عرض جوي

نخبة طياري الجيش الفرنسي ترسم الأمل في سماء لبنان
إعداد: روجينا خليل الشختورة

في مناسبة الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة «لبنان الكبير»، وإبان زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية Emmanuel Macron إلى لبنان وتحديدًا إلى محمية أرز جاج وغرسه أرزة هناك، قامت دورية الاستعراض الجوي الفرنسي Patrouille Acrobatique de France المرافقة له، وقوامها تسع طائرات نفاثة نوع Alpha Jet، بتقديم عرض جوي فوق المنطقة، زيّنت خلاله السماء بألوان العلم اللبناني. وقامت بعرضٍ مماثل مع سرب من طائرات Super Tucano تابعة لسلاح الجو اللبناني في أجواء القصر الجمهوري - بعبدا، تزامنًا مع وصول الرئيس الفرنسي إلى هناك.

نفذت دورية الاستعراض الجوي الفرنسي، بمبادرة هدفها زرع الأمل في قلوب اللبنانيين، طلعات ملوّنة في سماء لبنان رسمت خلالها العلم اللبناني.

 

أقدم الفرق الجوية الاستعراضية

يعود إنشاء هذه الفرقة التابعة للقوات الجوية الفرنسية إلى العام ١٩٥٣ ما يجعلها إحدى أقدم الفرق الاستعراضية في العالم. وهي متخصّصة بالقيام بعروضٍ جوية جميلة تبعث الأمل في القلوب لا سيّما في الأوقات الصعبة. فمؤخرًا، وخلال جائحة كورونا قدّمت التحية للطواقم الطبية والتمريضية في عرضٍ جميل. وفي العيد الوطني الفرنسي في الرابع عشر من تموز من كل عام، تقوم بعرضٍ مميّز بطائراتها التسع أو ما يُعرف بالـ Big 9. وهذه الطائرات نفسها هي التي قامت بالعرض في سماء لبنان. أمّا في ما يخصّ نشاط هذه الدورية الميداني، فهي تقوم بمهماتٍ ونشاطات إنسانية، فهي مثلًا تدعم الأطفال المصابين بالسرطان خلال شهر أيلول من كل عام.

طيارو هذه الفرقة هم من نخبة طياري سلاح الجوّ الفرنسي، إذ إنّ قيادة طائرات الـ Alpha Jet النفاثة والعروضات التي يقومون بها تتطلّب دقّة في التركيز وتقنية وسرعة في التنفيذ، وفي كلّ سنة يتمّ تبديل ثلاثة طيارين منهم بثلاثةٍ جدد نظرًا لما يتطلّبه عملهم من مجهود جسدي ونفسي.

 

عرضٌ مشترك محترف

بين وصول طائرات دورية الاستعراض الجوي الفرنسي إلى قاعدة بيروت الجوية وتمركزها في القاعدة التي سهّلت مهمتها على الصعيدَين اللوجستي والعملاني بقيادة العقيد الركن الطيار حسّان بركات، وتنفيذها الاستعراض الجوي المشترك مع القوات الجوية اللبنانية، يومٌ واحد.

تنفيذ عرض جوي مشترك ليس سهلًا، يقول قائد القوات الجوية العميد الركن الطيار زياد هيكل، إذ يتطلّب خبرة عالية وتدريبات متكرّرة بين الطرفَين، وهذا ما لم يُتح الوقت لتنفيذه. فقد قام سربا الـ Alpha Jet الفرنسي والـ Super Tukano اللبناني بطلعةٍ واحدة قبل تنفيذ الاستعراض. ومع ذلك، بدا التنسيق والدقة واضحان بين الطرفين، ما عكس الاحترافية التي يتمتّعان بها.

تحضيرًا للمهمّة، نفّذت القوات الجوية سلسلة محاضرات تناولت فيها كيفية تقسيم الأجواء اللبنانية، موجات الاتصال الممكن استخدامها، أبراج المراقبة والرادارات، والمناطق المحظورة بالإضافة إلى الارتفاعات والاتجاهات...

