مناقشات

ندوة في جامعة سيدة اللويزة
إعداد: ندين البلعة

«تكوين الدولة اللبنانية»

عقدت في جامعة سيدة اللويزة ندوة تحت عنوان «تكوين الدولة اللبنانية»، تزامنت مع الاحتفالات بعيد الاستقلال. حضر الندوة رئيس الجامعة الأب وليد موسى، ومدير العلاقات العامة في الجامعة الأستاذ سهيل مطر، وفعاليات دينية وطالبية وأساتذة من الجامعة ورجال أدب وثقافة ومهتمّون.


الافتتاح
بعد النشيد الوطني اللبناني، كانت كلمة الافتتاح لرئيس الندوة الوزير السابق إدمون رزق الذي شدّد على أن «هذا الموعد هو للتأكيد على قدرة لبنان في بناء هذه الدولة في زمن تدلّ فيه المؤشرات على لا إرادة في بناء الدولة الواحدة، وإنما كل يريد لنفسه دولة يتحكّم بها».
وقال: «خلال لقاء الوثيقة والدستور في دار نقابة الصحافة، ذكرنا أننا في العيد الخامس والستين للإستقلال وفي الذكرى التاسعة عشرة لاتفاق الطائف، نجدنا في صميم معركة استقلال لا تنتهي، نبحث عن صوغ عقد ثابت لتأسيس دولة موحدة في وطن بمواصفات حضارية وإنسانية تليق بالوطن الرسالة».

 

نشوء الدولة اللبنانية
مداخلة الأباتي بولس نعمان فصلت «الظروف التاريخية الداخلية والخارجية لنشوء الدولة اللبنانية». ومما قاله إن «فكرة الوطن حديثة، وقد عرفها العالم مع تطور الحضارة المسيحية، من عصور النهضة الأوروبية. والوطن اللبناني تحقق وأصبح وطناً بالمشاركة بين العائلات الدينية كافة، بفضل الظروف التي سمحت للمجتمع اللبناني المسيحي خصوصاً أن يتطور إجتماعياً وثقافياً بتعاون اللبنانيين مع الحكام المحليين، مع العسّافيين التركمان السنّة أولاً (1516 - 1591)، ثم مع المعنيين الدروز (1584 - 1633)، وأخيراً مع الشهابيين (1633 - 1842)».
وفي هذا الإطار استشهد الأباتي نعمان بقول الدكتور كمال الصليبي: «الجمهورية اللبنانية تجسّد الفكرة التي نادى بها الموارنة... لقد تمكّنوا دون تصوّر أو تصميم، من المحافظة على حق الإنسان في الحرية والعيش الكريم، والمساهمة في خلق وطن يضمن هذا الحق لأبنائه...»، وبقول الأديب عباس بيضون: «أعطى المسيحيون لبنان نظامه، فهم مركز الدولة والإقتصاد والسياسة والثقافة وأساليب العيش وأنماطه...».
بعدها تناول الأباتي نعمان نشوء لبنان الدولة عبر التاريخ منذ حكم الإمبراطورية العثمانية الى عهد المتصرفية ودولة لبنان الكبير، فالإستقلال واسترجاع الأراضي المسلوخة... وحاول «تسليط الأضواء على الأسس التاريخية والإجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية التي ساهمت في قيام الدولة اللبنانية... التي انبثقت عن إرادة وطنية جامعة واكتسبت شرعيتها من إصرار بنيها وتضامنهم...».
وختم الأباتي نعمان بالقول: «هل لنا أن نحلم اليوم بمثل ذاك الحماس والإجماع والتضامن الذي عمّ لبنان؟... هل خارت العزائم أم قلّ الإيمان بلبنان وبقدرتنا على إنهاضه؟».
ما بين 1918 و1938
الدكتور عدنان السيد حسين (أستاذ في الجامعة اللبنانية) استعرض في مداخلته «مواقف القوى السياسية من نشوء الدولة اللبنانية» ما بين العامين 1918 و1938. فشرح ظروف تأسيس الدولة اللبنانية متطرّقاً الى جملة معطيات سياسية سبقت الحرب العالمية الأولى وأخرى أعقبتها ومنها: «امتيازات الطوائف في المنطقة العربية، سعي أوروبا الى اقتسام الولايات الخاضعة للعثمانيين، إستعداد المجموعات الطائفية في لبنان والمشرق العربي لطلب حماية الأجنبي للحفاظ على المصالح بعيداً عن الدولة القومية، اتفاق سايكس - بيكو (1915) الذي جزّأ المشرق العربي، وعد بلفور (1917) الذي قضى بمساعدة اليهود لإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين... طرح القضية اللبنانية في مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 بحضور البطريرك الماروني الياس الحويك الذي طالب باستقلال لبنان وفشل آمال فيصل بن الحسين في توحيد البلاد العربية تحت قيادته...
كل هذه العوامل وغيرها، انعكست على نشوء الدولة اللبنانية وتطورها».
ثم تناول الأحزاب السياسية خلال هذه الحقبة وتأثيرها على نشوء الدولة اللبنانية، وتطرق الى «دور فرنسا في مساعدة لبنان على الإنتقال من التمثيل المشيخي العثماني الى التمثيل الشعبي ولو من خلال التوزيع الطائفي، والى المواقف السياسية المتعددة حيال نشوء الدولة وهويتها منذ بداية الإنتداب وحتى نهايته. وخلص الى أن القوى السياسية اللبنانية، لم تؤسس لقيام مجتمع مدني، ومواطنية لبنانية في حدود القانون والعدالة الإجتماعية والحياة الديمقراطية».
وأضاف أن «نشوء الدولة اللبنانية كان على ارتباط بالمحيط العربي، وسوف تبقى هذه الحال لاعتبارات موضوعية. ناهيك عن كثافة التدخل الدولي في منطقة شهدت إقامة إسرائيل، وتفجّر آبار النفط».
وختم بالقول إن «إطار الوحدة الوطنية والمواطنة مدخل لا بد منه للوصول الى فكرة الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات، دولة المواطنين الأحرار، والإنفتاح على العالم، لا دولة العصبيات والفساد والتبعية».

