نموذج يُحتذى

نظام الرعاية والحماية في الجيش: نموذج ينبغي تعميمه وليس تحجيمه
إعداد: روجينا خليل الشختورة

تحمي السياسات الاجتماعية العادلة المجتمع وتسهم بشكلٍ أساسي في استقراره ونموّه. فتوفير السكن والتعليم والطبابة والنظام التقاعدي العادل، تندرج في إطار الحماية الاجتماعية التي يفترض بالدولة أن تؤمّنها لمواطنيها.
لم تنجح الدولة اللبنانية في وضع سياسة اجتماعية متكاملة توفّر الرعاية والحماية لمواطنيها. في المقابل، تُشكّل تجربة الجيش في هذا المجال نموذجًا يُحتذى. فقد استطاعت أجهزته تأمين الرعاية والخدمات لشريحةٍ واسعة من اللبنانيين قوامها العسكريون وعائلاتهم، موفّرة بذلك تقديمات تعوّض عن محدودية الرواتب، والمخاطر المترتبة على خصوصية وظيفة العسكري.
في ما يأتي نظرة سريعة إلى أبرز الأجهزة التي تُعنى بتوفير مقومات العيش الكريم للعسكريين.


الطبابة العسكرية
الطبابة العسكرية هي إحدى أكبر الأجهزة التابعة للمؤسسة العسكرية تتميّز بقدراتها الكبيرة، وانتشارها على كامل الأراضي اللبنانية، عبر الكثير من الأجهزة التابعة لها. وهي تؤمّن التغطية الطبية للمستفيدين بنسبة 100% سواء تلقوا الخدمات في أجهزتها أو في مؤسسات طبية مدنية حين تقتضي الحاجة ذلك.
يبلغ عدد المستفيدين من الطبابة العسكرية حوالى الـ٤٠٠٠٠٠. ويعطي هذا الرقم بحد ذاته فكرة عن أهمية هذا الجهاز الذي يغطي صحيًا نحو 10 في المئة من اللبنانيين.
تشمل هذه التغطية تقديم أفضل العلاجات والخدمات، وكل ما تستلزمه أحوال المرضى من رعاية ومتابعة، وذلك من خلال التجهيزات الحديثة والطاقم الطبي الكفوء واعتماد الأدوية الأصلية، ونظام الإدارة الفعال، فضلًا عن العلاقات الإنسانية والروابط الوثيقة بين مقدمي الخدمات ومتلقّيها. وقد تكون هذه النقطة الأخيرة من بين نقاط كثيرة تستوجب التوقف عندها: «كان النقيب (الطبيب) إلى جانبي طوال الليل» تقول مسنّة تتلقى العلاج في قسم القلب.
مريض آخر أصابه سرطان الرئة يدعو بطول العمر للأطباء والممرضين الذين أحاطوه برعايةٍ جعلته يقاوم المرض. وثمة صور جميلة لا تغادر ذاكرة الإنسان، «العناية التي لقيتها في المستشفى العسكري المركزي صورة جميلة بدّدت السواد الذي رماه المرض أمام عينيّ» يقول الخمسيني الذي عاد إليه الأمل، سيفرح بابنه ويرى أحفاده في أحضانه...
لقد شهدت الطبابة العسكرية أكثر من نقلة نوعية على صعيد المباني والتجهيزات والمعدات والطاقم الطبي والإداري، فضلًا عن المكننة التي أتاحت فعالية قصوى في الإدارة والمراقبة.
أخيرًا، قد تكون كلفة تأمين الطبابة لنحو 400 ألف مستفيد عالية، غير أنّها أقلّ بكثيرٍ من الكلفة التي تترتّب على تقديم الخدمات نفسها، في قطاعات أخرى.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تقوم الطبابة العسكرية باستدراج عروض سنوية وتوقيع اتفاقيات مع الشركات ما يؤدي إلى تحقيق وفر يتخطى الـ50% من ثمن الأدوية، فضلًا عن توفير الأصلي منها.

