دراسات وأبحاث

نقاط الإختناق العالمية International choke points
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

نقاط الاختناق هي مضائق بحرية طبيعية أو قنوات مائية اصطناعية ضيقة، تستخدم كطرق بحرية، وهي حيوية وضرورية في حركة التجارة البحرية العالمية ونقل الطاقة. بعض هذه النقاط ضيق، أو قليل العمق إلى حدّ يجعل عبوره مقتصرًا على سفن بعرض معين. وتعتبر هذه المعابر الحيوية ذات أهمية استراتيجية، إذ يمر عبرها أكثر من نصف الانتاج العالمي من الطاقة.
سنحاول في ما يلي إلقاء الضوء على أهم هذه النقاط حول العالم، وتبيان أهمية كل منها من النواحي الاستراتيجية المختلفة.

 

مضيق هرمز (Strait of Hormuz)
يقع مضيق هرمز بين عمان وإيران، ويصل ما بين الخليج العربي الفارسي وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي. يعتبر أهم المضائق العالمية اليوم، إذ يمر عبره يوميًا 17 مليون برميل من النفط (إحصاء العام 2011)، وتخرج منه حوالى 14 ناقلة محملة النفط الخام (crude carrier)، ويدخله عدد مماثل من الحاملات الفارغة لإعادة الشحن. ويذهب 85% من هذا النفط إلى أسواق آسيا وبخاصة إلى الهند، اليابان، كوريا الجنوبية والصين.
يبلغ عرض المضيق حوالى 21ميلاً (34كلم) في أضيق نقاطه، وخطوط الإبحار محددة بعرض ميلين للدخول ومثلها للخروج، تفصل بينهما منطقة عازلة بالعرض نفسه. ويعتبر المضيق عميقًا وعريضًا بما يكفي لعبور أضخم ناقلات النفط في العالم، والتي تزيد حمولتها عن 150 ألف طن.
إن إغلاق مضيق هرمز إذا حصل سيؤدي إلى استخدام طرق بديلة أكثر طولًا، ما يعني زيادة كلفة النقل وأسعار الاستهلاك. من هذه الطرق البديلة خط الانابيب الشرقي - الغربي الذي يعبر المملكة العربية السعودية بطول 745 ميلاً، من أبقيق على الخليج في الشرق إلى البحر الأحمر في الغرب، ويمكنه نقل 5 ملايين برميل، نظريًا، في اليوم. كذلك فإن خط أبقيق - ينبع لنقل الغاز المسيل والموازي لهذا الخط، يمكنه نقل 290 ألف برميل يوميًا.
ويمكن نقل البترول من الخليج شمالًا عبر العراق وتركيا ليصبَّ في مصافي سيحان التركية على البحر المتوسط، ولكن تمّ وقف هذا الخط بسبب فصل خط الأنابيب الذي كان يربط جنوب العراق بشماله.
في المقابل تستكمل الإمارات العربية المتحدة بناء خط للأنابيب بطاقة 1.5 مليون برميل في اليوم، يربط أبو ظبي بالفجيرة جنوب المضيق.
كما هناك خط أنابيب يربط العراق عبر المملكة العربية السعودية بالبحر الاحمر، وهو بقدرة 1.65 مليون برميل يوميًا ولكنه متوقف عن العمل، والأمر نفسه ينطبق على خط انابيب «التابلاين» ( Tapeline) الذي يربط المملكة العربية السعودية بلبنان (الزهراني) على البحر المتوسط، وهو بقدرة 500 ألف برميل يوميًا.

 

