من التاريخ

نظام الإقطاعيات العسكرية في العصور القديمة
إعداد: د. شادية علاء الدين

المالكون بالوراثة محاربون بالوراثة

 

اعتمدت الأمبراطوريات القديمة نظام الإقطاعيات العسكرية، والإقطاعية عبارة عن ارض، زراعية أو بور، تؤول حيازتها او الإنتفاع بها، بشكل دائم او مؤقت، الى الجنود أو الموظفين مقابل قيامهم بأداء مهمات وظيفتهم في خدمة الملك او الدولة.
وقد فرضت الشرائع القديمة على نظام الإقطاعيات العسكرية بعض القيود للمصلحة العامة أو لمصلحة الملّاكين الآخرين، علمًا أن نـظـام الإقـطـاع العسـكري اختـلـف بين إمـبراطـورية وأخرى في الـعـصـور القـديمـة.

 

ملوك بلاد ما بين النهرين
عرفت الشرائع القديمة وخصوصًا شرائع بلاد ما بين النهرين صورًا للملكية منها أراضي الإقطاعات للجند.
وامتلك الملوك اراضٍ شاسعة في بلاد ما بين النهرين، انتقلت اليهم بالوراثة عن ملوك سابقين، أو استولوا عليها في فتوحاتهم أو صادروها من الأمراء والنبلاء. وكانت هذه الأراضي تضم أعدادًا ضخمة من الماشية التي تدرّ إيرادات مهمة تستخدم في الإنفاق بصفة خاصة على الجيش.
وتميّز الملك في تلك الأمبراطورية بالقوة والهيبة، فهو محارب ومنتصر، وإلا تعرّض للعصيان من جانب الأمراء أو الملوك الصغار، الذين هم غالبًا من الأسرة المالكة أو من اصهارها.
واعتاد ملوك بلاد ما بين النهرين إقطاع الجنود بعض الأراضي للانتفاع بها كراتب له م عن الخدمة العسكرية. وبما أنه كان يتعذر على الجنود زراعة أراضيهم بأنفسهم بسبب الخدمة العسكرية، فقد مدّهم الملوك بالأيدي العاملة اللازمة لزراعة تلك الأراضي، التي كانت تنتقل الى ورثتهم.

 

الأمبراطورية البابلية
إنقسم الجنود إلى قسمين في الأمبراطورية البابلية: الفئة الأولى تضم الجنود الذين يخدمون بشكل دائم في فرق الحرس الملكي متخذين الجندية مهنة لهم.
أما الفئة الثانية فكانت تضم العدد الأكبر من الجنود، وهؤلاء يتم تجنيدهم إذا اقتضت الحاجة وتصرف لهم رواتب. وقد منحهم الملك بيوتًا وقطعانًا وأراضٍ للاستفادة منها في وقت السلم.
ولم تنتقل هذه الأراضي وفق قانون حمورابي للورثة، وانما كان يحق للإبن او لشخص آخر الانتفاع بها نظير قيامه بالخدمة العسكرية في حال وقوع مالك الأرض في الأسر أو الوفاة. وقد أرادت الدولة البابلية المحافظة على املاكها وعدم تفتيتها حين اقطعتها فقط للذين يخدمون في الجيش، ومنعتهم من بيعها أو تأجيرها.
وفرض قانون حمورابي على القادة العسكريين، الذين وقعوا في الأسر خلال الحرب ثم عادوا الى قراهم، متابعة القيام بواجباتهم العسكرية. كما توجب على الشخص الذي أخذ حقل الأسير مقابل القيام بالخدمة العسكرية، أن يعيد للأسير حقله عند عودته من الأسر.
وأجاز هذا القانون إعطاء حقل القائد العسكري، الذي وقع في الأسر، الى الإبن القادر على القيام بالخدمة العسكرية التي كان والده يقوم بها.

 

مصر الفرعونية
شكّلت الزراعة موردًا خصبًا ومهمًا في مصر حيث كانت جميع الأراضي ملكًا للفرعون، إنما من الناحية النظرية. فقد عرفت مصر نظام ملكية الأراضي وتنوعت الملكية بين كاملة، ومؤقتة يتم الانتفاع بها مدة من الزمن أو مدى الحياة، أو مؤجرة.
وأقطع الفرعون اإقطاعات من الأراضي إلى موظفيه وأقاربه وحاشيته وغيرهم. وكان الفلاحون يستمرون في الإقامة في الأرض التي يرتبطون بها حتى إن تم تغيير الفرعون أو المالك أو المستأجر.
ولم يبرهن الفلاح المصري عن أهلية تُذكر في خدمته العسكرية، بينما برهن الجندي المأجور والغريب عن جدارة وكفاءة فازداد عدد المرتزقة منذ أواخر عهد السلالة الثامنة عشرة.
وأقطع الملك كلًا من المرتزقة أرضًا لزراعتها والانتفاع بها من اجل تأمين حاجاته وحاجات عائلته، إلا أنه احتفظ مبدئيًا بحق تملّك الأراضي حيث أبقى فيها عائلات الجنود طالما كانوا صالحين فقط للخدمة العسكرية. وكان يحق لإبن الجندي والعائلة الاحتفاظ بالأرض إذا خلف والده كجندي ومزارع، وذلك ليؤمن الجيش بديلًا عن جندي تجاوز سن الخدمة او أصيب بمرض.
وقد ادّى هذا النظام إلى «تمصّر» احفاد الجنود المرتزقة ما حال دون القدرة على التمييز بينهم وبين الجنود المصريين الأصليين الخاضعين لنظام مماثل، وتكونت مع الوقت طبقـة «المحـاربين» بالوراثة.

