- En
- Fr
- عربي
العوافي يا وطن
سلّة الهموم مترعة بكل ما لم يخطر يومًا ببال لبناني. ضاق الكلام بما يمكن أن يصف حجم المعاناة الكارثية التي نعيشها.
لم تبقَ الأوضاع المأسوية مساحة في أيامنا لغير الخوف والألم، لغير القهر والغضب. يصادفنا الموت من كل ناحية. من خزانات محتكري الوقود، من مستودعات الأدوية المخبأة عن المرضى، من بكاء أطفال حرمهم الجشع علبة حليب، من عدالة لا تتحقق، من غضب يكتسح الشوارع، من غد لا نعرف له ملامح...
في كل بيت قلوب مدمّرة بألف همّ وهمّ، وخلف كل باب أنين وحزن وانكسار. شعب بأمه وأبيه وأولاده، بمواطنيه وعسكرييه، مُحاصر بنار مجنونة. وحدهم من أوصلونا إلى هذا الجحيم خارج النار.
في المؤسسة العسكرية تتقدّم معاناة العسكريين على كل شأن آخر ما خلا همّ الحفاظ على الاستقرار في أوضاع تزداد سوءًا وتحمّل الجيش كل يوم أعباء إضافية. لكن كيف السبيل إلى الصمود؟ ما الذي تبقى في حوزة قيادة الجيش من خطط لمواجهة الواقع المدمر؟
منذ بداية الأزمة والعمل مستمر لاجتراح حلول تخفف وطأة المعاناة. وكلمة حق تقال، إنّ صمود العسكريين وثباتهم في مواقعهم واستمرارهم في أداء مهماتهم هو أشبه بمعجزة. لا بل إنّه معجزة بالفعل، في وطن تتراكم فيه الأزمات ولا يجد أي منها طريقًا للحل. معجزة يتشارك في صنعها العسكري وقيادته. القيادة بجهودها المستمرّة لتوفير المساعدات من جهة، ولتيسير ظروف الخدمة من جهة أخرى، وذلك من دون أن يُسجل أي تقصير في أداء الواجبات. والعسكري بصبره وعناده في تحمّل المسؤولية وإن كانت المهمات التي ينفّذها مهمات طارئة لا تقع ضمن نطاق اختصاص مؤسسته.
على الرغم من المعاناة والقهر، وعلى الرغم من التعب الذي يأكل من عافيته الكثير، نرى العسكري في كل مرفق وموقع. نراه مقدامًا، شجاعًا، ثابتًا في رسالته ومبادئه ومناقبيته، مدركًا أنّه المتراس الأخير في وجه الخراب الشامل، وأنّه بادرة الأمل الوحيدة في هذا الجحيم.
كم أخجل من ذلك العسكري على باب الثكنة في وقفته المتأهبة وابتسامته الرصينة كل صباح. كم تحرقني عبارة «الحمدلله مستورة» عندما أسأل عسكريًا كيف يتدبر أمره في هذه الظروف. كم أسأل نفسي كيف يحافظون على إيمانهم بمؤسستهم ووطنهم ورسالتهم وسط كل هذا الكفر والعهر؟ كيف يستمرون في توليد الأمل في نفوسهم، وفي من حولهم؟ كيف وكيف؟
العوافي يا جيشنا
.العوافي يا وطن