الجيش والمجتمع

نعاند القدر ونشتري الأمل!
إعداد: ندين البلعة خيرالله

تفشّت آفة المخدرات في المدارس، ولم يعد تهديدها مقتصرًا على الشباب في الطرقات فحسب، بل امتدّت سمومها لتطال أطفالنا! أولاد يركضون ويلعبون وفي جيوبهم مواد لا يعرفون ما هي، شبح الموت يهدد طفولتهم، فمن يحميهم؟ الجوع والعطش اجتاحا المنازل فمن يلتفت إلى عائلاتنا؟ تلامذة لا يملكون معطفًا يقيهم برد الشتاء القريب، فمن يدفئهم؟ مزارعون ومربو مواشي يعانون الأمرَّين ليحافظوا على مصدر رزقهم الوحيد، فمن يهتم بهم؟ الحرائق التهمت أحراجنا وثروتنا الخضراء، فمن يطفئها ويقينا منها؟...

أمام هموم الناس الكثيرة، وحاجاتهم التي لا تُحصى ولا تُعَد، تقدم الجيش لمواجهة الصعوبات، ورغم ظروفه القاسية ظل مصدر الأمل للشعب، فشرع العمل من خلال مديرية التعاون العسكري - المدني CIMIC، الجهاز الذي أوكلته قيادة الجيش مهمة تحسّس وجع المواطنين في همومهم اليومية. كيف لا وهي التي يجول أفرادها كافة المناطق، يتلمسون معاناة مواطنيهم ويحاولون التخفيف عنهم قدر الإمكان. يراقبون، فيحددون الحاجات وعلى أساسها يخططون المشاريع وينفذونها.

 

أعطت قيادة الجيش توجيهاتها للمديرية لحشد الدعم والتعاون مع مختلف الجهات المعنية، المحلية والدولية، لتحقيق الهدف الأسمى لوجودها ألا وهو مساندة الشعب في محنته، وهذا ما يُعمل عليه وفق ما يفيدنا مسيّر أعمال مديرية التعاون العسكري - المدني العقيد الركن إياد العلم، الذي تحدّث عن مساعي المديرية في إطار توحيد الجهود لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

 

لأبناء الشمال بشرى سارة!

لا بد من التطرّق أولًا إلى المشروع الأمل لمنطقة الشمال الذي بات واقعًا! فمن ضمن المقاربة الشاملة التي تعتمدها المؤسسة العسكرية في حربها ضد المخدرات، وبعد أن لجأت جمعيتا «المنهج» و«أم النور» إلى الجيش لإنقاذ أطفال الشمال تحديدًا من هذا الموت المحتم، هبّت مديرية التعاون العسكري - المدني، وبتوجيه من العماد قائد الجيش إلى المساعدة. وها هي اليوم تباشر بمشروع تأهيل مركز لمعالجة المدمنين على المخدرات في منطقة الشمال، عله يكون بادرة أمل لأبناء المنطقة ومصدر طمأنينة على مستقبل أولادهم. وهذا واحد من مشاريع لا تُحصى على روزنامة المديرية، التي تحاول جاهدةً الاستجابة إلى حاجات شعبها بما أوتيت من قوة وقدرة.

 

شركاء في مواجهة الأزمة المعيشية

في موازاة ذلك، تقوم المديرية بجولاتٍ في جميع المناطق اللبنانية، حيث تنظم لقاءات حوارية مع الأهالي للوقوف على همومهم وحاجاتهم من جهة، ولاستكشاف أفضل سبل تلبية هذه الحاجات من جهة أخرى، وذلك بالتعاون مع الأكاديميين والمجتمع المدني ومختلف الشركاء.

فقد شاركت المديرية في عدة لقاءات وجلسات حوارية مع الجامعات، منها يوم عمل في جامعة البلمند بهدف وضع خطة تعاون متكاملة مع قسم تكنولوجيا الهندسة الزراعية في الجامعة، وذلك لدعم القطاع الزراعي وصغار مربي المواشي. وفي الجامعة الأميركية، كانت لها لقاءات مهمة الهدف منها وضع الخطط التنفيذية لدعم صمود المواطنين وتعزيز أمنهم الغذائي خلال الأزمة الاقتصادية الراهنة.

وفي محافظة بعلبك الهرمل أقيمت حلقة حوارية بعنوان «أهمية التعاون العسكري - المدني» بالتعاون بين المديرية والجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب، ضمن حملة «شركاء في مواجهة الأزمة المعيشية».

 

مشاريع على امتداد الوطن

الجولات مستمرة لمواكبة هذه المرحلة، فمن شمال لبنان إلى بقاعه وجنوبه والجبل وعلى طول الساحل، تعمل مديرية التعاون العسكري - المدني كخلية نحل لا تهدأ، آملةً في أن تلبي بعض حاجات شعبها الملحّة، علها تشتري لأبنائها أيام أمل وصمود بانتظار أن تنقشع الغيمة وتنتهي المعاناة. وتحت هذا العنوان، نفّذت المديرية عددًا كبيرًا من المشاريع في الآونة الأخيرة، وأهمها:

- دعم مالي لبعض المؤسسات الصغيرة التي تضررت جراء انفجار المرفأ والبالغ عددها ٢٥٠ مؤسسة.