 

جهاز إسكان العسكريين المتطوّعين
أُنشئ جهاز إسكان العسكريين المتطوعين بموجب القانون رقم 349 بتاريخ 16/6/1994، وحُددت مهماته بتمليك العسكريين مساكن خاصة بهم، وذلك من خلال عقد اتفاقيات مع المصارف يُمنح بموجبها المستفيدون من الجهاز قروضًا سكنية بفوائد مخفّضة، فضلًا عن عدّة تسهيلات.
تتنوّع القروض التي يؤمّنها الجهاز بين قرض لشراء شقة جاهزة ومفرزة، وقرض لبناء مسكن وآخر لشراء شقة قيد الإنجاز. ويستفيد منها العسكريون في الخدمة الفعلية والمتقاعدون (ضباط، رتباء وأفراد)، وعناصر أمن الدولة والأمن العام. ويقوم الجهاز بتمليك عائلة الشهيد (ساحة الشرف/الواجب) وحدة سكنية تغطي كلفتها بالكامل من أموال الجهاز وفق جدول حقوق محدّد.
بلغ عدد المستفيدين من الجهاز حتى نهاية شهر أيار 2019: 3460 ضابطًا و16551 رتيبًا وفردًا، أي ما يتخطى الـ20000 مستفيد.
تأثّر الجهاز بالوضع القائم حاليًا عقب التعديلات الإلزامية التي فرضها المصرف المركزي على دعم الفوائد العائدة للقروض الإسكانية إذ باتت معدلات هذه الفوائد مرتبطة بمؤشرٍ يصدر سنويًا عن مصرف لبنان، ما أدى إلى ارتفاعها بشكلٍ ملحوظ. فقد وصلت حاليًا إلى 5.5% (متحركة) بعد أن كانت لفترةٍ طويلة 1.628% (ثابتة).
عمل الجهاز على الحد من تأثير هذا الارتفاع بالتعاون مع المصارف، وذلك من خلال رفع نسبة الفائدة على ودائع القروض لمصلحة العسكريين، ومفاوضة البائعين على أسعـار الشقـق وتخفيضهـا.

 

المساعدات المدرسية
من خلال دعمها للأقساط المدرسية، تسهم الدولة في تأكيد حضور المؤسسات التعليمية الخاصة ذات الجودة النسبية. يشكّل هذا الأمر أحد عناصر تنوّع النظام التعليمي اللبناني الذي ينصّ عليه الدستور، وأحد أسباب تميّزه.
تندرج المساعدات المدرسية التي يتقاضاها العسكريون في إطار مساهمة الدولة في تأمين حق التعليم لمواطنيها. وهي تغطي من أقساط المدارس والجامعات الخاصة، نسبة معينة وفق ما توفره الموازنة. منذ 5 سنوات تقريبًا، لم يتغيّر المبلغ المرصود للمساعدات المدرسية في موازنة الجيش، مع العلم أنّ كلفة التعليم ارتفعت بشكلٍ كبير، وبالتالي انخفضت نسبة المساعدات المدرسية والجامعية لتصبح 51% تقريبًا، ومع الخفض الذي تعرّضت له الموازنة الحالية، ستنخفض النسبة أكثر.
يستفيد من المساعدات المدرسية والجامعية عسكريو الخدمة الفعلية، والمتقاعدون والموظفون المدنيون في ملاك الدولة بالإضافة إلى أبناء العسكريين المعوّقين والشهداء.
يتولّى قسم خاص في مديرية القضايا الإدارية في الجيش أمر هذه المساعدات وفق شروط وإجراءات محددة، تتيح التدقيق في المعلومات والأرقام منعًا لأي تلاعب. وفي حال إثبات أي غش، يُحرم صاحب العلاقة من الاستفادة في السنوات اللاحقة.
جرت العادة أن تُمنح المساعدات المدرسية على دفعتين تكون الأولى أكبر من الثانية كي يستطيع المستفيد منها تسديد المبلغ الأكبر للمدرسة، لتأتي الدفعة الثانية مع نهاية العام الدراسي.
هذه السنة، سيكون على العسكريين تحمّل المزيد من الأعباء مع الحسومات التي أُقرَّت على موازنة وزارة الدفاع الوطني.