مضيق مالاقا (Malacca)
يقع مضيق مالاقا ما بين جزيرة سومطرة في أندونيسيا وشبه جزيرة ماليزيا وسنغافورة، وهو يربط بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي والمحيط الهادىء، ويعتبر أقصر الطرق البحرية ما بين الخليج المصدِّر للطاقة وأسواق شرق آسيا، وبخاصة الصين، وأندونيسيا، واليابان وكوريا الجنوبية ودول الحوض الباسيفيكي. إنه نقطة الإختناق الأساسية في آسيا حيث تم عبره نقل حوالى 13.6 مليون برميل يوميًا العام 2009، وكانت هذه الكمية قد بلغت 14 مليون برميل العام 2007، و15 مليونًا العام 2006.
يبلغ طول المضيق حوالى 800 كلم ويراوح عرضه إجمالاً ما بين 50 و320 كلم، لكنه يضيق في قناة فيليبس قرب سنغافورة، حيث لا يتجاوز عرضه الـ3 كلم. كما أن عمقه لا يتجاوز في بعض الأماكن الـ 25 مترًا، حيث يتحول إلى «عنق زجاجة» طبيعية (bottleneck)، مع ما يعني ذلك من احتمال اصطدام الناقلات، بعضها بالبعض الآخر أو بالقعر بسبب سوء الرؤية والضباب احيانًا، ما يؤدي إلى تسرب النفط.
يعتبر «المكتب البحري الدولي لمراقبة القرصنة» أن أعمال القرصنة، واختطاف السفن والسرقة، هي من المخاطر الدائمة في هذا المضيق، وإن كانت قد سجلت انخفاضًا منذ العام 2005 بعد أن بدأت الدول المشاطئة له تسيير دوريات بحرية لحماية السفن العابرة.
يعبر المضيق من 50 إلى60 ألف سفينة سنويًا، وإذا أغلق فإن حوالى نصف أساطيل العالم التجارية ستدور وتلتف حول الأرخبيل الأندونيسي لتعبر من خلال مضيق لومبوك، أو مضيق سوندا أو غيرها من المعابر القريبة، ما يعني مسافة وزمنًا أكثر طولاً، وكلفة أعلى.
ولتخفيف الازدحام في المضيق، وضع عدد من المشاريع منها ما قامت به الصين (اعتبارًا من العام 2009) حيث باشرت بمد خط أنابيب للنفط والغاز بطاقة 240 ألف برميل في اليوم، من ساحل بورما (ميانمار) على المحيط الهندي، إلى الداخل الصيني في منطقة هينان. كذلك طرحت تايلاند بدعم من الصين مشروعًا لحفر قناة تمتد من ساحل بورما على المحيط الهندي الى ساحل فييتنام على بحر الصين الجنوبي بطول حوالى 960 كلم، (برزخ كرا)، ولكن كلفة المشروع، وربما ضغوط السياسة الدولية حالت دون تنفيذه. كما يتم تداول مشروع لمد خط أنابيب بديل عن القناة يعبر هذا البرزخ، وهو قيد الدرس.

 

مضيق باب المندب
يعتبر مضيق باب المندب نقطة اختناق مهمة ما بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، ونقطة وصل استراتيجي ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي.
يقع المضيق بين جيبوتي وإريتريا في أفريقيا واليمن في آسيا، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، ويعبره معظم صادرات الخليج العربي من الطاقة عبر قناة السويس وأنابيب سوميد.
العام 2009 قدرت كمية النفط التي تعبر هذا المضيق يوميًا باتجاه اوروبا والولايات المتحدة وآسيا بـ 3.2 مليون برميل من النفط مقابل 4 ملايين برميل يوميًا العام 2008.
يبلغ عرض المضيق حوالى 18 ميلاً، في أضيق نقاطه، ولكن اجتيازه ينحصر في طريق لا يتعدى 3 كلم عرضًا للدخول والخروج نظرًا إلى ضحالة الماء فيه. وينتج عن إغلاق المضيق تحويل الناقلات للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح ما يعني ارتفاعًا في الأسعار والكلفة، وتأخيرًا في وقت الوصول إلى الأسواق العالمية.
يمكن الاستعاضة عن عبور باب المندب في حال إقفاله، من خلال الأنابيب السعودية شرق-غرب (East –West oil pipeline) التي تعبر المملكة بقدرة نقل تبلغ 4.8 مليون برميل يوميًا.
أصبح أمن هذا المضيق مسألة دولية خصوصًا بعد ظهور أعمال القرصنة الصومالية والتي طالت سفن النقل والشحن الدولية قرب الشواطىء الصومالية الشمالية، أو في خليج عدن والمضيق نفسه، أو في البحر الاحمر، أو بحر العرب.

