رحلة في الانسان

هـل صحيح أن الرجل أذكى من المرأة
إعداد: غريس فرح

يركّز اختصاصيو علم النفس مؤخراً على فروقات تكوين أدمغة الجنسين، وعلاقتها بالاختلافات التي تميّز الرجال عن النساء لجهة السلوك والتفكير وطرق التعبير عن المشاعر. والتقارير العلمية الأخيرة، تلقي الضوء بوضوح على هذه الناحية الهامة، وخصوصاً المتعلقة منها بتقييم ذكاء المرأة بالمقارنة مع الرجل.
والسؤال المطروح: ما هي آخر معطيات العلم الحديث، وهل صحيح أن الرجال مؤهّلون أكثر من النساء للإبداع في حقلي العلوم والرياضيات؟


اجماع على وجود فروقات

أثار الرأي الذي طرحه مؤخراً رئيس جامعة هارفرد
 الدكتور لاري سامرز جدالاً علمياً كبيراً، كونه اعتبر أن النساء عموماً لا يبدين اهتماماً كالرجال بالأعمال الجدية التي تتطلّب مجهوداً جسدياً وفكرياً. ورأى أن أكثرية الإناث لا يبرعن باختصاصات العلوم والرياضيات لأسباب ربما تتعلق بتكوين أدمغتهن، أو بتطورها وتكيّفها مع الظروف الاجتماعية، ما يعني أن المرأة قد تكون ضحية التمييز بين الجنسين.
وعلماً أن آراء الباحثين قد تباينت في الأخذ بهذا التقييم، إلا أن أحداً لم يفلح حتى الآن بوضع هيكلية ثابتة لطاقات الرجال والنساء الفكرية، وخصوصاً أن المعطيات المتوافرة حالياً، لا تزال كصور الغيوم المتشكلة في السماء، والتي ما أن يتم تحديدها حتى تتبدّل وتتحوّل وتتوارى.
على كل، فالدراسات التي تناولت تكوين أدمغة الجنسين خلال العقود الأخيرة، أكدت وجود فروقات بيولوجية واضحة تمنح الإناث والذكور الخصائص السلوكية والإدراكية المتمايزة، مع ذلك فإن هذه الدلائل العلمية لم توضح نهائياً علاقة الفروقات البيولوجية المكتشفة بين الجنسين بالفرق في تطور قدراتهما العلمية.
وحسب تقدير الاختصاصية الأميركية بعلم الأعصاب ساندرا ويتلسون، والتي ذاع اسمها خلال التسعينيات، اثر دراستها لدماغ العالم المتوفي انشتاين، فإن الدماغ بحد ذاته عضو جنسي يعكس خصائص الإناث والذكور واختلافاتهما، والفروقات المكتشفة حسب رأيها تتفاعل مع معطيات البيئة الخارجية وضغوطاتها، وتحدث تأثيراً يختلف من شخص إلى آخر. واللافت كما أصبح مؤكداً أن الفروقات المسؤولة عن تطور السلوك والإدراك عند الجنسين، لا تشمل تكوين الدماغ فحسب، بل تتعدّاه إلى العينين والأنف والأذنين والفم والأطراف. وبتعبير آخر، إلى أجهزة الحواس المسؤولة عن إرسال المعلومات الخارجية إلى الدماغ بغية تطوير وظائفه. ويؤكد العلماء، أن تطور الدماغ البشري عبر العصور يعود إلى مرونة تفاعل وظائفه مع معطيات البيئة، ومنها الروائح وأحوال الطقس، وأنواع الطعام، بالإضافة إلى ظروف الحياة وما يكتنفها من مصاعب ومخاوف وضغوطات، وما تعكسه مشاعر مؤثرة في تنمية المهارات والحوافز. وهذا يؤكد على أن المعطيات الفردية تتأرجح وتتطور وتنمو باختلاف العمر والجنس والظروف العائلية والاجتماعية.

 

الفروقات البيولوجية المؤثرة في الإدراك

تؤكد الأبحاث التي أجريت على مجموعات من الجنسين أن الذكور عموماً يتصرّفون بأنانية وبدون إدراك لتأثير تصرفاتهم على مشاعر الآخرين. وعندما يتقدم الرجل بالسن، يخسر دماغه جزءاً من نسيج المنطقة الموجودة وراء الجبهة، والمسؤولة عن ضبط الغضب والانفعال. وهذا لا يحدث عند النساء إلا نادراً، من هنا العصبية وسرعة الغضب التي تميز عموماً الذكور المتقدمين بالسن.
والمعروف أن الدماغ يتألف من شقين تربط بينهما حزمة من الألياف العصبية. وكما تدل الأبحاث، فإن الشق الأيسر يتضمن مناطق تتحكم بالعواطف والمشاعر، بينما يتضمن الشق الأيمن مناطق مسؤولة عن الإدراك والفكر التحليلي. وبالنسبة إلى حزمة الأعصاب التي تجمع بينهما، والتي اعتقد الباحثون سابقاً أنها أكثر سماكة وصلابة عند الذكور منها عند الإناث، فقد أثبتت الاكتشافات العلمية الحديثة عكس هذا الاعتقاد، وهذا يفسّر  وجود الترابط القوي بين العواطف والأحاسيس وبين الإدراك والفكر التحليلي عند النساء بشكل عام. وعلماً أن حجم دماغ الرجل هو أكبر من حجم دماغ المرأة، إلا أن ذلك لا يبرّر على حد قول الباحثين، التفوّق الذكوري في القدرات العلمية والذكاء عموماً. والدليل أن اختبارات الذكاء التي أخضع لها رجال ونساء من المستوى الفكري والاجتماعي نفسه كانت متساوية.