- دعم صغار مربي المواشي من خلال الكشف على المواشي وتلقيحها وتزويد أصحابها أدوية لها، إضافة إلى توعيتهم على أفضل السبل للاهتمام بمواشيهم وذلك من قبل ضباط بيطريين في الجيش.

- تجهيز معمل لفرز النفايات في بلدة بريح (الشوف)، يعمل على إعادة تدوير النفايات واستثمارها كسمادٍ زراعي أو بيعها وتخصيص عائداتها للبلدية.

- الكشف الطبي على ذوي الاحتياجات الخاصة لدى مؤسسة شملان التابعة لدار الأيتام الإسلامية، وتقديم نظارات طبية لهم.

- تزويد المستشفى العسكري المركزي مستلزمات طبية، تسهم في تعزيز الخدمات الصحية المقدَّمة إلى العسكريين وعائلاتهم.

- شق طريق زراعية في بلدة وجه الحجر، تسمح بوصول الناس إلى أراضيهم الزراعية لاستثمارها، وتدخل آليات الدفاع المدني في حال نشوب حرائق.

- افتتاح معهد القصر الفني - الهرمل بعد ترميمه وتأهيله تحت عنوان «سيفنا والقلم»، كدليلٍ على جهود المؤسسة في إيلاء الأهمية لا للبشر وأمنهم وغذائهم فحسب، بل لعِلمهم ومستقبلهم أيضًا.

- توزيع حقائب مدرسية على أولاد العسكريين الشهداء.

- إقامة عدة تمارين سير مشتركة مع المجتمع المدني والأهلي.

- دعم مخيم تدريبي للشباب في الكلية الحربية لتعزيز الإنتماء الوطني.

 

ماذا بعد؟

ستوزّع المديرية كمية من المعاطف على تلامذة المدارس في المناطق الفقيرة والنائية... وستنفّذ عدة مشاريع طاقة شمسية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ومن بينها مشروعان تستفيد منهما مدرستان سيتم ترميمهما في بلدتي حام ومعربون في منطقة بعلبك - الهرمل، علمًا أنّ هناك عدة مشاريع مخططة على امتداد الأراضي اللبنانية في ما خص ترميم المدارس وإنارة طرقات رئيسة، وأُخرى داخلية في الشمال.... يُضاف إلى ذلك إعادة تأهيل وحدة العناية المركزة في الطبابة العسكرية، وتوسعة قدرتها الاستيعابية إلى ١٠ أسرّة، مع تأمين كل المستلزمات الضرورية لتحاكي المقاييس العالمية. كما تساهم المديرية في عمليات التحريج والحملة الوطنية لمكافحة الحرائق. وتتضمن روزنامة المديرية تنفيذ عدة أنشطة وتمارين سير في مختلف المناطق اللبنانية، يشارك فيها مدنيون إلى جانب أولاد العسكريين بغية تعزيز التواصل والتفاعل مع المواطنين وترسيخ الانتماء الوطني.

وتطول لائحة المشاريع التي وضعتها المديرية على روزنامة أنشطتها التي صُممت بناء على هاجسها الأساس، ألا وهو مساعدة الناس في مواجهة هذا الوضع الصعب. فثمة مروحة من المشاريع التي تحاكي هموم الوطن والمواطنين، أمنهم الغذائي، وحياتهم ومشاكلهم وحاجاتهم اليومية الأساسية، كلها تشغل المديرية وتبقيها ساهرةً للاستجابة بقدر الإمكان.

 

شركاء...

هذه الجهود التي يقوم بها الجيش على الرغم من معاناته، تحظى بتقديرٍ كبير. وهو يثمّن المساهمة الفاعلة والمستمرّة التي يتلقاها من الأصدقاء والشركاء الدوليين والمحليين ومبادراتهم المتتابعة في سبيل دعم جهوده الانمائية، تعبيرًا عن ثقتهم بدوره الضامن لسيادة الوطن وسلمه الأهلي. ويشير العقيد الركن العلم في هذا الإطار، إلى مجموعة من الشركاء الذين يتعاونون مع مديرية التعاون العسكري-المدني، ومنهم: المنظمات الحكومية وغير الحكومية المحلية والدولية، المجتمع المدني، مؤسسات القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان التي تُشكّل شريكًا أساسيًا للمديرية في مشاريعها في قطاع جنوب الليطاني.

في موازاة ذلك، يؤكد العقيد الركن العلم أنّ كل ما تقوم به المديرية من مشاريع، لا يتم إلا بالتنسيق والتكامل مع الوزارات المعنية ضمن ما يُعرف بالمقاربة الحكومية الشاملة، حرصًا منها على تفعيل دور الإدارات الرسمية وبالتالي تدعيم الاستقرار.

