اسماء لامعة

هكذا كان وهكذا يستمر روجيه عساف
إعداد: تريز منصور

شغف بالمسرح لا يعتريه خفوت ولا تعيقه ظروف

رائد من رواد الحركة المسرحية في لبنان والعالم العربي. أعماله إضافات وعلامات بارزة ومشرقة في الحياة المسرحية والثقافية.
يدخل في النص مبحراً في أعماقه، باحثاً عن قيم معرفية وثقافية ذات طابع إنساني شامل.
إنه المخرج والممثل المسرحي روجيه عساف، الذي ما فتئ منذ عقود يزاول لعبة المسرح بشغف وشوق لا يشوبهما خفوت أو انقطاع.
من الستينيات وصولاً إلى يومنا هذا، روجيه عساف اسم حافظ على صعوده وألقه في المسرح الطليعي، كما في «الحكواتي» المنغمس في الواقع، وفي مختلف أساليب التجريب والتعبير المسرحي.

 

سيرة وملامح
إبن عائلة بيروتية، ولد العام 1914، والده جوزف عساف وأمه روزيت بروناس (فرنسية). أشقاؤه: ميشال، أنطون وهنري.
تزوج روجيه عساف من السيدة ماري كلود اده، وأنجب منها إبنة، ثم تزوج ثانية من حنان الحاج علي وأنجب منها أربعة أولاد: زينب، علي، مريم ويوسف.
تلقى علومه الإبتدائية في مدرسة «الفرير» - فرن الشباك، وعلومه الثانوية في مدرسة «الفرير» الجميزة. ثم انتسب الى جامعة القديس يوسف، حيث درس الطب لمدة أربع سنوات (1958-1962)لكنه ما لبث أن هجر الدراسة ليتفرغ للعمل المسرحي.
منذ صغره، كان روجيه عساف متمكناً من اللغة الفرنسية، الأمر الذي منحه إمتيازاً على الآخرين، فتفوق في النشاطات الفنية والمسرحية والدينية والأدبية في المدرسة، وبتشجيع من أستاذه الفرنسي جورج هاريتيه للإلقاء المسرحي، نمت موهبة ذلك الطفل (7 سنوات) الذي لمع اسمه في ما بعد في عالم المسرح اللبناني والعربي.
عمله المسرحي نما وتطور بشكل مطرد، بموازاة دراسته الطب، علماً انه يومذاك، لم تكن هناك معاهد أو جامعات تدرّس المسرح.

 

أول أعماله
كان عمله الإحترافي الأول في عمر الثانية عشرة، حين شارك في مسرحية جوالة من إخراج هنري خياط، لقاء مبلغ قدره 25 ليرة لبنانية، اشترى به كتباً ومسرحيات.
في ما بعد شارك روجيه عساف بتأسيس المركز المسرحي الجامعي (C.U.E.D) في معهد الآداب، حيث عرضت عدة مسرحيات ذات طابع طليعي كمسرحية "Les Chaises" للكاتب ايونسكو.
وشارك في أعمال تلفزيونية مع المخرجين جان كلود بولس وأنطوان ريمي والياس متى وأنطوان مشحور.
العام 1963 حصل من السفارة الفرنسية على منحة لدراسة التمثيل في المعهد العالي للدروس المسرحية ستراسبورغ بفرنسا.
عاد إلى لبنان العام 1965، وكانت الحركة المسرحية الفعلية قد بدأت بالنمو والتطور، فانخرط فيها وساهم في تأسيس كلية الفنون في الجامعة اللبنانية العام 1966. كما شارك في إنشاء مسرح بيروت (عين المريسة) الذي كانت له على خشبته عدة أعمال، مخرجاً وممثلاً. ومنها مسرحيات الكاتب اللبناني غبريال بستاني، مثل اLe Retour d'Adonisب.
ومن مسرح بيروت الى مهرجان «نانسي» الدولي، حيث شارك في التمثيل مع مخرجين آخرين مثل جلال خوري في مسرحية «أرتيرو أوي» - Arturo Ui) أي صعود هتلر)، ومع شكيب خوري في «بانتظار غودو» (الزعيم الصغير)، والأخوين رحباني في «أيام فخرالدين»، ومنير أبو دبس في «هاملت».

