مستوصفاتنا

نشعر دائمًا أنّ الجيش معنا
إعداد: ليال صقر الفحل

الطريق إلى مستوصف اللواء الركن الشهيد فرانسوا الحاج العسكري-المدني في رميش هو بحد ذاته جزء من العلاج، والسبب لا يعود إلى المشهد الجميل الذي ترسمه الأشجار النضرة، والباحة الواسعة أمام المستوصف فقط، وإنما إلى الاهتمام الذي يلقاه المرضى من قبل فريق لا تغيب الابتسامة عن وجه أي من أفراده أيضًا. 

 

في صالون الانتظار الواسع والمريح نلتقي السيدة جانيت جريس وهي زوجة عسكري متقاعد، تستفيد من خدمات المستوصف منذ أن بدأ عمله في العام ٢٠١٨. هي تزوره بشكلٍ دوري وتستفيد من خدمات عيادات الغدد والسكري، والعظام والأسنان وغيرها، لكنّها حين تحتاج إلى إجراء فحوصات دم يتم تحويلها إلى المختبرات المجاورة. «الجيش ما بيتخلّى عنّا، ولو تقاعدنا»، تقول، ثم تستطرد لتضيف، المشكلة في عدم توافر الكثير من الأدوية حاليًا، لكنّ النقيب أخبرنا بأنّ العمل جارٍ لإيجاد الحلّ، بالنهاية نشعر دائمًا أنّ الجيش معنا... 

كارلا نخلة صبية من بلدة رميش أيضًا، قصدت عيادة القلب والشرايين، هي ليست من عائلة أحد أفرادها عسكري، لكنها كسواها من أبناء البلدة والجوار تستفيد من خدمات المستوصف الذي يعمل وفق صيغة فريدة من نوعها. فمستوصف رميش العسكري - المدني يتميّز بالشراكة القائمة بين قيادة الجيش وعدة جهات، وبتقديم الخدمات للعسكريين والمدنيين على السواء، ما يؤمّن تلبية حاجة ملحة لأبناء المنطقة، ويقدّم أنموذجًا للشراكة الفاعلة بين المجتمع المدني والمجتمع العسكري. كارلا تشيد بمعاملة طاقم المستوصف الحسنة من عسكريين وموظفين، وتنوّه بالجهد المبذول لإتمام هذه المهمة الإنسانية بمسؤوليةٍ وتنظيم. وتشير إلى أنّها بدأت ارتياد المستوصف بعد الأزمة، وهي تعتمد على تقديماته التي أتاحت لها الاستغناء عن زيارة العيادات الخاصة. 

 

تجربة فريدة

نتوجه إلى رئيس المستوصف النقيب جوزف العلم، الذي يخبرنا: يستفيد المستوصف من الشراكة القائمة بين قيادة الجيش من جهة ووزارة الصحة العامة من جهة أخرى، وبموجبها تقدّم الوزارة الأدوية الأساسية واللقاحات والمواد الطبيّة لمصلحة الصيدلية المدنية التابعة لها داخل المستوصف. كما يستفيد من البروتوكول الموقع بين القيادة ومنظمة فرسان مالطا التي تقدّم أدوية الأمراض المزمنة وحليب الأطفال والمعدات الطبية والمستلزمات المكتبيّة (آلات طباعة، حواسيب، محابر...). وإلى ذلك تدعم جمعية الشابان المسيحيّة YMCA المستوصف بكمية من الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، والمخصصة للمرضى المدنيين (اللبنانيين فقط). 

 

يدخلون مبتسمين...

على الرغم من قساوة الأوضاع لا تغيب الابتسامة عن وجوه العاملين في المستوصف من عسكريين ومدنيين. والعلاقات الوديّة بين مقدمي الخدمات والمستفيدين منها تخفف وطأة الضغوط التي يعانيها الجميع بسبب الأزمة. «نبذل أقصى ما يمكننا من جهود، نتفهّم أوضاع بعضنا بعضًا، ويساند كل منا الآخر»، انطلاقًا من هذا المبدأ يتعاون جميع العاملين في المستوصف الذي يؤدي دورًا مهمًا على صعيد البلدة وجوارها. رئيسه يعرف الكل بالأسماء، الأطباء والموظفين وحتى المرضى الذين يشعرون أنّهم على الرحب والسعة دائمًا. لفت نظرنا أنّهم يدخلون مبتسمين ويخرجون ممتنّين، وإن لم يكن كل ما يحتاجونه من أدوية متوافرًا، «المكان منظّم، والمعاملة حسنة، أما النقص في الأدوية حاليًا، فوضع لا يقتصر على هذا المستوصف، وإنما البلد كله يعاني» وفق أحد المستفيدين، وهذا رأي آخرين كانوا برفقته.