 

عرب الجاهلية
أقطع الملوك، من عرب الجاهلية، أعوانهم وكبار الموظفين مساحات كبيرة من الأراضي لاستغلالها مقابل تقديم الجنود لهم. وكان حق الانتفاع بهذه الأراضي مؤقتًا طوال حياة المنتفع. وهو ينتقل إلى ورثته طالما وفى تجاه الملك الالتزامات التي كانت على مورثه.

 

إسبرطة
كان الإسبرطي يزاول حياته العسكرية كجندي في الجيش الوطني عند بلوغه سن الرشد،إذ لا يسمح له بالتعامل في التجارة او الصناعة أو الزراعة، وكان الهدف من ذلك تفرّغه فقط للحياة العسكرية. وكانت الدولة الإسبرطية ترعى الشؤون المادية للجندي وأسرته نظرًا إلى كون التدريبات العسكرية تتطلب كل وقته فتمنحه الأراضي الزراعية والعبيد لفلاحة الأرض واستغلالها. وفرضت الدولة على هؤلاء العبيد خدمة الإسبرطي الذي يعملون في أرضه، في وقت السلم وفي ميدان القتال، فضلًا عن إعطائهم للإسبرطي واسرته نصف العائد من الأرض.

 

البطالمة
قسّم البطالمة مصر إلى مقاطعات وأحضروا إليها عددًا كبيرًا من الإغريق الذين اصبحوا العنصر الأساسي في بناء الجيش.
إمتلك الملك البطلمي الرقعة الكبرى من الأراضي الزراعية في مصر فضلًا عن الأراضي التي آلت اليه بعد ان هجرها مالكها، والأراضي التي سقطت عنها الملكية لأسباب مختلفة. وقد نص النظام في مصر البطلمية على تقسيم الأراضي الى قسمين هما، اراضي الملك، والإقطاعات الموهوبة للجنود وكبار الموظفين والمعابد.
واعتمد البطالمة نظام الاقطاع العسكري في مكافأتهم للجنود الإغريق والأجانب الذين خدموا في الجيش. وقضى هذا النظام، ايضًا، بأن تؤول إلى الملك جميع الأراضي الموهوبة للجنود إثر وفاتهم أو امتناعهم عن دفع الضرائب التي فرضتها الدولة على تلك الأراضي.

 

المماليك
منح السلطان قلاوون الإقطاعات لأمراء العساكر كمكافأة على خدماتهم العسكرية في بلاد الشام حيث تسلّموا اقطاعاتهم من ديوان الجيش. ولم تكن الإقطاعات تنتقل إلى الورثة وإنما يقوم «ناظر الجيش» بإبلاغ الدولة بوفاة مالكها ليعاد تسجيلها بديوان الجيش في القاهرة. وقد حققت سياسة الإقطاع، التي كانت تلائم طبيعة الدولة المملوكية، فوائد جمّة منها تنظيم عمل الدولة وزراعة الأراضي البور وتأمين الخدمة العسكرية. إلا أن هذا النظام تحوّل مع الوقت الى مشكلة أدت مع غيرها من العوامل إلى الفساد والانحطاط على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في الدولة.

وأصبحت الإقطاعات العسكرية في ما بعد ملكًا للمعطى إليه ويحق له التصرف بها نتيجة التطور الذي سار عليه هذا النظام في المجتمعات القديمة.


المراجع والمصادر:
- أندريه ايمار، جانين اوبوايه:
تاريخ الحضارات العام، الشرق واليونان القديمة منشورات عويدات، بيروت - لبنان، الجزء الأول.
- د. الياس قطار: نيابة طرابلس في عهد المماليك (688-922هـ/1289-1516م)، منشورات الجامعة اللبنانية قسم الدراسات التاريخية، بيروت 1998.
- د. حسن المبيض: اسباب انهيار الامبراطورية الرومانية، دار ومكتبة الجامعة اللبنانية للطباعة والنشر والتوزيع، طرابلس 1990.
- تاريخ الشرق الأدنى القديم، دار ومكتبة الجامعة اللبنانية للطباعة والنشر والتوزيع، 1991.
- د.احمد ابراهيم حسن: تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، الدار الجامعية، بيروت 1995.