من الميدان

نظام الادارة المتكاملة للحدود اللبنانية شمالاً
إعداد: ريما سليم ضومط

قريباً تنتهي الفترة التجريبية وينجز التقييم

على أثر حرب تموز 2006، دعا مجلس الأمن في القرار 1701- الفقرة 14 الحكومة اللبنانية إلى مراقبة جميع الحدود اللبنانية وضبطها بشكل تام منعاً لدخول الأسلحة والممنوعات إلى داخل أراضيها. وبناءً عليه، طلبت الحكومة اللبنانية من الحكومة الألمانية الدعم والمساندة لوضع مشروع متكامل يهدف إلى حماية الحدود اللبنانية، فتم التوافق بين الطرفين على اتخاذ خطوات عملية في هذا الشأن أثمرت «المشروع التجريبي لنظام الادارة المتكاملة للحدود اللبنانية الشمالية» الذي وضعت أسسه بدءاً من أوائل العام 2007، على أن يتم تطبيقه بالكامل في نهاية حزيران 2008.
هيكلية المشروع، أهدافه، مراحل تنفيذه، ودور الفريق الالماني والدول المانحة. أسئلة حملتها مجلة «الجيش» إلى كل من رئيس «لجنة مراقبة وضبط الحدود الشمالية» العقيد الركن حميد اسكندر، ورئيس الفريق الاستشاري الالماني الجنرال كارل شتولتز.


الأهداف
وضعت أهداف المشروع التجريبي لمراقبة وضبط الحدود الشمالية بالتعاون الوثيق بين الفريق الإستشاري الألماني والأجهزة اللبنانية المعنية. وقد لخّص العقيد الركن حميد اسكندر هذه الأهداف بعدد من النقاط من بينها زيادة فعالية ضبط الحدود ضمن إطار التشريعات اللبنانية ذات الصلة، مكافحة الجرائم المرتبطة بالحدود والقضاء عليها، تحقيق نظام إتصالات وإنشاء مركز عمليات مشترك في المنطقة الشمالية وتعزيز التعاون بين الأجهزة اللبنانية المعنية بأمن الحدود. من ضمن الأهداف أيضاً، تدريب وإعادة تدريب عناصر الأجهزة المذكورة وتقديم التجهيزات الملائمة بما يتطابق مع المعايير الدولية لضبط الحدود، إضافة إلى تطوير التنسيق في ما بينها لجهة تبادل المعلومات وتحليل المخاطر المشتركة.

 

أولى الخطوات
بدأت أولى الخطوات على طريق تنفيذ مشروع حماية الحدود الشمالية في الحادي والعشرين من آب 2006، وذلك بإنشاء «لجنة السهر على حسن مراقبة وضبط الحدود اللبنانية» برئاسة اللواء أشرف ريفي، وعضوية ممثلين عن الأجهزة الأمنية والإدارية المعنية بضبط الحدود.
وفي شهر آذار من العام 2007، صدرت عن قيادة الجيش برقية منقولة تقضي بإنشاء «لجنة مراقبة وضبط الحدود الشمالية» برئاسة العقيد الركن حميد اسكندر، وعضوية ضباط ممثلين عن الأجهزة الأمنية المشاركة في ضبط الحدود من جيش وأمن داخلي وأمن عام وجمارك.

 

الإدارة الموحدة للحدود
شرح العقيد الركن حميد اسكندر بإسهاب دور لجنة ضبط ومراقبة الحدود الشمالية، فأوضح اولاً أنها تتولى مهمة التنسيق بين الفريق الألماني والدول المانحة من جهة، وقيادات الأجهزة  المشاركة في المشروع من جهة أخرى. كما أشار إلى أنها مسؤولة عن تنسيق وتطوير كل مرحلة من مراحل تنفيذ المشروع التجريبي بما في ذلك مفهوم «الإدارة الموحدة للحدود».
وأشار إلى أن اللجنة باشرت فور إنشائها إجتماعات عمل متواصلة مع الفريق الاستشاري الألماني وخبراء الدول المانحة، تمّ على أساسها وضع الشروط والصلاحيات التي تحدد دور كل من الجانبين اللبناني والدولي. كما تمّ وضع تصوّر لإنشاء قوة مشتركة لمراقبة الحدود الشمالية وضبطها، تضم الأجهزة الاربعة (الجيش، الأمن  الداخلي، الأمن العام، الجمارك) وترتبط عملانياً بقيادة الجيش - أركان الجيش للعمليات. كما وتمّ تحديد الحاجات اللازمة من عديد وتدريب وتجهيزات للتمكن من تنفيذ مهمتها. وأوضح العقيد الركن اسكندر أن اللجنة وضعت تصوّراً لإجراءات إدارة النوعية وتقييم عمل القوة المشتركة بالتنسيق مع الفريق الألماني، تشمل تطوير الإجراءات العملانية الدائمة المتعلقة بعمل القوة، وتحسين أدائها، إضافة إلى تطوير التعاون بين الأجهزة المشاركة وذلك بغية تحقيق أهداف استراتيجية الإدارة المتكاملة للحدود اللبنانية.
وأضاف أنه في تاريخ 28/7/2007، أصدر مجلس الوزراء قراراً بإنشاء القوة المشتركة وحدّد مهامها والغاية من إنشائها وارتباطها، وذلك بالاستناد إلى إقتراحات اللجنة الموافق عليها من قبل قيادات الأجهزة الأربعة.