في مقارنة بسيطة نلاحظ أنّ ارتفاعًا كبيرًا طرأ على أعداد المستفيدين من خدمات المستوصف في العام الحالي. ففي حين كان عدد المدنيين الذين زاروه في تشرين الأول ٢٠١٩ أقل من ١٥٠ شخصًا، ارتفع إلى ١٦٣٠ في آب ٢٠٢٢، أما العسكريون فارتفع عددهم من ٥٠٠ إلى ١٠٠٠. ويشير النقيب العلم إلى أنّ معظم القاطنين ضمن نطاق المستوصف يأتون إليه للمعالجة والاستفادة من الأدوية في الصيدلية المدنية التابعة لوزارة الصحة العامة بسبب ارتفاع أسعار الأدوية أو عدم توافرها في الصيدليات الأخرى.

 

خدمات لأكثر من عشرين قرية

تغطي خدمات المستوصف سكان كل من: رميش، علما، ضهيرة، مروحين، رامية، عيتا الشعب، أم التوت، البستان، طير حرفا، دبل، حاريص، عين إبل، يارون، مارون الراس، الطيري، حدّاثة، بنت جبيل، كونين، عيترون، عيناتا، بيت ياحون، رشاف وعيتا الشعب. ويضم الطاقم الطبي الذي يؤمّن الخدمة أكثر من عشرة أطباء تشمل اختصاصاتهم الطب العام والجراحة النسائية (القسم مجهّز بماكينة تصوير Echographie) وأمراض القلب والشرايين والعظام والمفاصل والأسنان والأطفال والجراحة العامة والغدد والسكري.

يستفيد العسكريون والمدنيون على السواء من الاستشارة الطبية التي يقدّمها الأطباء المعيّنون من قبل منظمة فرسان مالطا، والأطباء المتعاقدون مع الجيش. لكنّ الوضع يختلف في ما خص الأدوية، فاستفادة العسكريين من الصيدلية المدنية تقتصر على الأدوية الأساسيّة فقط (كمسكنات الألم والمضادات الحيوية وأدوية السعال...) وذلك في حال عدم توافرها في الصيدلية العسكرية المجانية. أما الفحوصات المخبرية فتحوّل إلى المختبرات المدنية المتعاقدة مع المؤسسة العسكرية والعاملة ضمن نطاق المستوصف.

 

حاجات 

يشكر النقيب العلم القيادة على سعيها الدائم لتوفير الأفضل لأبناء المؤسسة العسكرية وعائلاتهم، وحين نسأله ما الذي تحتاجون إليه في هذا المستوصف؟ يجيب معددًا الاختصاصات غير المتوافرة حاليًّا، وأبرزها: الأنف- الأذن والحنجرة، الدماغ والجهاز العصبي، المسالك البولية، الجهاز الهضمي، الجلد، العين، العلاج الفيزيائي والأشعة. ويضيف: نحتاج إلى سيارة إسعاف لنقل المرضى الذين تستدعي حالتهم التدخل الطبي في المستشفيات المدنية المتعاقدة مع المؤسسة العسكرية، وتجهيز قسم الطوارئ بالأجهزة والمستلزمات المناسبة. فالمستوصفات في المناطق البعيدة خصوصًا تؤدي دورًا بالغ الأهمية ولا بد من تعزيز خدماتها بقدر ما تسمح الإمكانات. 

نغادر رميش ومعنا صورة اللواء الشهيد فرنسوا الحاج الذي يحمل المستوصف المصنّف كمركز رعاية صحيّة أوليّة اسمه. فعلًا دماء الشهداء لا تجف، فهي تسيل لتزهر عطاءات كثيرة.