 

محترف بيروت للمسرح
العام 1968 ساهم مع نضال الأشقر في تأسيس محترف بيروت للمسرح. كانت لهذا المشروع عدة طموحات أبرزها، ابتكار شكل مسرحي وطني شعبي إحتفالي يؤدي دوراً فاعلاً في الوعي الاجتماعي والسياسي، وحشد المواهب الأدبية والفنية من كتّاب وشعراء وموسيقيين وممثلين وفنانين في ورشة جماعية قادرة على إنتاج مسرح جديد.
جمع هذا المحترف العديد من المبدعين في مجالات المسرح والشعر والموسيقى، ومنهم: عصام محفوظ، طلال حيدر، أسامة العارف، نزار قباني، وليد غلمية، منير بشير، نبيه أبو الحسن، رضا كبريت، نقولا دانيال، فؤاد نعيم، وجان شمعون. وهو قدم أعمالاً مسرحية كبيرة منها: «المفتش غوغول» (1968)، «طبعة خاصة» (1968)، «مجدلون» (1969)، «كارت بلانش» (1970)، «مهرجان دمشق» 1970، «إضراب الحرامية» (أسامة العارف)، «مرجانة» و«ياقوت والتفاحة» و«إزار».
في السبعينيات وتحديداً العام 1972 كان اللقاء بين روجيه عساف والفنان شوشو  (حسن علاء الدين)، لقاء أثمر إخراج مسرحيتين: «آخ يا بلدنا» (1973/1947) (مقتبسة عن أوبرا القروش الثلاثة لبريخت) و«خيمة كراكوز» (1974).

 

الحكواتي
المحطة الأهم في تجربة المخرج روجيه عساف كانت مسرح «الحكواتي» (أيار 1979) الذي شاركت أعماله في مهرجانات عربية ودولية ونالت جوائز عديدة، وتعتبر مرجعاً في تاريخ المسرح اللبناني والعربي. ومن أهم تلك المسرحيات: «أيام الخيام» و«حكايات 36» و«الجرس» مع الفنان رفيق علي أحمد. «أيام الخيام» أحرزت نجاحاً محلياً ودولياً جعل مسرح الحكواتي مرجعاً مهماً في المسرح العربي الملتزم.
تجربة روجيه عساف الغنية قادته الى مسرح الأمم (Théâtre des Nations) العام 1984، وعرضت أعماله في: دمشق، الكويت، المغرب، السينيغال، مصر وباريس ومعظم الدول الأوروبية والعربية.
إضافة إلى المسرحيات أصدر كتاب «المسرحة - أقنعة المدينة» (1985)، كما أنتج فيلم «معركة» (1985) الذي يتناول مقاومة الجنوب للاحتلال الإسرائيلي.

 

بين الستينيات
ومطلع الألفية الجديدة
مسافة طويلة تفصل بين مسرح روجيه عساف في أواخر الستينيات ومسرحه بداية القرن الجديد، مسافة بالزمن وكذلك بالشكل والمضمون والأسلوب والعدد (نحو 40 مسرحية). فبدءاً من «الحكواتي» الذي استمده من الذاكرة الشعبية لمقاهي المدن العربية القديمة وأعاد صياغته وتقديمه، مروراً بتجربة مع معجزة المسرح اللبناني «شوشو» ثم في أعماله «جنينة الصنائع»، «حبس الرمل» و«المغنية الصلعاء»، ومن ثم تجربته مع الفنان رفيق علي أحمد في «الجرس» ثم في «زواريب» إنتهاءً ب«لوسي المرأة العمودية»، حيث يتباعد الشكل المسرحي وتتنوع أشكال التعبير، ويبقى الانسان هو السؤال الكبير الذي يعيد عساف طرحه بأشكال متنوعة، مازجاً بين رمزية مفرطة وواقعية مدهشة.
مسرح روجيه عساف مليء بالتناقضات شكلاً ومضموناً، تجتمع فيه عناصر فنية ومتنوعة بشكل ساحر فالموسيقى الكلاسيكية تندمج بالموسيقى الشعبية والاتقان يقترن بالعفوية، والنتيجة ما يمكن تسميته بالسهل الممتنع. أما الديكور البسيط فهو الميزة الدائمة لمسرحه.

 

المسرح والحياة
الى جانب النشاط المسرحي، يقوم روجيه عساف بنشاطات سياسية وإجتماعية، فبالتعاون مع الجمعيات الأهلية عمل على تقديم الدعم (التربوي والثقافي والطبي والزراعي) للأهالي في قرى جنوبية نائية، من خلال عرض الأفلام الوثائقية والأعمال المسرحية. وعمله هذا ينطلق من مبدأ: «الإنسان هو الأهم في الحياة والحياة أهم ما يملكه الإنسان».
المسرح كما يراه عبارة عن مكان، بالمعنى المجازي، يحضن عملاً متنوعاً، يحكي عن الواقع والناس، وله ركيزتان:
- العلاقة مع الناس والواقع المعيوش.
- العمل الجماعي (كتابة، تصوير، إخراج...) والممارسة الديمقراطية الى أقصى حد ممكن.
إنه الحياة بمعنى ما، ومن هنا يمثل العمل المسرحي كما العمل الانساني والاجتماعي تظهيراً لمفهوم واحد محوره الانسان.