 

جهاز الرعاية والشؤون الاجتماعية للعسكريين القدامى
لا ينسى الجيش شهداءه، فهو يرعى عائلاتهم ويظلّ على تواصل معها، ويساندها في مختلف المجالات. والعسكريون القدامى يجدون أيضًا في المؤسسة كل مساعدة يحتاجونها، إذا اقتضت أوضاعهم الصحية أو أوضاع عائلاتهم عناية خاصة بسبب إعاقة أو مرض مزمن...
يتولى جهاز الرعاية تنفيذ عدد لا يحصى من المهمات في هذا المجال من خلال قسمين: قسم الرعاية والشؤون الاجتماعية، وقسم شؤون العسكريين القدامى.


قسم الرعاية والشؤون الاجتماعية
يُعنى قسم الرعاية والشؤون الاجتماعية بعائلات الشهداء والمفقودين، فيهتمّ بأي طلب قد تتقدّم به أو أي مشكلة قد تواجهها، من خلال الأركان المعنية. ويستصدر القرار المناسب في شأنه، إضافة إلى الاهتمام بكل المشكلات التي قد تواجهها وحاجاتها.
من نشاطات هذا القسم:

- تنظيم الزيارات الدورية لعائلات الضباط شهداء ساحة الشرف (في الذكرى السنوية للاستشهاد، وفي مناسبة الأعياد)، وذلك للإبقاء على التواصل معها، ومواكبة حاجاتها وطلباتها. وتشمل الزيارات أيضًا الضباط معوّقي الحرب الذين ما زالوا في الخدمة الفعلية.

- تنظيم الاحتفالات في الأعياد والمناسبات والتي تكون عائلات الشهداء في طليعة المدعوين إليها.

- التعاون مع جمعيات وأفراد في تنظيم نشاطات ترفيهية مختلفة لأولاد العسكريين الشهداء وعائلاتهم (مسرحيات، مخيمات، رحلات وسفر، وعروض ترفيهيّة مختلفة...).

- منح مساعدات اجتماعية لعائلات العسكريين الشهداء والمتوفين ومعوّقي الحرب.
 

قسم شؤون العسكريين القدامى
في قسم شؤون العسكريين القدامى، تتمّ معالجة الطلبات المتعلّقة بالأوضاع الصحية للعسكريين المتقاعدين وعائلاتهم، وعائلات العسكريين الشهداء الذين هم على العاتق، إضافة إلى تأمين الأدوية الدائمة المرتفعة الكلفة، وباستصدار قرارات تتعلّق بإجراء عمليات جراحية مرتفعة الكلفة للمستفيدين من الطبابة العسكرية، سواء كان ذلك في لبنان، أو في الخارج، وتأمين مستلزمات ومعدات طبية للعسكريين المتقاعدين وعائلاتهم، وإيواء بعض المستفيدين ومعالجتهم وفق أوضاعهم المادية والاجتماعية والصحية، في مراكز راحة.
إلى ذلك، يتابع القسم قضايا المتقاعدين ويساعدهم في حلها بالتنسيق مع الجهات المعنية.
يبلغ مجموع الشهداء في الجيش بين ضابط ورتيب وفرد، ووفق التصنيفات المعتمدة (شهيد ساحة الشرف، والواجب والخدمة) حوالى 4000 شهيدًا يُضاف إليهم المعوّقون والمتقاعدون الذين أفنوا حياتهم في المؤسسة والذين يبلغ عددهم حوالى 350 (بين خدمة فعلية ومتقاعدين)... ورعاية هؤلاء وعائلاتهم واجب مقدس بالنسبة إلى المؤسسة التي أقسموا على الوفاء لها وللوطن. وقد بنى عسكريّو الجهاز عبر السنوات علاقات وطيدة مع هذه العائلات، فرافقوها في جميع المناسبات والظروف...