 

مضيقا البوسفور والدردنيل
يقع مضيقا البوسفور والدردنيل ضمن الأراضي التركية ويفصلان ما بين قارتي آسيا واوروبا. يصل مضيق البوسفور ما بين البحر الأسود في الشمال وبحر مرمرة التركي، ويصل مضيق الدردنيل بحر مرمرة ببحر إيجة (بين تركيا واليونان) التابع للبحر المتوسط.
يبلغ طول مضيق البوسفور حوالى 30 كلم، وعرضه ما بين 550 مترًا و3000 متر، وهو يصنف ضمن طرق الملاحة الدولية الحرة، ويعبره سنويًا أكثر من 50 ألف سفينة منها ما يزيد عن 5 آلاف سفينة لنقل الطاقة (بترول وغاز) من دول حوض بحر قزوين باتجاه أوروبا. وقد تم بناء جسرين فوق المضيق هما جسر البوسفور وجسر السلطان محمد الفاتح. ويعتبر هذا المضيق من نقاط الاختناق الحيوية، الحرجة والصعبة في حركة النقل البحري بسبب طبيعته الجغرافية، وبخاصة في نقاطه الضيقة. قدرت كمية النفط والغاز التي عبرته العام 2009 بـ 2.9 مليون برميل في اليوم، وتعتبر مرافىء البحر الأسود من المراكز الأساسية لتصدير الطاقة من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق.
إن الإختناق في عبور عنق الزجاجة هذا دفع السلطات التركية وبعض الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي إلى التفتيش عن ممرات بديلة عن الخط الروسي لنقل الطاقة وبخاصة من منطقة قزوين، ولعل خط أنابيب باكو - تبليسي - سيحان كان استجابة لهذا التحدي. وقد تم انجاز هذا الخط الذي يمتد من باكو في أذربيجان على بحر قزوين إلى تبليسي في جورجيا ثم عبر الأراضي التركية إلى منطقة سيحان أو جيهان على ساحل البحر المتوسط التركي، بطول يبلغ 1776 كلم، وبدأ ضخ البترول فيه العام 2006 بقدرة مليون برميل في اليوم. وكردّ على بناء هذا الخط، ولتجنب المرور عبر المضائق التركية دعمت روسيا بناء خط أنابيب بين بورغاس على شاطىء بلغاريا على البحر الأسود إلى الكسندروبولي على الشاطىء اليوناني بطول يزيد قليلًا عن 300 كلم، وبقدرة نقل تقدر بما بين 35 و50 مليون طن سنويًا، وهي تقارب قدرة خط باكو - تبليسي - جيهان، ولكن هذا المشروع ما زال يواجه صعوبات شتى في تنفيذه بسبب التنافس في سياسات الطاقة ومد الأنابيب والنفوذ بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة، وبعض الدول الاوروبية من جهة ثانية.
كذلك فإن مشروع خط أنابيب الغاز نابوكو لنقل الغاز من تركمنستان، عبر بحر قزوين، أو من إيران، أو قطر عبر تركيا إلى أوروبا، ما زال يواجه مصاعب وعوائق تتعلق بجيوبوليتيك دول المنطقة وجيوستراتيجيات الدول الكبرى.
 

مضيق جبل طارق
يصل مضيق جبل طارق بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ويفصل بين جنوب اسبانيا وشمال غرب إفريقيا، ويصل عرضه في أضيق نقطة إلى 13.8 كلم، مما يدل على وجود ممر من المياه الدولية في وسطه. ويقع جبل طارق الحصين في شبه جزيرة لا تزيد مساحتها عن 6.5 كم2.
وترتفع صخرة جبل طارق ارتفاعًا حادًا عن جميع الجهات التي تحيط بها (نحو 389 مترًا فوق مستوى سطح البحر) ما عدا الجهة الغربية باتجاه الخليج. يبلغ طول المضيق 58 كلم، وأعمق جزء في مجراه الملاحي يبلغ نحو 935 مترًا، وأقل عمق فيه 320 مترًا.
يكتسب جبل طارق أهمية كبيرة بالنسبة إلى الدول الأوروبية، وبخاصة تلك التي لا تملك موانىء على البحر المتوسط، مثل بريطانيا التي كانت خلال سيطرتها على قناة السويس قادرة على مضايقة دول البحر المتوسط بإغلاق القناة ومضيق جبل طارق.
يتميز مضيق جبل طارق بكثافة حركة الملاحة فيه، إذ تعبره يوميًا نحو 150 سفينة ما عدا القوارب الصغيرة والغواصات.
كما يمر عبره 5% من تجارة البترول العالمية، وتُشكل ناقلات البترول ثلث السفن التي تعبر المضيق بما يعادل نحو 18 ألف ناقلة في السنة.
كما تعبره يوميًا قوارب نقل الركاب (معديَّة) بين طنجة المغربية ومدن الساحل الأوروبي.
 

