أجيال

نسبة المسنّين الى تزايد
إعداد: ريما سليم ضوميط

مشاكل الشيخوخة ليست قدرًا محتومًا
وخريف العمر قد يكون مشرقًا


تشير الإحصاءات في مختلف الدول (المتطوّرة منها والنامية)، الى أن معدّل عمر الفرد في ارتفاع متزايد، ما يعني أن العالم يشهد تزايدًا ملحوظًا في نسبة المسنّين. واكبت بعض الدول هذا الواقع بتطوير برامجها المتعلقة برعاية المسنّين، في حين أن دولًا أخرى، ولبنان واحد منها، لـم تقـر بعـد مشروعًا لضمان الشيخوخة. الواقع أن خريف العمر ليس بالضرورة مرادفًا للكآبة والمشاكل، على الرغم مما يرافق هذه الفترة من تغيّرات وصعوبات. المعالجـة النفسيـة الدكتـورة روزمـاري شاهيـن تقدّم بعـض النصائـح التي تساعد على التحضير لشيخوخة إيجابية.


لا للمشاعر السلبية
تشير الدكتورة روزماري شاهين، المتخصصة في علم النفس العيادي، إلى أن مرحلة الشيخوخة تبدأ في سن الخامسة والسبعين الا أن المشكلة تظهر فعليًّا في سن التقاعد، حيث تتغيّر حياة المرء بشكل جذري وبصورة مفاجئة، لذا يفترض التحضير لهذه اللحظة بدءًا من عمر الشباب، مع ضرورة الإنطلاق من العوامل التي تؤدي الى شيخوخة سليمة وهي: الأوضاع الصحية، والعلاقات الإجتماعية والأسرية، والإكتفاء المادي.
على الصعيد الإجتماعي، تؤكد الدكتورة شاهين أن المرء حين يكون في ذروة إنتاجه وعطائه، نادرًا ما يفكّر في مرحلة التقاعد، أو يعطي الإهتمام الكافي لما سيحصل بعد توقّفه عن العمل، موضحة أن المتقاعد الذي ليس لديه إهتمامات أخرى يشغل نفسه بها، يقع ضحية الشعور بالإهمال والملل، وتتملّكه مختلف المشاعر السلبية التي يمكن أن تؤدي به الى الإنهيار النفسي. وهي لذلك تنصح بأن يعمل المرء على تنمية مواهبه وممارسة هواياته في مرحلة الشباب، فيجد بذلك ما يستمر في القيام به في مرحلة الشيخوخة بدلاً من الاستسلام للخيبة والمرارة والشعور بالفراغ العميق. وتذكر في هذا الإطار أن الأشخاص الذين يستبقون مرحلة الشيخوخة بالإستعداد الكافي لها إجتماعيًّا وصحيًّا وماديًّا تصبح لحظة التقاعد بالنسبة إليهم ممرًّا من حياة إلى أخرى، حيث يتاح لهم الوقت الكافي لتحقيق اهتماماتهم الشخصية وممارسة هواياتهم، ما يمنحهم شعورًا بالفرح، ينعكس بدوره على صحّتهم النفسية والجسدية. إضافة الى ذلك، تشكل الحياة الإجتماعية عنصرًا مهمًّا في تحقيق الإكتفاء الذاتي للمسن، والحفاظ على تكيّفه مع المجتمع، مع تنشيط قدراته العقلية بفضل التواصل المستمر مع الآخرين.
وتضيف الدكتورة شاهين أن الإهتمام بالحياة الإجتماعية يجب أن يترافق مع عناية صحية دائمة، فيخضع المسن لفحص طبّي شامل كل ستة أشهر، وفي حال دخوله المستشفى يجب متابعته من قبل طبيب متخصّص في طب الشيخوخة، حيث يدرس ملفّه الطبي بالكامل ويطّلع على تاريخه الصحي من مختلف جوانبه لكي يأتي العلاج متكاملاً.

