مخيّم الحربية

هكذا انطلقوا...
إعداد: المعاون جيهان جبور

اليوم الأول

 

ليس من السهل أبدًا أن نغيّر أسلوب حياتنا فجأة، إنّما بالنسبة لهم كان الأمر سهلًا، بالأحرى الحماسة هي التي جعلته كذلك. إنّهم العشرات من الطلاب الثانويين الذين تركوا في بيوتهم الهواتف الخلوية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة، وتوجهوا إلى الكلية الحربية ليعيشوا خلال أيام تجربة فيها الكثير من التحدي والمتعة.


توافد إلى حرم الكلية 131 طالبًا وطالبة من الصفَين الأول والثاني ثانوي، على ظهر كل منهم أو كتفه «البقجة» التي تتضمن بعض الحاجيات الشخصية، وعلى وجوههم ابتسامة مشرقة، وفي حركاتهم دفق من الحماسة.

على باب الكلية اصطف الضباط وإلى جانبهم بعض التلامذة الضباط من السنة الثالثة بالإضافة إلى رتباء من الكلية، «أهل البيت» استقبلوا «الضيوف» بفرح. ضيوف قد يكون بينهم من سيعود إلى هذه الكلية لاحقًا ليتطوع في صفوفها، وقد لا يعود آخرون، لكنّ الجميع يَعِدون أنفسهم بتجربةٍ فيها الكثير من التحدي.

تسلّم الطلاب البزّات «العسكرية» المعدّة خصيصًا لهذا المخيّم، قبل أن يتوجهوا إلى الغرف التي جُهّزت لهم. خلعوا لباسهم المدني ليخرجوا بعد دقائق فخورين بالزي الموحّد الذي وضع حدًا فاصلًا بين حياتهم كمدنيين وما هم مقبلون على اختباره كـ«عسكريين» لأيام.


ماذا ينتظرون؟
رأى بيار بولس الحاج من مدرسة الـMont la salle أنّ هذا المخيّم سيتيح له التعرّف إلى أشخاص قادمين من بيئات وخلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة، وهذا بحد ذاته أمر مهم بنظره، كما أنّه يسمح له بتكوين صداقات جديدة. «بدي كون ضابط متل خوالي»، يقولها بيار بكل جدية، ليضيف: «المخيم تجربة تستحق أن نعيشها».

أمّا سيرجيو مدوّر من المعهد الأنطوني فيرى أنّ الحياة العسكرية مليئة بالكثير من الشغف والتحدي لا سيّما لمن كان معتادًا على الحياة النمطية التي لا تخلو من الملل. في هذا المخيّم «سنكسر» نمط الحياة العادية ونعيش بضعة أيام من المغامرات والمسؤولية بهدف إثبات الجدارة وتحقيق الذات.


حلم واحد لثلاثة توائم!
كارل ومايكل ورولف غصين، 3 توائم جلسوا في القاعة بجانب بعضهم البعض وكان من الصعب جدًا التفريق بينهم. معًا في المدرسة، معًا في الكلية، معًا في كل ما يخوضونه. «سنبقى معًا. وحلمنا نصير ضباط»، يقولها مايكل بكل تصميم.
 
ضحكات في الأروقة!
خلال جولتنا في أروقة الكلية، تستوقفنا ضحكات الفتيات، البعض منهن لم يأخذن لغاية الآن الأمور على محمل الجد، لكنّ الوقت لن يطول ليكتشفن ما ينتظرهن طالما أنهنّ اخترن خوض التجربة. ندخل إحدى الغرف ونتحدث مع بترا خوري من مدرسة الـMont la salle، فتقولها بكل فخر: «بابا بالجيش»، وقد تربينا على حب الوطن والمؤسسة لأنّها الضمانة الوحيدة لكل الظروف ولكل الأزمات. بترا متحمسة وتود أن تعيش ولو لأيام ما يعيشه العسكريون من «حلو ومر»... بدورها تخبرنا دناي عبدالله من مدرسة سيدة الجمهور أنّ قدوتها في الجيش هو خالها الذي يجسد بنظرها الالتزام والمسؤولية في أداء واجبه، وهذا ما دفعها للمشاركة في المخيّم، لكن ثمة سبب آخر: «أريد أن أتعلّم كيفية استخدام الأسلحة لأتغلب على الخوف» تقول دناي.
أمّا نتالي منصور من مدرسة Sagesse Brazilia فرأت في هذا المخيّم فرصًا كثيرة: الاعتماد على الذات، ترسيخ الثقة بالنفس، تحسين اللياقة البدنية، وتعزيز روحية العمل الجماعي. وبفرحةٍ تعلو وجهها تقول: «بشوفكن بهالبدلة بيكبر قلبي... ما أحلاكن».
 