 

دوار الشمس
انطلاقاً من روحية العمل الجماعي، أسس روجيه عساف مركز دوار الشمس العام 2005، وهو مركز هدفه دعم محاولات التعبير الشبابية وتفعيلها.
دوار الشمس شهد منذ تأسيسه، نشاطات ثقافية ومسرحية وسينمائية متنوعة.
حرية الرأي بالنسبة إليه، مسألة غير قابلة للبحث، وقد عرف بجرأته في طرح آرائه السياسية والإجتماعية والفلسفية.

 

«الرون بوان» الفرنسي و«بوابة فاطمة»

مسرح «الرون بوان»، هو أحد أكبر المسارح الرئيسة في باريس (تابع للدولة)، منذ أسابيع حلت فرقة المسرح في لبنان لمدة عشرة أيام، ناقلة معها عالمها بأكمله (المسرحيات، الأقلام، الكتب...). بعد أن عقدت إتفاقات مع مؤسسات فرنسية، ومع وزارة الثقافة في لبنان، بالإضافة إلى بلدية بيروت، الفرقة طلبت التعاون مع المسارح ذات الطابع الثقافي في بيروت كمسرح «دوار الشمس» و«المدينة» و«مونو» ومسرح المركز الثقافي الفرنسي.
روجيه عساف أصرّ، قبل الموافقة على المشروع، على ألاّ يقتصر دور لبنان والمسارح اللبنانية على تقديم الخدمات التقنية والأمكنة للعرض وحسب، وطلب المشاركة الفعلية والإبداعية في البرنامج، فتم تعديله، ودخلت «بوابة فاطمة» في العروض. فقد عرض مسرح «دوار الشمس» مسرحية عساف الجديدة (تمثيل حنان الحاج علي، ياسمينا طوبيا وروجيه عساف).
إنطلق روجيه عساف في عرضه من مجموعة نصوص، كان قد بدأ كتابتها في أثناء الحرب الأخيرة. النصوص تتكلم عن الأوضاع عبر قصص متنوعة وصلت عبر الانترنت الى مختلف أنحاء العالم.
النصوص ترجمت الى عدة لغات (هولندية، المانية، بوسنية، يونانية)، ولاقت أصداءها في فرنسا، وعلى المسارح، وبين أوساط المثقفين.

 

ويقول عساف:
نص «بوابة فاطمة» عبارة عن قصص صغيرة، مأخوذة من الناس، ومن ممارساتنا في الجنوب وبيروت، تحمل دلالات كثيرة. إضافة الى نصوص وصلتنا كردود على ما كنا نكتبه. وعلى هذه الأسس ركّبت المسرحية، بالإضافة إلى مشاركة سرمد لويس، الذي لعب دوراً رئيساً في تحضير العمل. لقد إهتم بتصوير فترة الحرب، وما زال يصوّر حتى اليوم.
قدم العرض في المهرجان، باللغة الفرنسية وقد تخلّله بعض المقاطع الصغيرة باللغة العربية. وسوف يقدم باللغة العربية للجمهور اللبناني والعربي والأجنبي، في شباط 2007 على مسرح «دوار الشمس».
روجيه عساف من القلائل من بين أبناء جيله، الذين يزاولون لعبتهم المسرحية من دون انقطاع، يبحثون عن أطر ومناخات تسمح لها بالعيش والاستمرار، على الرغم من تعثر المشهد المسرحي وخفوته، ويبحثون أيضاً عن أشكال ووسائل متجددة لفعالية السقوط، لإيمان ربما، أو لرهان على جوانب خلاّقة في المسرح، ينبغي درايتها، وبالنهاية هي جزء عضوي من مسار الحياة. ومن أجل ذلك ينشط روجيه عساف ويجتهد على أكثر من صعيد، ليكمل خطه البياني بحيوية وبحضور متعدد الوظائف، هكذا كان ويبدو أنه هكذا سيستمر...

 

جوائز وتكريم
- جائزة الأرزة الذهبية 1962.
- مهرجان Nancy الدولي 1976: الثالث في قائمة المميزين.
- جائزة أفضل عمل مسرحي في أيام قرطاج المسرحية 1983.
- منتخب مهرجان الأمم Théâtre des Nations 1984.
- وسام مهرجان Montpellier 1985.
- تكريم مهرجان القاهرة الدولي 1991.
- جائزة أفضل عمل مسرحي وجائزة أفضل إخراج في ملتقى القاهرة الدولي 1994.
- جائزة الامتياز في أيام قرطاج المسرحية 89911998.
- جائزة أفضل إنتاج فني - مؤسسة عبدالهادي الدبس 1999.