مراحل تنفيذ المشروع  
في سبيل إنجاح المشروع التجريبي وتحقيق الأهداف الموضوعة له، تمّ تقسيم العمل إلى ثلاث مراحل حددها العقيد الركن اسكندر على الشكل الآتي:
• المرحلة التحضيرية، امتدت حتى نهاية العام 2007، وتمّ خلالها تأمين القسم الأكبر من التجهيزات التي اقترحتها اللجنة بالتنسيق مع الفريق الاستشاري الألماني وخبراء الدول المانحة.
شملت هذه المرحلة أيضاً تشكيل عناصر القوة المشتركة وفصلهم، وتدريبهم بما يتوافق مع المهمة الموكلة إليهم، بعد إنشاء مركز تدريب خاص وتجهيزه في معسكر عرمان للتدريب على همة الجانب الدانماركي.
• المرحلة التنفيذية، مدتها ثلاثة أشهر. تهدف إلى اختبار التصور العام المتجسد بالاجراءات العملانية الدائمة لتنفيذ المهمة، على أن يتم استثمار المعلومات المتوافرة وإدارة نوعية تنفيذ المشروع لتطوير عمل القوة المشتركة وتحسينه بشكل يمكّنها من مواجهة التحديات وسدّ الثغرات وصولاً إلى بلوغ أهداف المشروع.
• مرحلة التقييم، يتم خلالها تحليل المستندات والوثائق التي يتم جمعها في أثناء التنفيذ، واستثمارها ومقارنتها مع الأهداف، على أن تشكل نتائج التحليل القاعدة الأساسية لتقرير مدى نجاح المشروع.
عن المهلة النهائية المحددة لتنفيذ المشروع التجريبي، أوضح العقيد الركن اسكندر انه تمّ تمديدها حتى نهاية حزيران المقبل في حين كان من المفترض إنجاز الفترة التجريبية في أواخر شهر نيسان 2008. ورد السبب في ذلك إلى الصعوبات التي أجّلت عملية البدء بالمرحلة التنفيذية ومن بينها تأخر وصول نظام الاتصالات وبعض المعدات الأساسية الأخرى، وإتمام أعمال البنية التحتية المطلوبة لتتطابق مع المعايير الأوروبية في هذا المجال. وأشار إلى أن عملية التمديد ستمكّن من إدارة النوعية وتقييم عمل القوة بشكل موضوعي ومتجرّد، موضحاً أنه نتيجة التقييم ستدخل القوة المشتركة الاقتراحات والتعديلات اللازمة بالتنسيق مع اللجنة وذلك بعد موافقة قيادات الأجهزة المشاركة، ومن ثم تتابع القوة المشتركة عملها بشكل مستقل في حين أن اللجنة والفريق الاستشاري الألماني، في حال اتخاذ القرار، قد ينصرفان، إلى تعميم التجربة على الحدود الشرقية.

 