«قلبنا القاعدة»
في حديث مع قائد المخيم الرائد شربل خوري أوضح أنّه جرت العادة أن تشارك المؤسسة العسكرية بيومٍ مفتوح في المدارس لتعريف الطلاب على المؤسسة بشكلٍ عام وعلى الكلية الحربية بشكلٍ خاص. هذه السنة «قلبنا القاعدة» وأفسحنا أمام الشباب مجال التعرّف إلى الحياة العسكرية عمليًا.

وقال إنّ الهدف الأساسي من هذا المخيّم هو تعريف الطلاب المقبلين على التعليم الجامعي على شروط الانتساب إلى الكليّة الحربية وطبيعة التدريبات والنشاطات داخلها، وتشجيعهم على الانتساب عن طريق تعريفهم بالاختصاصات كافة.


وأضاف: أرسلنا استمارات إلى المدارس التي بدورها زوّدتنا أسماء الراغبين بالمشاركة في المخيّم، وقد فوجئنا بعددهم الكبير الذي يفوق قدرتنا على الاستيعاب فاضطررنا للتقيّد بعدد محدد.
من جهتها، تتحدث النقيب نانسي حوّاط المفصولة من الأمن العام إلى الكلية الحربية كضابطٍ مدرّب منذ سنتَين، بفخرٍ عن دور المرأة في المؤسسة العسكرية خصوصًا وأنّه لم يعد مقتصرًا على المجال الإداري، وهي تنجح في أداء كل ما يوكل إليها من مهمات، بما فيها الوظائف في الوحدات المقاتلة. وإذ رأت أنّ القرار الذي اتخذه قائد الجيش العماد جوزاف عون بتفعيل دور النساء في المؤسسة سيؤدي بكل تأكيد إلى نقلة نوعية ونهضة، أملت في أن يشجع هذا المخيم المزيد من الفتيات على التطوع في المؤسسة العسكرية عندما تسمح الظروف.
 
حان وقت «الجد»
وصـل الأمـر إلى الجـد الآن، فقـد حـان موعـد بـدء الـدرس التدليلـي حـول علـم الأسلحـة خصوصًـا الـ م16 والمـاغ والـRPG. تمّ توزيع المشاركين في فصائل، وتولى كل فصيلة ضابط معرفًا المتدربين بخصائص كل سلاح وكيفية استعماله. وكم كان فرح الطلاب كبيرًا بالتعرف إلى الأسلحة وتجربتها واتخاذ أوضاع الرمي المناسبة لكل منها.

انتهى الدرس، حان وقت الغداء، عاش الجميع لذة مشاركة الخبز والملح قبل أن ينطلقوا إلى المحطة التالية.

نقلتهم الآليات العسكرية إلى مقر قيادة القوات البحرية حيث اجتمعوا في غرفة العمليات التابعة لها. عاينوا تجهيزاتها وكيفية عملها وتابعوا محاضرة حول مهمات القوات البحرية لا سيما في حماية الحدود البحرية. الإثارة والتشويق بلغا حدهما الأقصى عند الوصول إلى قوارب الإنزال حيث تعرفوا إلى كيفية مداهمة مركب مشبوه، ليبدأ بعد ذلك في مشغل الغطس فصل جديد من الرغبة في الاكتشاف والمعرفة. تعرفوا إلى عتاد الغطس وتدابير الحيطة والسلامة في أثناء هذه العملية وسوى ذلك مما يتعلق بها. «قد أصبح غطاسًا في المستقبل» قال أحدهم، ليلاقيه آخر: «وأنا أيضًا»...
اليوم الأول في مخيم الكلية الحربية كان نقطة الانطلاق في تجربة فريدة للطلاب الذين تمنى الكثيرون منهم لو تطول أكثر، «يا ريت بترجع خدمة العلم» يقول طالب مؤكدًا: «كنت بكون أول واحد بيلتحق».