بزيادة كبيرة في الاستثمارات في القطاعات الخضراء. وهذا يعني زيادة في نصيب هذه الأخيرة من الاقتصاد، وتقلّص التلوث والنفايات، وانخفاض انبعاثات الغازات السامة التي تُضرّ بالبيئة، والحدّ من تدهور الأرض وتصحّر مساحات كبيرة منها.

 

ماذا عن لبنان؟
ما تزال ثقافة الاقتصاد الأخضر في بدايتها في لبنان، وهي تحتاج إلى وقت للتجذّر. ووسط الأزمات البيئية المتفاقمة خصوصًا في ملف النفايات، والتحديات المستقبلية الخطيرة، التي باتت ترقى إلى مستوى أزمات بيئية تهدّد الأجيال المقبلة بمشاكل صحية وبيئية واقتصادية واجتماعية... يبقى الإنتاج النظيف الحلّ النافع والأفضل. وهذا ما يتحقق إذا تمّ السعي رسميًا إلى تكريس الثقافة الخضراء، واستقطاب تمويل إضافي من أجل حفظ وضمان الموارد الطبيعية في لبنان، الذي يملك الكثير من المقومات التي تسمح له بالاستثمار في الاقتصاد الأخضر. والاستفادة الرشيدة من هذه المقوّمات، ستساهم في النهوض باقتصاده وفي التصدّي لجميع المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
على سبيل المثال، اعتماد التدوير في النفايات بدل حرقها والتسبب بالتلوث، يُخفّف الضرر على البيئة ويسمح بتفادي خسارة الثروة الحرجية. فتدوير الأوراق مثلاً يسمح بتوفير عشرات الأطنان من الخشب الآتي من الأشجار، وبالتالي يسمح بالحفاظ على بيئة خضراء. كما تؤمّن عملية التدوير ربحًا إضافيًا للشركات بتقليلها الكلفة على الصناعات، وخصوصًا أنّ المواد المُدوّرة تُباع بسعر أقل من سعر المواد الأولية.
في هذا السياق، أدرك مصرف لبنان أهميّة تعزيز دور الاقتصاد الأخضر للارتقاء بالاقتصاد الوطني، فعمل مع القطاع المصرفي لتفعيل كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة. وقام بتحفيز المصارف على منح بعض أنواع القروض بفوائد مخفّضة لتمويل مشاريع جديدة صديقة للبيئة.

 

مشاريع دعم كفاءة الطاقة
مشروع «سيدرو» CEDRO لدعم تحسين كفاءة الطاقة والطاقة المتجدّدة لنهوض لبنان، الذي يديره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه عبر المركز اللبناني لحفظ الطاقة، يضيء على تقنيات عديدة يمكن البناء عليها في سبيل خلق بدائل للطاقة التقليدية. وفي هذا السياق تمّ تنفيذ العديد من مشاريع الطاقة الشمسية، كتوليد الكهرباء من الخلايا الشمسية في أكثر من 100 مشروع نموذجي في مواقع تجارية وصناعية كبرى لتخفيف اعتمادها على الكهرباء، وتركيب 16 نظامًا لتسخين المياه بالطاقة الشّمسية على سطوح سجون، ومستشفيات حكومية، تراوح سعة كل منها بين 2000 و32000 ليتر.
إنّ التوصل إلى استخدام واسع النطاق للطاقات المتجددة، يعزّز مفهوم الاقتصاد الأخضر في لبنان. وهذا الأمر يتطلب وضع استراتيجية تسمح للمواطن بالحصول على هذه التقنية بسعر مقبول، مدعوم من الحكومة أو خاضع لتسهيلات من المؤسسات الخاصة. ودعم الطاقات المتجددة في المراحل المبكرة، قد يكون وسيلة مناسبة لتوعيته حول إيجابياتها وبالتالي لجعله يُقبل على استخدامها. من هنا وضع المركز اللبناني لحفظ الطاقة التابع لوزارة الطاقة والمياه مشروع MED-DESIRE، الذي يساهم في ‏خفض كميات المحروقات المستوردة ونسبة انبعاث الغازات المحترقة، من خلال ترشيد استخدام الطاقة وتعزيز كفاءة استخدامها واعتماد مصادرها المتجددة.
ويجدر بالإشارة أنّ تخفيض الانبعاثات التي تنتج من استهلاك الطاقة على تنوّع مصادرها، يقتضي السيطرة على الطلب بشكل تدريجي. فعندما يوفّر المواطن في استخدام الكهرباء، فهو بالتالي يقلّص انبعاث الغازات الملوثة ويخفّض من الضغط على محطات توليد الطاقة وكذلك الأمر عندما يختار أدوات كهربائية ذات مواصفات موفّرة للطاقة أو يستبدل المحروقات بالطاقة الشمسية.
أخيرًا، على الرّغم من السعي الرسمي لتكريس الثقافة الخضراء من خلال مشاريع وزارية متنوعة، إلا أنّ التقدم والتطور نحو بيئة نظيفة ما يزال رهن توافر التمويل، وهو مرتبط بالتزام الشركات والمؤسسات بتوجيه الاستثمار نحو الصناعات والتكنولوجيا الخضراء.
فالقضايا البيئية، قضايا مهمّة وملحّة تستدعي تضافر الجهود من أجل إقرار القوانين الملائمة والحرص على تطبيقها، مما يسمح باستدامة البيئة وضمان مستقبل الأجيال المقبلة، وخلق كفاءة اقتصادية كبيرة.