مستوصفاتنا

هذا منزلي وهؤلاء أهلي
إعداد: باسكال معوض بومارون

هو طبيب عمل لفترةٍ طويلة مع الطبابة العسكرية، إلا أنّه وبسبب تردّي الأوضاع المعيشية، سافر ليؤمّن حياة كريمة لعائلته إثر حصوله على عرض مغرٍ في الخارج؛ المفاجأة أنّه عاد بعد فترة إلى عمله في مستوصف صربا. «هذا منزلي، وهؤلاء أهلي» قال للمسؤولين عن المستوصف، مؤكدًا أنّه ليس من السهل على الإنسان أن يتخلى عن الرابط العاطفي الذي يجمعه بالزملاء ويشده إلى المؤسسة ويُشعره بأنّ من يُقدّم لهم الخدمة الطبية هم بمثابة أهل. 

 

تختصر هذه القصة الكثير من الكلام الذي يمكن أن يُقال للتعبير عن الروحية التي تسود أجواء مستوصف صربا، وطبعًا سواه من مستوصفاتنا والطبابة العسكرية بشكلٍ عام، فهذه الروحية هي من أبرز المقومات التي تجعل الاستمرار بتأمين الخدمات ممكنًا في ظل الواقع الصعب.

عندما نتحدث عن مستوصف صربا يحضر في بالنا دوره الحيوي في منطقة واسعة، إذ يؤمّن الخدمات الطبية لجمهورٍ من المستفيدين يتجاوز حدود كسروان من ساحلها إلى جردها. فنظرًا إلى اتساعه وتنوّع الاختصاصات فيه نرى في جنباته مرضى ومستفيدين يأتون من جبيل أو البترون وسواهما. 

 

«إن شاء الله ما حدا يعوزنا»

نتوّجه إلى المستوصف حيث نلتقي رئيسه الرائد طبيب الأسنان طوني حصروني، وعلى الرغم من وجود موعد مسبق بيننا لم يتسنّ لنا الحديث معه إلا بصعوبةٍ، فهو وسط عدد كبير من المرضى ينبغي تيسير أمورهم بسرعةٍ. وفي وقت مستقطع يشير لنا بإيجازٍ أنّ الضغط كبير جدًا على المستوصف، لكن الوضع جيد، وإذ يقول: «إنشاء الله ما حدا يعوزنا»، يؤكد: «نحن نحاول تأمين متطلبات المستفيدين قدر المستطاع، وإذا لم نستطع تلبيتها، نوجههم إلى مراكز طبية قرب أماكن سكنهم لنُجنّبهم تكلفة النقليات المرتفعة».

لكن ما هي الخدمات التي يقدّمها المستوصف وتجعله مقصدًا للمستفيدين من مناطق بعيدة؟ أولًا لا بد من الإشارة إلى أنّ المبنى الحالي لطبابة صربا هو مبنى حديث مكوّن من خمس طبقات تم تشييده في العام ٢٠١٤، وفي هذه الطبقات الخمس تتوزع الأقسام التي تغطي معظم الحاجات الطبية إذا استثنينا العمليات الجراحية بالطبع. أما الطاقم الذي يؤمّن الخدمة في المستوصف فقوامه حاليًا ٧٤ شخصًا يتوزعون بين أطباء وممرضين وموظفين مدنيين، وطاقم عسكري مؤلف من ٥٦ شخصًا بين ضابط ورتيب وعسكري.

 

مختلف أنواع الفحوصات

يتميز مختبر مستوصف صربا الذي يقع في الطابق السفلي الأول، بكونه يؤمّن حاليًا جميع أنواع الفحوصات المخبرية تقريبًا، وإذا فُقدت إحدى المستلزمات أو المواد يتم تأمينها بشكلٍ سريع، وإلا يُحوّل المريض إلى المختبر الأقرب إلى مكان سكنه. أما قسم الأشعة فيتضمن مختلف آلات التصوير الطبية (الأشعة السينية، التصوير الطبقي...)، وثمة طبيب اختصاصي يداوم في القسم.

 

٢٤/٢٤

يشهد الطابق الأرضي يوميًا توافد أعداد كبيرة من المرضى إليه، وذلك لعدة أسباب. ففيه أولًا قسم الطوارئ حيث يؤمّن الأطباء مناوبة ٢٤ ساعة يوميًا لتأمين معاينة الحالات الطارئة، ما يوفر على أصحابها عناء الانتقال إلى المستشفى العسكري المركزي. وفيه ثانيًا، قسم الجراحة الصغرى التي تُعنى بالإصابات التي تتطلب نوعًا من الجراحة الصغيرة من دون بنج عام. ويضاف إلى ذلك، قسم الكورونا الذي ميّز هذا المستوصف عن باقي مستوصفات جبل لبنان، والصيدلية التي تتبع إداريًا لطبابة جبل لبنان. 

ننتقل إلى الطابق الأول حيث يوجد قسم العين المؤلف من ٣ عيادات مجهزة بأهم آلات الفحص، وأقسام أخرى منها: أعصاب الرأس، الجلد، العظم، الجهاز الهضمي، الأنف والأذن والحنجرة، المسالك البولية، الطب النفسي، وأمراض النطق والكلام.

 

الضغط الأكبر

يتركز الضغط الأكبر في الطابق الثاني الذي يقع فيه قسم الاستقبال حيث يتم التسجيل للتواصل مع طبيب الصحة، هناك يجري فرز المرضى وتوزيعهم على الأقسام المختصة، كما يتم استقبال أولئك الذين يأتون بهدف تجديد علاجهم الشهري. وتتوزع في الطابق نفسه عيادات القلب والغدد والسكري، إضافة إلى قسم الأسنان المؤلف من ٦ عيادات والتابع لطبابة جبل لبنان. 

خلال انتشار جائحة كورونا أُنشئ في الطابق الثالث قسم التلقيح ضد الكوفيد مع اعتماد معايير عالية للوقاية والحماية، وفي الطابق نفسه قسم للأطفال مؤلف من عيادتَين، وقسم العلاج الفيزيائي. 

 

مركز صحي حيوي

المروحة الكبيرة من الأقسام والاختصاصات تجعل من مستوصف صربا مركزًا صحيًا مهمًا يؤدي دورًا محوريًا في خدمة العسكريين وعائلاتهم، وقد بلغ عدد الذين خضعوا للمعاينة الطبية فيه خلال العام الماضي حوالى ١٣٦ ألف شخص. وهؤلاء يشعرون أنّهم في مكان أليف، مكان يحتضنهم ويقدّم لهم الخدمات بقلبٍ مفتوح للتعاطف والعطاء، شعور يعوّض أحيانًا كثيرة نقص الأطباء في بعض الاختصاصات. 

 

«شكرًا يا بنتي»

في أثناء خروجنا من المستوصف، استوقفنا مشهد رجل عجوز يسأل عن أدوية في الصيدلية، المسؤولة تفنّد له أنواع الأدوية المطلوبة لحالته وبدائلها وأسعار ما لا يتوافر مجانًا منها... حديث عادي في صيدلية غير أنّ منادتها له «بالعم» بكل لطف، ومخاطبته لها « شكرًا يا بنتي»، جعلنا أمام موقف مؤثر ومفرح في آنٍ معًا. نعم الإنسانية والتعاطف راسخان في النفوس رغم قسوة الحياة وشظفها...