مضائق الدانمارك
تقع هذه المضائق بين بحر البلطيق وبحر الشمال، ويمكن إضافة قناة كييل، في أقصى جنوب شبه جزيرة الدانمارك إليها. تقدّر كمية النفط التي عبرت مضائق الدانمارك العام 2009 بـ3.3 مليون برميل في اليوم، مسجلة ارتفاعًا كبيرًا عن العام 2005 (2.4 مليون برميل)، ويعزى سبب ذلك إلى زيادة صادرات روسيا عبر مرافئها على بحر البلطيق.

 

قناة السويس
تقع قناة السويس في مصر، وهي تربط البحر الاحمر وخليج السويس بالبحر المتوسط بطول ملاحي يبلغ حوالى 120 ميلاً (193كلم).
قدر عدد السفن التي عبرت القناة العام 2010 بحوالى 18 ألف سفينة،20% منها حاملات تنقل البترول و5% تنقل الغاز الطبيعي المسيَّل (LNG). وقدّر وزن الحمولة من البترول والغاز ومشتقاتهما بحوالى 11 إلى 13 بالمئة من إجمالي وزن البضائع التي عبرت القناة، وقدرت كمية النفط العابرة بحوالى 2 مليون برميل في اليوم، أي ما يقارب 5% من تجارة النفط البحرية العالمية لذلك العام. إن عرض القناة (حوالى 200 متر) وعمقها (حوالى22مترًا) لا يسمحان للناقلات العملاقة باجتيازها ولا سيما فئات VLCC وULCC، فهذه الناقلات الضخمة مضطرة الى الدوران حول رأس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا في طريقها إلى أوروبا أو القارة الاميركية.
دفع إغلاق قناة السويس بعض الدول العربية ومصر إلى إنشاء خط انابيب بديل يعرف باسم «سوميد» ويمتد من عين السخنة على البحر الأحمر إلى سيدي كرير غربي الاسكندرية بطول حوالى 320 كلم، وهو خط مزدوج للغاز والنفط، تملكه شركة أنابيب البترول العربية. وقد شكل هذا الخط حلًا للناقلات الضخمة التي لا يمكنها عبور القناة، فهي تفرغ حمولتها في مصافي عين السخنة، ومن ثم يتم نقلها عبر هذه الانابيب إلى شاطىء البحر المتوسط قرب الاسكندرية. وتبلغ طاقة أنابيب سوميد حوالى 2.3 مليون برميل في اليوم، بينما تقدر طاقة الخط والقناة (يعملان معًا) بـ4 ملايين برميل في اليوم.
 

قناة بنما
تقع هذه القناة في بنما في اميركا الوسطى، وهي طريق بحري يمتاز بأهمية كبرى، كونه يصل ما بين المحيط الهادىء والبحر الكاريبي والمحيط الأطلسي. يبلغ طول القناة حوالى 80 كلم وعرضها في بعض الأماكن لا يتخطّى 35 مترًا، لذلك لا تعبرها الاَّ سفن ذات أبعاد محددة (size vessel-PANAMAX) لا يزيد وزنها عن 80 ألف طن، ولا يزيد عرضها عن 108 أقدام. ويستلزم هذا العبور إستخدام نواظم ومراكز تحكم خاصة تنظمه بدقة مما يجعل أهميتها في نقل الطاقة ثانوية بالنسبة إلى سواها من نقاط الاختناق العالمية.
لكن أهمية هذه القناة في أنها تتيح اختصار نحو 12500 كلم من رحلة السفن التي تنتقل من نيويورك على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية إلى سان فرنسيسكو على الساحل الغربي، لذلك فهناك حوالى 14 ألف سفينة تعبرها سنويًا. وقد بقيت القناة تحت سلطة الولايات المتحدة حتى العام 1999  حين عادت إلى السلطات البنمية. وتعمل هذه السلطات اليوم بالتعاون مع الولايات المتحدة واليابان على توسيع القناة، وجعلها على مستوى المحيط لتتمكن السفن الكبيرة من عبورها بسهولة وسرعة.

المراجع:
.C.I.A. World Fact book -
.Eastern Bloc Research -
.International Maritime Bureau -
.Panama Canal Authority -
.Suez Canal Authority -
.U.S. Energy Information -

VLCC =Very Large Crude Carrier                                                                     
وزنها ما بين 160 الف طن و320 الف طن.
ULCC =Ultra Large Crude Carrier
وزنها ما بين 320 الف طن و550 الف طن.