 

تأثير الوضع العائلي
الحياة الأسرية السليمة هي من أبرز العوامل التي تؤدي الى شيخوخة إيجابية. وفي هذا الإطار توضح الدكتورة شاهين أن وجود المسن ضمن عائلة ترعاه وتمنحه الحب والعناية ينعكس إيجابًا على صحّته النفسية والجسدية، والعكس صحيح. فالمسن الذي ترغمه الظروف على العيش منزويًا وغير قادر على ممارسة دوره العائلي، يصاب بالإحباط، ويفقد اهتمامه بالأمور الحياتية، فتراه يهمل نفسه، وتصبح الراحة بالنسبة إليه ضربًا من الكسل، وإذا به يعيش أيامه وكأنه ينتظر ساعة الموت. أما المسن الذي يعيش حياة عائلية غنيّة بالمحبة والعاطفة، فهو يحصد زاده اليومي من الغذاء الروحي والنفسي خصوصًا اذا سمحت له العائلة أن يؤدي دور الجد (أو الجدة)، لأنه بذلك يشعر بأهمية وجوده. وتؤكد الدكتورة شاهين أن دور الجدّين تغيّر اليوم عمّا كان عليه في الأمس، فهما كانا في السابق الحضن الذي يلجأ إليه الأطفال للشكوى ضد الأهل، أما اليوم فلم يعد دورهما يقتصر على الدعم العاطفي وإنما بات يشمل الناحيتين التربوية والتعليمية. والجدان اللذان يتمتعان بصحة جسدية ووعي وإدراك يشكلان سندًا للأهل في تربية الأولاد، لا سيما أن الأمهات اليوم يعملن غالبًا لساعات طويلة خارج المنزل، وأصبح وجود الجدّة فعالاً في تزويد الأولاد القيم والمبادىء ومراقبة تصرفاتهم وإصلاح الخطأ، إضافة الى منحهم كمًّا وافيًا من العطف والأمان.

 

أجيال تحت سقف واحد
في الموضوع نفسه، تتابع الدكتورة شاهين أن وجود الجد والجدّة مع أبنائهم في المنزل نفسه موضوع إيجابي بالنسبة الى الطرفين، لكن ذلك لا يغني عن بعض النواحي السلبية لهذا العيش المشترك، إذ نسمع البعض يتذمّر من تدخّلهما بشكل مستمر في شؤون الأولاد، كما يشتكي آخرون من التقلب المزاجي أو الأطباع السيئة لكبار السن، ويحتارون في كيفية التعامل معهم. وتشرح شاهين واقع هذه المشكلة بالإشارة إلى أن التقدّم في العمر، يعرّض المسنّ لتغيّرات فيزيولوجية ونفسية مختلفة تؤثر على طبعه الذي يصبح أكثر حدّة، فيزداد المتسلّط تسلّطًا، والبخيل بخلاً، والفضولي فضولاً، الخ... هذه الصفات يمكن أن تخلق صراعات عائلية لأنها تصبح جزءًا من شخصية المسن وتنعكس سلبًا على تصرفاته. فالمسن يشعر أنه لا يزال مسؤولاً عن أولاده، كما يشعر بالأمر نفسه تجاه أحفاده، فيسمح لنفسه بالتدخل في أمورهم ونهيهم عن أمور معينة إضافة الى فرض رأيه في أمور أخرى، الأمر الذي يعتبره الأحفاد تسلّطًا وفضولًا، في حين يرى فيه المسن محاولة للحفاظ على القيم والمبادىء القديمة. هذا الإختلاف في الرأي يمكن أن يؤدي الى التصادم والى مضاعفة ما يعرف بصراع الأجيال، مخلّفًا التوتّر داخل العائلة. هنا تقع مسؤولية «الجيل الوسط» أي إبن المسن أو إبنته في وضع حد للمشاكل القائمة عن طريق الحوار، فيشرح الإبن لأبيه مسألة التطوّر في الأفكار التي ترافق تغيّر الأجيال، ويوضح للأبناء في المقابل وجهة نظر الجد أو الجدّة مظهرًا نواياهما الحسنة عند التدخل في أمور العائلة. وفي النهاية يجب التوصّل الى تسوية ترضي الطرفين مما يسمح بالعيش بسلام داخل المنزل الواحد.
الجدير بالذكر أن هناك بعض المشاكل التي تنشأ عن قيام المسن بتصرفات غريبة وغير منطقية سببها تراجع في قدراته العقلية، وهنا يجب على أفراد الأسرة محاولة إستيعابه قدر المستطاع، ومعاملته برفق كطفل صغير، مع تحاشي اللوم والهزء لأن ذلك سيجرح مشاعره ويشعره بالإهانة حتى ولو كان يعاني ضعفًا في الإدراك والوعي.

