أسماء لامعة

نقيب المهندسين عاصم «بيك» سلام: العمارة تنبت من أرضها
إعداد: تريز منصور

 أرستقراطي، خاض أبرز معارك الفقراء... وإن لم ينجح في تحقيق الكثير من الانتصارات فيها.
فنان ممتاز، قدّم الكثير إلى العمارة العربية واللبنانية، وكان رجل ثقافة والتزام.
إنه نقيب المهندسين الأسبق، المعمار الأول عاصم «بيك» سلام.


مبدع فن العمارة
 في بيروت الجميلة التي أحبّها كثيرًا، ولد عاصم سلام العام 1924، وفي أحد أحيائها الجميلة عاش طفولته. يومها كانت بيروت بالفعل جميلة، روحًا وثقافة وإرثًا معماريًا. كان يرافق والده في رحلاته إلى فلسطين. هناك إلتقى جبرا إبراهيم جبرا، الذي كان يدرّس في جامعة كامبريدج في بريطانيا، فحمّل الطالب المتخرج من «الإرسالية الفرنسية» و«الإنترناشيونال كولدج» في بيروت، رسالة توصية إلى الجامعة التي تخرّج من قسم الهندسة المعمارية فيها العام 1950.
 بعد عوته إلى بيروت شارك سلام في بداية حياته العملية في تأسيس قسم الهندسـة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت مع المهندس ريمون غصن (العام 1954)، وما لبث أن انضمّ إلى الكادر التعليمي فيها بصفة أستاذ مشارك لغاية العام 1977.
أنشأ مكتبًا للهندسة العام 1956، وزاول المهنة حيث أبدع في تنفيذ أروع المشاريع المعمارية وأرقاها.
إلى جانب ذلك، كان سلام ناشطًا في عدة مجالات تاركًا بصماته البيضاء في أكثر من مجلس أو نقابة، حيث كان عضوًا في «مجلس التصميم الأعلى» و«المجلس الأعلى للتنظيم المدني» من العام 1962 وحتى العام 1977، وعضوًا في اللجنة الرباعية لإعادة إعمار وسط بيروت (بين العامين 1977 و1986)، إضافة إلى توليّه منصب نائب رئيس لجنة توسيع مرفأ بيروت وتطويره ( 1972 - 1986).
العام 1996 إنتخب سلام نقيبًا للمهندسين اللبنانيين، واستمر في هذا المنصب لغاية العام 1999 محققًا خلال ولايته أهم الإنجازات النقابية. كذلك تولى رئاسة هيئة المعماريين العرب منذ 1998 ولغاية 2001 واتحاد المهندسين العرب.
ترك عاصم سلام بصماته أيضًا في المجلس الأعلى للتصميم في وزارة التصميم، حيث كان عضوًا فيه منذ العام 1961 ولغاية العام 1977، كما كان من الفريق التأسيسي لمجلس الإنماء والإعمار في السنوات الست الأولى من بدء أعماله (1977 - 1983).
ناضل سلام كثيرًا للحفاظ على ثروة لبنان التراثية والثقافية ولا سيما الأبنية التراثية في العاصمة بيروت، وذلك من خلال عضويته في لجنة «متحف سرسق»، وفي جمعية «أبساد».
وتقديرًا لعطاءاته في هذا المجال نال درع وزارة الثقافة في أيلول 2012.
كان سلام يرفض سيطرة العمارة المستوردة والحضارة الغربية بوصفها الحضارة. وكان مقتنعًا بأن العمارة يجب أن تكون إبنة مكانها. هكذا بنى سرايا صيدا وجامع الخاشقجي ومدرسة برمانا العليا وبعض أقواس وزارة الثقافة، مستخدمًا الحجر الرملي (كمادة) والأقواس والجدران الصلبة (من حيث الشكل). لقد قرأ العمارة على أنها تنبت من الأرض، يصل الجدار فيها إلى التراب، في حين تقوم العمارة الغربية على الأعمدة وتترك الأرض حرّة.
