كلمتي

نهاية وبداية
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

وهكذا توالت السنون، سنة تلتها سنة، من جهد الى جهد، ومن موقع الى موقع. في المدرسة الحربية كانت نهاية فترة من الحياة المدنية، وبداية الحياة العسكرية كاملة. والآن ها هي نهاية هذه الفترة وعودة الى تلك، لا بل بداية مرحلة إضافية أخرى، هي في الحقيقة والواقع مرحلة مزدوجة بين مدنية وعسكرية، إذ ليس من السهل، أو البسيط، أن يزول أثر أربعة عقود من الجهد والعرق في الدرس والتحصيل والتنفيذ والعمل.
الآن، في ختام خدمتي العسكرية المباشرة، أعود الى حياتي المدنية مواطناً لا يتنكّر لبزّته العسكرية، ولا يجهل أنه عسكري في الاحتياط، دائم الجهوز لدعم مؤسسته، وتوضيح مدى استعداد أبنائها للتضحية في سبيل الوطن، تراباً وفضاء وماء، دستوراً ومؤسسات وقيماً وكنوزاً حضارية تزداد يوماً بعد يوم.
نحن العسكريين، لم نكن في يوم من الأيام في منأى، ولا في بُعد، عن الحياة المدنية بكل تفاصيلها، في أوضاعنا الشخصية كما في مهماتنا العامة، ويتبع ذلك بالتأكيد تلك العلاقة المعروفة والراسخة بين الجيش والمواطنين اعتباراً من عصر الانتداب الى عصر الاستقلال، الى اليوم، في الحرب كما في السلم على السواء، من المهمات الدفاعية والأمنية، الى الأعمال الإنمائية والعمرانية، وصولاً الى شؤون المجتمع كيفما تنوّعت.
سوف أمرّ بمركز عسكري، هنا وهناك، وتصادفني دورية، ويحيّيني خفير، فأستعيد ألف ذكرى وذكرى. وسوف تصلني مطبوعة عسكرية، وأدعى الى لقاء تجريه القيادة مع المتقاعدين. وسوف أتابع بيانات مديريتي، مديرية التوجيه، وأخبارها، وتوضيحاتها وشروحاتها، فتتوزّع مشاعري بين الحنين الى الماضي، والإصرار على تأكيد الإنتماء المستمر الى المؤسسة الأم، والكلام عنها، واليها، لا بل الكلام باسمها ايضاً. سوف يعرفني الآخرون من خلال ملاحظتهم طبعي، وتصرّفاتي، وسوف يقولون لي: أنت عسكري، وسوف أجيب: نعم كنت عسكرياً، وما زلت، عرفت جغرافية وطني كاملة من خلال صفوفي المدرسية الأولى، أولاً، ومن خلال خدمتي العسكرية ثانياً، في الشمال والجنوب، وفي الجبل والبقاع، وفي بيروت، وفي جميع الاتجاهات، سواء مع عسكريي الخدمة الفعلية في الجيش، أو مع الشباب اللبناني الذي أدى خدمة العلم.
لم أكن لأعرف انبساط السهول وتضاريس الجبال وتعرّجات الأودية، لولا خدمتي العسكرية التي أمضيت معظمها على أرض الواقع وفي الميدان. في المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وفي أعمال حفظ الأمن، قبل الوصول الى مديرية التوجيه مع القلم والورقة والجريدة والمذياع، ومع الشاشة الصغيرة التي تبيّن لي أنها المحرّك الأول لكل نشاط إعلامي في هذا العصر.
محبتي لكل مَن عملوا معي من زملاء، واحترامي لكل مَن عملت معهم من رؤساء، وشكري للإعلاميين جميعاً الذين سعدت بالتواصل معهم، خصوصاً من خلال المتابعات الهاتفية، مع تجديد الأسف لعدم تمكّني من اللقاء المباشر بهم ومع تجديد دعوتي اليهم، أو بالأحرى الى بعضهم، للإحاطة الموضوعية بالدور الذي تؤديه المؤسسة العسكرية، خصوصاً على صعيد حمايتها الدائمة الوحدة الوطنية، واستمرارها في العمل للجميع.