 

إحترام إستقلالية المسنّ
على الرغم من الدعم العاطفي الذي يوفّره  وجود المسنين مع أسرهم، إلا أن البعض يختار البقاء في منزله والعيش منفردًا بعد وفاة شريكه، وتقول الدكتورة شاهين حول هذا الموضوع إن ما يحدّد إستقلالية المسن هو وضعه الصحّي في الدرجة الأولى. فإن كان يتمتّع بصحّة جيّدة وقادرًا على تصريف أموره، من الأفضل احترام رغبته إذا أراد العيش بمفرده شرط التردّد عليه باستمرار لتزويده الدعم العاطفي الذي يحتاج إليه كل إنسان، إضافة الى تلبية مختلف حاجاته المادية. أما إذا كان المسن يعاني مرضًا مزمنًا ويحتاج إلى عناية خاصة فإن الأمر يختلف.

 

المسنّون في دور العجزة
يحدث في بعض الأحيان أن لا يجد المسن مكانًا له ضمن أسرته، إما لظروف سفر الأبناء أو لضيق مكان السكن أو بسبب عمل أفراد الأسرة لساعات متأخرة وعدم قدرتهم على الإعتناء به، إضافة الى عدة أسباب أخرى. في حالات كهذه غالبًا ما تلجأ الأسرة الى إيداع المسن دارًا للعجزة، وهنا تنصح الدكتورة شاهين الأبناء اولاً باختيار الدار التي تملك المؤهلات الكافية على صعيد طاقم العمل والتجهيزات والنظافة والخدمة، والتي تؤمن للمسن العناية التي يحتاج إليها على أتم وجه. والأهم بعد هذه الخطوة هو زيارة المسن كل يوم إذا أمكن أو بصورة مستمرة اذا استحالت الزيارة اليومية. فوجود الأبناء يمنح ذويهم المتقدمين في السن العطف والأمان والرغبة في العيش. ويجدر بالإشارة هنا الى عدم التوقف عن الزيارة في حال كان المسن فاقدًا الإدراك ولم يتمكن من معرفة أفراد أسرته، لأن الهدف من الزيارة هو التعبير عن المحبة، وهو ما يولّد في نفسه فرحًا ولو مؤقّتًا، ويشعره أنه لا يزال محور اهتمام عائلته.
إضافة الى دور الأسرة، تؤكد الدكتورة شاهين أهميـة دور المؤسسات الحكومية المختصة فـي رعايـة المسنين وجعل شيخوختهم إيجابية ومريحة. فمن حق كبارنا العيش بكرامة لذلك يجب سنّ القوانين والتشريعات الخاصة بضمان الشيخوخة وتفعيلها. كما تشير الى بعض الخطوات الفاعلة التي يمكن أن تقوم بها البلديات والمنظمات غير الحكومية على صعيد الإهتمام بالمسنين، وتعطي المثل على ذلك ما تقوم به البلديات في فرنسا حيث يتم تسيير دوريات مؤلفة من ممرضات متخصصات ومساعدات إجتماعيات تجوب الأحياء السكنية للعناية بالمسنين الذين ليس لديهم من يرعاهم، مؤكدة أن هذه الخطوة قابلة للتنفيذ في لبنان اذا اجتمعت النوايا الحسنة مع العمل التطوّعي والتمويل اللازم.
وتضيف أنه ليس هناك ما يمنع البلديات من إنشاء نواد خاصة بكبار السن حيث يجتمعون للتواصل والتسلية وبناء صداقات، لأن الوحدة هي من أكبر الآفات التي يعانيها المسنون. كذلك تتيح هذه النوادي للمسنين الأصحاء جسديًا وفكريًا أن يمارسوا أعمالاً يدوية ضمن المجموعة، مما يبعد عنهم الإحساس بأنهم مهمّشون ويمنحهم الثقة بالنفس والأمل بالحياة.