 

اكتشافات جديدة

أثبتت دراسات أخرى أن الرابط القوي بين شقي الدماغ الأنثوي وما يؤمنه من كثافة في توصيلات الخلايا العصبية، يتيح للنساء عموماً استخدام أكبر عدد ممكن من أجزاء أدمغتهن للقيام بمهام مختلفة ومتنوعة. وهذا لا ينطبق على الذكور الذين يستخدمون أجزاء محدودة من أدمغتهم بسبب انحسار كثافة التوصيلات بين شقي الدماغ، الأمر الذي يفسّر انخفاض مرونتهم في التعاطي مع الأحداث، وعزوفهم عن الغوص في التفاصيل.
واللافت أن الإناث يتمتّعن بمقدرة ومرونة في استخدام اللغة والكلام للتعبير عن الأفكار والمشاعر. وهذا يعود أيضاً إلى أسباب بيولوجية.
ففـي عمق أدمغة الرجال والنساء، جزء يعرف بـ«اللوزة» (Amygdala) مسؤول عن نمـو وتأرجح المشـاعر. إلا أن اختلاف هندسـة الدماغ بين الجنسـين، يتيح للنساء التفوّق على الرجال في قوة الربط بين هذا الجزء، والجزء المسؤول عن التعبير اللغوي، الأمر الذي يعطي النساء خصائص مميزة في هذا المجال.

 

أجهزة الحواس

بالعودة إلى اختلاف تكوين أجهزة الحواس بين الجنسين، يؤكد الباحثون أن حواس الإناث والذكور تعمل أحياناً بأشكال متباينة. والدراسة التي قام بها الطبيب والمعالج النفسي الأميركي ليونارد ساكس، تشير إلى وجود صلة وثيقة بين تكوين أجهزة الحواس، وبين نمو القدرات الإدراكية والسلوك والفكر التحليلي. وهذا يعود إلى أن المرأة قد ترى في نفس المشهد أو اللوحة، ألواناً لا يراها الرجل، وتسمع في نفس الأغنية ألحاناً تختلف أصداؤها وإيقاعاتها عن تلك التي تصل إلى أذنيه، وقد تستمتع بروائح لا تصل إلى أنفه، وتكوّن بالتالي معلومات تختلف عن المعلومات التي يتلقاها دماغه. واللافت أن آخر الدراسات التي أجريت على ذكور وإناث الفئران، أفادت أن شبكية أعين الذكور مزوّدة بخلايا كثيفة لمراقبة سرعة الحركة، بينما ثبت أن شبكية أعين الإناث هي أكثر فعالية لجمع المعلومات المتعلقة بالأشكال والألوان. وإذا ما أخذنا بالحقيقة العلمية التي تؤكد على الشبه الشديد بين سلوك الفئران والبشر، ندرك سبب انجذاب الأطفال الذكور إلى الدمى المتحركة أكثر من الأطفال الإناث واللواتي يجدن متعة في اقتناء الدمى الملونة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن اضطراب الحركة الزائدة المرتبط بنقص التركيز عند صغار الذكور وخصوصاً خلال سنوات الدراسة الأولى، تنجم عموماً عن ضعف حاسة السمع، والتي تقوى تدريجاً مع تطور النمو. ويشير «ساكس» إلى أن الطرق التربوية القديمة التي كانت تقضي بفصل الذكور عن الإناث في المدارس، وخصوصاً في المراحل الابتدائية، كانت تراعي بالفطرة المعطيات العلمية لهندسة أدمغة الجنسين وأجهزة حواسهم.
وبالعودة إلى الحقائق العلمية المتعلقة بمستوى التحصيل والذكاء بين الجنسين، والتي هي محور البحث، فقد ثبت أن أنسجة خلايا الأعصاب الموجودة في منطقة الدماغ الرمادية المسؤولة عن التفكير والتحليل، قابلة للتغير والتأقلم مع معطيات الواقع. والدراسة التي نشرتها مؤخراً مجلة «Nature» العلمية، أكدت أن المادة الرمادية الموجودة في أدمغة الجنسين، تتكثّف أثناء ممارسة الأنشطة الفكرية، كتعلّم لغات جديدة أو ممارسة ألعاب الذكاء وسواها من الأنشطة التي تتطلب الاستعانة بقدرات التحليل والمنطق وسرعة البديهة. وهذا يعني أن الإناث قادرات كالذكور على الإبداع في حقلي العلوم والرياضيات، وقد يتفوّقن عليهم في حال وجود الحوافز والتشجيع، والبيئة الاجتماعية والعائلية المناسبة.