في العرض الأوّل، قامت طائرات الـAlpha Jet الفرنسية منفردةً باستعراضٍ فوق محمية أرز جاج تزامنًا مع غرس الرئيس الفرنسي أرزة هناك، فزيّنت السماء بألوان العلم اللبناني. أمّا في العرض الثاني فقد انضم إليها سرب الـSuper Tukano اللبناني ليمرّ السربان بموازاة بعضهما فوق القصر الجمهوري في أثناء وصول الرئيس Macron إلى هناك، وعادت الطائرات ونفثت ألوان العلم اللبناني في الأجواء، بعدها أكملت الطائرات الفرنسية مرورها في الأجواء اللبنانية لتحلّق فوق موقع الانفجار في مرفأ بيروت والمتحف الوطني وتنثر الدخان الأبيض رمزًا للتعاطف مع الشعب اللبناني والتضامن معه.

 

الأخضر خصيصًا للبنان

«المرور فوق بيروت كان مؤثّرًا جدًا، يقول قائد الدورية الفرنسية للعام ٢٠٢٠ الرائد الطيار Samoel Lanos، ونتمنّى أن يكون أهلها قد تمكّنوا من مشاهدتنا نرسم العلم اللبناني تضامنًا معهم، ونتمنّى قيامهم من المصاب الأليم الذي حلّ بهم قريبًا». وأشار إلى أنّ استعمالهم اللون الأخضر هو أمرٌ استثناثي فعلناه خصيصًا لتجسيد الأرزة اللبنانية.

أمّا بالنسبة للتجربة مع السرب اللبناني، فيقول: «إنها تجربة تعني لنا الكثير، فامتزاج سربين من الطائرات في الوقت عينه فوق القصر الجمهوري يتطلّب الكثير من الدقة والتركيز والحذر في آنٍ معًا، وقد قمنا بذلك بنجاحٍ».

قائد الدورية شكر باسم الفريق الفرنسي الجيش اللبناني على الاستقبال الحار، وتمنّى العودة لزيارة لبنان في أقرب فرصة وفي ظروفٍ أفضل.

 

لو...

كانت لطيارَين من القوات الجوية اللبنانية فرصة الصعود على متن طائرات الـ Alpha Jet الفرنسية. قائد السرب الرابع النقيب الطيار عبدالله طباجه عبّر عن فرحته بهذه التجربة الأولى من نوعها مع فريق متخصّص في العروض الجوية، ويقول: «تعلّمت منهم الكثير، فلديهم تقنيات متخصّصة أرى أنّه يمكننا تنفيذها بسهولةٍ إذا توافرت لدينا الإمكانات المطلوبة».

بدوره، عبّر الملازم أول الطيار شربل الزغبي عن شعوره قائلًا: «الشعور كان رائعًا، فوجودي مع نخبة الطيارين في العالم على طائرة الـAlpha Jet هو أمرٌ لن أنساه في حياتي، أتمنّى أن تكون لدينا يومًا طائرات مشابهة، لأنّ تقنيات تنفيذ هذا النوع من العروض لا تنقصنا».

لم يقتصر تبادل الخبرات بين الجانبَين على الطيارين فقط، بل تعدّاه ليشمل الفريق الفني الذي كان معهم، وقوامه ٣٠ عنصرًا تبادلوا مع فنيي القوات الجوية خبراتهم. أمّا فريق التنظيم لديهم، وهو ما يُعرف بالعمليات، فكان على تنسيق تام مع فريق العمليات اللبناني في القوات الجوية الذي كان موجودًا على الأرض لإعطاء التوجيهات والتوقيتات لتنفيذ العرض بشكلٍ دقيق.

بين لبنان وفرنسا علاقات وروابط تاريخية راسخة. ولطالما عبّرت فرنسا عن تمسّكها بسيادة لبنان واستقلاله واستقراره، وكانت إلى جانبه في الأوقات الصعبة. هذه المرّة، وإلى جانب مبادراتها العديدة بعد كارثة المرفأ، جاءت طائراتها لتقول: نحن معكم، وبألـوان العلـم اللبنانـي.