وفي ظل الأزمة الحالية، عدلت المديرية أولوياتها لتهتم بالتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية وبالتالي تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين، من هنا تتركز المشاريع المنفذة حول المساعدات العينية الفورية.

ويختم العقيد الركن العلم قائلًا: لا يخفى أنّ الوضع صعب، ولكننا موجودون كما دائمًا لنكون درعًا يقي شعبنا المخاطر ويسانده في مواجهة الصعوبات بقدر ما أوتينا من قوة. الجيش لن يتخلى عن شعبه لأنه أقسم اليمين على حمايته من كل المخاطر... أقسم يمين الذود عن الوطن أرضًا وشعبًا ومؤسسات، وبكل ما أُتيح له من طرق المواجهة.

 

البداية والدعم

بدأت مديرية التعاون العسكري - المدني بفكرةٍ طرحها قائد قوات اليونيفيل سابقًا الجنرال كلاوديو غراتزيانو في العام ٢٠٠٩ على قيادة الجيش التي تلقّفت الفكرة فأُنشئ أول قسم تعاون عسكري - مدني في قطاع جنوب الليطاني. وفي العام ٢٠١٢، أنشئ قسم آخر في قيادة الجيش - أركان الجيش للعمليات - مديرية الاستعلام. وفي العام ٢٠١٥ تحوّل هذا القسم إلى مديرية، بعد أن عرضت المملكة الهولندية دعم الجيش لتطوير هذه القدرة، حيث وُضعت استراتيجية خمسية لاستكمال بنائها وتطويرها.

ومنذ ذاك التاريخ، بدأت المؤسسة العسكرية بالعمل على «لبننة» مفهوم التعاون العسكري - المدني الذي هو في الأصل غربي وله تحديداته وتعريفاته التي لا تنطبق غالبًا على واقعنا اللبناني، إذ تستخدمه جيوش مُحتلة أو مُستضافة للتقرب من السكان. وبما أن الجيش اللبناني يعمل في بلده وبين أهله وناسه، بدأ العمل منذ العام ٢٠١٥ على كتابة الإطار العام لمفهوم التعاون العسكري - المدني الذي يحدد الأسس والمبادئ اللازمة لبناء القدرة وتطويرها، مع وضع الدليل التطبيقي الذي يُعنى بالآليات التنفيذية. وتم بعدها إنشاء ثلاثة أقسام إقليمية تغطي كامل الأراضي اللبنانية: في الشمال (عرمان) والبقاع (رياق) والجنوب (مرجعيون) بالإضافة إلى المقر الرئيسي في منطقة جبل لبنان.

 

استراتيجية تطويرية

تمكنت مديرية التعاون العسكري - المدني من إنجاز نقلة نوعية في تنظيمها وهيكليتها، وتوسعت نشاطاتها بفضل استراتيجية هادفة تمحورت حول عنوانَين رئيسَين هما: استكمال تطوير القدرة وتنفيذ المشاريع الهادفة لتحقيق ٣ أهداف استراتيجية: تعزيز الانتماء الوطني، التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية وتعزيز الاستجابة للكوارث. وقد نفّذت المديرية حتى اليوم حوالى ٢٤١ نشاطًا في إطار تحقيق الغايات المرجوة، ولا سيما التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية على المواطنين.

 

الدعم الهولندي

تُعد المملكة الهولندية من الجهات الأساسية الداعمة لتطوير مديرية التعاون العسكري - المدني في الجيش. وقد أشرف عقد التعاون الذي أُبرم بين الطرفين منذ العام ٢٠١٥ على نهايته مع نهاية هذا العام.

ونظرًا لتقدير الجيش لهذه الشراكة وأهميتها، طورت المديرية خطة خمسية ترتكز إلى ٣ عناوين أساسية وهي: استكمال بناء القدرة لناحية دمجها في الوحدات العسكرية كافة، بناء مركز تدريب إقليمي للتعاون العسكري - المدني ليكون نموذجًا يُحتذى لمختلف دول المنطقة، وخطة واضحة المعالم لتنفيذ المشاريع وبلوغ الغايات النهائية المرجوة.

حملت المديرية هذه الخطة إلى المملكة الهولندية، فكان للعقيد الركن العلم والوفد المرافق عدة لقاءات واجتماعات مع ممثلين عن وزارتَي الخارجية والدفاع، ومع مسؤولين عن مركز التدريب العالي للتعاون العسكري - المدني CCOE - CIMIC Centre of Excellence. وقد هدفت هذه الزيارة إلى إعادة تجديد الدعم للبنان، وخصوصًا في ظل الأزمة الأوروبية الراهنة التي حولت الأنظار إلى أوكرانيا.

 

درع تكريمي

قلّد قائد الجيش العماد جوزاف عون المحامي الأستاذ ريمون حنا الحلو درعًا تكريميًا، وذلك تقديرًا لكفاءته وإنجازاته العديدة، وتفانيه في العمل لمصلحة الجيش اللبناني من خلال موقعه كمستشار قانوني لقيادة الجيش.