العوافي يا وطن

هكذا كنتم، هكذا تكونون
إعداد: إلهام نصر تابت

 

تبدو الأيام القاسية قريبة، قريبة جدًا. القلق خبز الوقت الصعب. الخوف خلف كل باب. أبسط مقومات الحياة باتت ترفًا. المسكن، الخبز، الدواء، الكهرباء، الوقود، الكتاب، القلم والدفتر... هل ثمة أبسط منها وأقل للحياة؟ في وطننا يبدو هذا القليل كثيرًا وبعيد المنال.

أيام البرد آتية وفيها صقيع أقسى بكثير من ذلك الذي يأتي به الثلج. فيها هموم وخوف من كل نوع ولون. فيها القلق من الآتي، والكل يقول إنّه أعظم.

ما شهدناه وعشناه، وما نعيشه ونخشاه لم يغير فاصلة في معجم الأداء السياسي. على من يتكل المواطن؟ إلى من يتطلع؟ جوقة المبشرين بعظائم الأمور وكبائر النكبات لا تتوقف عن ترداد معزوفاتها البائسة. كمسؤولين مفترض أن يكون لديهم ما يفعلونه لمعالجة الواقع المحبط، لكنهم تحولوا إلى عازفين يحترفون صناعة اليأس.

في بؤرة القلق والخوف يقيم المواطن، مقهورًا، يائسًا، مكبلًا، مسحوقًا، وفي ألاعيبهم السياسية يقيمون من غير أن يرف لهم جفن، من غير أن تصدر عنهم مبادرة أو مجرد خطوة، تبرّد لهيب القهر والغضب.

إلى من يتطلّع المواطن المكسور؟ المواطن المسلوبة حقوقه وجنى عمره؟ كيف له أن يغفو على وسادة الخوف؟

يخاف المواطن على لقمة عيشه، ومستقبل أولاده، يخاف على أمنه، وعلى وطنه.

تبدو الأيام المقبلة أكثر قسوة، فيا أيها المرتدون تراب الأرض وشجرها، يا أيها المنذورون لحماية وطنكم وخدمة أهله، يا أيها الجاهزون لمسح آثار كل إهمال... جهزوا سواعدكم فبانتظاركم مهمات كثيرة، إذ لطالما كنتم لبنة الأمل ومدماكه الأساس في الأيام العجاف.

كان صيفكم دم في مواجهة الإرهاب، وعرق في مواجهة الدمار، وسيكون شتاؤكم مزيدًا من التعب والتضحية.

المخاطر تكبر، ومعها تكبر حاجة المواطنين إلى التزامكم وشجاعتكم ليبقى لنا وطن.

بالأمس، التحق ستة من رفاقكم بمسيرة الشهادة الممتدة في تاريخ الوطن وأرضه. لكل منهم بيت وأهل وأولاد وأحلام. لم يتردد أي منهم. نعم، لم يترددوا، لم يسألوا، قاموا بواجبهم فقط. كانوا أوفياء للقسَم الذي جهروا به حين ارتدوا البزة المرقطة.

طوال الصيف، كنتم في لهيب الشمس الحارقة تبحثون في الأنقاض عن بقايا حياة، عن أجوبة لأسئلة المفجوعين المنتظرين معرفة مصير أحبائهم. وكنتم تزيلون كابوس الدمار عن رئة العاصمة وقلبها وشوارعها. وأيضًا كنتم اليد البيضاء التي لم تُقصّر في تلبية أي حاجة لمواطن. لم تتعبوا، لم تسألوا، قمتم بواجبكم فقط.

هكذا كنتم دائمًا، وهكذا أنتم اليوم، وهكذا تكونون في الآتي من الأيام: شعلة الأمل التي لا تخبو، وساعد العزم الذي لا يتعب.

الصقيع آتٍ، وأنتم في الجرود والمدن والشوارع، وحيث أنتم تزرعون الأمل والأمان. أنتم في كل خوف وقهر نقطة الضوء ووعد الصمود. وأنتم في الحالات كلها مثال التضحية والشرف والوفاء.

نعم هذا أنتم، هكذا كنتم، وهكذا أبدًا تكونون.

 

العوافي يا جيشنا

.العوافي يا وطن