إبن بيروت الجميلة، كان قد فقد الأمل من مدينته، وردّد دائمًا على مسامع أصدقائه «بيروت خلص انتهت». ومن دون تردّد، كان يجيب بالعبارة نفسها عن سؤال وُجّه له يومًا عن مستقبل العاصمة، لم يفكّر بالإجابة، بدا كأنه توصّل إليها منذ وقت... في نظره بيروت انتهت حين تخلّت عن هويتها.
حسم المعمار أمره، منذ اكتشف أنه لم يعد يحبّ الخروج من منزله الجميل الكائن في منطقة البطركية في زقاق البلاط، ليجد بناية من عشر طبقات مرتفعة في وجهه. لم ينجح في تحقيق حلمه بتغيير المخطط التوجيهي لبيروت، ولا في تطبيق الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية.
 كان يقول: «لا أمل أبدًا في تصحيح المساوئ، هناك تمدّد عشوائي منظّم، وتجهيزات لا تستوعب كلّ هذه الكثافة».
فلسفة سلام المعمارية، القائمة على المحافظة على التراث، هي التي تفسّر معارضته إعادة إعمار وسط بيروت. بالطريقة التي أنجز فيها الإعمار، تدمير لتاريخ المدينة وفق ما رأى، وتدمير لذاكرتها الجماعية. كتب سلام عن هذا الموضوع كتابين وعددًا من المقالات الصحافية.
كان يتساءل دائمًا، ما معنى «داون تاون»؟ «هذا الإسم لا نجده إلا في أميركا لأن لا تاريخ لها، أما نحن فكان عندنا «البلد» و «ساحة البرج» وباب ادريس»... هناك كنّا نتظاهر، نذهب إلى المقاهي، إلى السينما... يوم توفي الرئيس عبد الناصر كنا هناك. هذا المكان الجامع أصبح مكانًا للأغنياء».
لم يكن تصدّي سلام لمشروع إعادة إعمار بيروت أول إنخراط مباشر له في العمل السياسي. عندما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، شارك مع عمّه صائب سلام في ما عرف بـ«ثورة 1958». والطريف في الأمر أنه كان، خلال مشاركته في الثورة ضد الرئيس كميل شمعون، يتولى تصميم قصر الأخير في منطقة السعديات... لكن معركة بيروت كانت مختلفة، وهي التي دفعته إلى خوض انتخابات نقابة المهندسين العام 1996. وجوده على رأس النقابة، ولاحقاً على رأس هيئة المعماريين العرب، أضاف الكثير إلى المؤسستين.
بعد عشرة أشهر من الصراع مع المرض، غيّب الموت في الرابع من تشرين الثاني 2012 المعمار اللبناني عاصم سلام.
لم يسمح للمرض أن يهزمه، وفي الأشهر الأخيرة من حياته حرص على العمل، متصديًا لأكثر من معركة ومساهمًا في أكثر من نشاط. وحتى اللحظة الأخيرة، كانت مفكرته تسجّل المواعيد...
رحل قبل يوم من موعد تسلّمه الدكتوراه الفخرية من الجامعة العربية، لم يستطع الذهاب إلى الإحتفال، فمُنحت له غيابيًا وسلّمت لأولاده.
مع رحيل النقيب عاصم سلام خسر فن العمارة ولبنان والعالم العربي رجلاً كبيرًا.


إنجازاته
صمّم بناية الـ «بان أميركان»، وبنك إنترا، وسرايا صيدا والسفارة العراقية التي فُجِّرت العام 1982، ووزارة السياحة ومبنى الإذاعة، ومنزل الرئيس كميل شمعون في منطقة السعديات، ومبنى مجلس الوزراء الذي صار مقرًا لوزارة الداخلية. تحفظ له نقابة المهندسين أنه عمل خلال ولايته نقيبًا على استصدار القانون الجديد والنظام الداخلي للنقابة.


مؤلفاته
- بالمشاركة مع آخرين: «إعمار بيروت - الفرصة الضائعة» (1992).
- «في المدينة والعمارة - الإعمار والمصلحة» (1995).
- «منهجية إعمار بيروت» - أبحاث أولية في السبل الصحيحة والبدائل المقترحة (1995).