الدور الألماني والتنسيق
بين لبنان والدول الداعمة
قدمت الحكومة الألمانية دعماً كبيراً للبنان في مشروعه التجريبي «لنظام الإدارة المتكاملة للحدود الشمالية». عن هذا الدعم وعن دور ألمانيا وصلاحياتها تحدث رئيس الفريق الاستشاري الألماني الجنرال كارل شتولتز موضحاً أن الحكومة الألمانية تقوم بدعم مشروع حماية الحدود اللبنانية السورية بناءً على طلب من رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة. وأكد أن لبنان هو من يتولى عملياً ضبط الحدود، وهو من يقوم بالخطوات اللازمة لتطبيق القرار 1701، موضحاً أن المشروع التجريبي لحماية الحدود هو ملكية لبنانية وليس لألمانيا أو للفريق الدولي أي دور قيادي مباشر.
عن كيفية التنسيق بين لبنان والدول الداعمة قال شتولتز أن المانيا تقود الفريق الدولي للدول المانحة موضحاً أن التنسيق بين الطرفين اللبناني والدولي يتم من خلال لجنة مشتركة لبنانية -المانية. وأضاف: تتعاون عدة دول لتأمين الوسائل اللازمة من معدات وعتاد وتدريبات وتقديم الاستشارة والخبرة، لكن القرار في النهاية لبناني ولا نتدخل في التطبيق العملي.
وتحدث الجنرال الألماني عن الخطوات العملية التي اتخذها الفريق الدولي على صعيد دعم المشروع التجريبي فأوضح أن الدول المانحة تولت تأمين الوسائل اللازمة لإنجاح العمل من تمويل للمشروع الذي بلغت كلفته 11 مليون يورو، وتوفير وسائل التدريب بهدف تأهيل المشاركين في القوة المشتركة.
وذكر من بين التقديمات المساعدات المالية التي قدّمها الاتحاد الأوروبي، ومركز العمليات المشتركة الذي قدّمته الحكومة البريطانية لافتاً إلى أنه يضمّ نظاماً للقيادة والسيطرة بالغ التطور ينفذ للمرة الاولى خارج بريطانيا. وأضاف أن كندا قدّمت بدورها 28 سيارة لقوى الأمن الداخلي، في حين أمّنت الولايات المتحدة نظام اتصالات، وقدّمت الدانمارك كل ما يتعلق بالتدريب المتطور فجهّزت مركزاً لهذه الغاية في معسكر عرمان، وقامت بتأمين مدربين لصالح المشروع التجريبي. كما أوضح أن المانيا اضطلعت بدور بارز في إدارة المشروع، وفي تأمين الجزء الأكبر من المعدات والعتاد بما في ذلك السيارات والعتاد والمعدات الفردية.
عن التحديات التي واجهت المشروع التجريبي في بداية تحقيقه، أشار الجنرال شتولتز إلى أن أبرزها كان في تأمين العدد اللازم من الضباط والعناصر لتحقيق المهمة، لا سيما أن المشروع يحتاج إلى ضباط متخصصين وعناصر مدربين تدريباً خاصاً. وبما أنه لم يكن هناك قوة متخصصة في هذا المجال ولم يكن لأي سلطة الصلاحية الكاملة في هذا الإطار، فقد قام الفريق الألماني بالتنسيق مع لجنة مراقبة وضبط الحدود الشمالية بوضع خطة الحدود (الإجراءات العملانية الدائمة) التي جمعت ضمن القوة المشتركة ضباطاً وعناصر من مختلف القوى الأمنية اللبنانية في فريق عمل واحد، وهي تجربة يشهدها تاريخ لبنان للمرة الأولى. وأوضح شتولتز أن التحدي في هذه المرحلة يتمثل في تطبيق مبدأ التعاون بين مختلف الأجهزة كما هو معمول به في أوروبا، وقد نجح الرهان حيث أبدت جميع القوى المشاركة تعاوناً وثيقاً على صعيد تبادل المعلومات والتنسيق وتقديم الدعم اللازم.

 

مبادئ قيادة جديدة
الجنرال شتولتز أوضح أن الفريق الألماني شجع على إدخال مبادئ قيادية جديدة من بينها مبدأ تجيير الصلاحيات الذي يقوم على تفويض المسؤولية للرتب الأدنى من خلال اتخاذ المبادرة، بهدف تمكين العاملين على الأرض من حلّ المشاكل المستجدة والتي تستدعي اتخاذ مبادرة فورية.
في الختام أشار الجنرال شتولتز إلى أن الفريق الدولي يهدف من خلال التقديمات والتدريبات والتجهيزات التي قدّمها للجانب اللبناني، إلى مساعدة لبنان ودعمه في مراقبة الحدود وفقاً للمعايير الأوروبية، مؤكداً أن العمل مع القوى اللبنانية كان مشجعاً جداً نظراً الى وجود رؤية مشتركة بين الطرفين وللتعاون الوثيق الذي أبدته جميع الأطراف المشاركة.
وختم بالقول: من المبكر أن نقيّم الآن المشروع لأنه ما زال حديثاً، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن فريق العمل يتعلّم من خلال التجارب التطبيقية ويتقدّم بشكل واضح يوماً بعد يوم، على أمل أن يصبح وفقاً لتوقعاتنا من أفضل قوات حماية الحدود في الشرق الأوسط.

 

 

تصوير: طلال عامر