 

الحدود
عالج الدكتور نبيل خليفة (أديب وباحث) في مداخلته «قضايا الحدود، وإشكاليات الترسيم». مستشهداً بمقطع من كتاب «Fronts et Frontières» للكاتب Michel Foucher، وقال: «إن الحدود المرسومة على خريطة معترف بها دولياً قد لا تكون مقبولة من بعض الدول». وأشار الى أن الإنسان منذ التاريخ، يحاول السيطرة على مدى الجغرافيا، مما أدى الى ما سمي بـ«تقطيع العالم» (Découpage du Monde). وحاول الدكتور خليفة في هذا العرض أن يجيب على قضايا وإشكاليات حدود لبنان من خلال ست ملاحظات: «الأولى وهي أهمية الحدود، فإقليم الدولة الجغرافي هو القاعدة الأكثر ثباتاً لبناء الدولة وحمايتها من مخاطر الخارج، وهي تعكس حضارة الشعوب وحيويتها، حتى أن الحدود تكتسب بُعداً مقدساً يصل حتى الاستشهاد دفاعاً عنها».
في الملاحظة الثانية عرّف بالحدود سياسياً ولغوياً وعملياً، والأهم أن «عندها تبدأ سيادة الدولة صاحبة الإقليم وتنتهي سيادة غيرها. ووراءها تنتهي سيادتها وتبدأ سيادة غيرها» (معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية).
ثم انتقل ثالثاً الى التعريف بوظائف الحدود، من وظيفة الأمن والحماية الى الوظيفة الإستراتيجية. وعدّد رابعاً المراحل الخمس للحدود بدءاً بتعريفها الى تعيينها الى ترسيمها وتثبيتها وشرعنتها.
وفي الملاحظة الخامسة شرح وضعية الحدود اللبنانية بالأرقام، ثم انتقل الى الملاحظة السادسة التي عالجت حدودنا مع سوريا وإشكاليات الترسيم.
ختاماً وصل خليفة الى خلاصة مفادها أن «لبنان هو دولة - حاجز بين دولتين إقليميتين: إسرائيل ولديها مطامع وسوريا التي لها مطامح في وطن الأرز»، مشدداً على أهمية أن «تتولّد في نفوسنا الروحية الجديدة للحدود التي تكلّم عنها المفكر والسياسي الفرنسي دومينيك دو فيلبان: روحية الإنفتاح والثقافة التي تعترف بكل الحدود وتتجاوزها ضمن مشروع السلام والتنمية والثقافة والتربية والتقدم.
وأخيراً تناقش الحاضرون حول بعض الأفكار والنقاط التي طُرحت خلال الندوة.