نحن ومؤسستنا

هكذا يُصنع الصمود

يدرك العسكري أنّ حياته سلسلة من المخاطر، ومن لحظة ارتدائه البزة وأدائه القسم تبدأ مسيرته مع التضحية التي لا تقف عند حدود. لكنّ العسكري يدرك أنّه ينتمي إلى مؤسسة ستبقى إلى جانبه طوال العمر أيضًا، وستسانده في الأوقات العصيبة. لذلك من الصعب أن تكسره إصابة مهما كانت جسيمة، لا بل يؤكد من قاسوا الأمرَّين قبل أن يستعيدوا بعضًا من عافيتهم: إذا عاد الزمن إلى الوراء سنتصرف كما تصرفنا من قبل...


لا يترك الرفاق شهيدهم في أرض المعركة حتى ولو كلّفهم ذلك أن يسلكوا الطريق الذي سلكها، ولا تترك قيادة الجيش مصابيها مهما طالت مدة علاجهم، بل تقف إلى جانبهم بكل ما يقتضيه ذلك من متابعة ورعاية واهتمام. فبين العسكري وقيادته عهد الوفاء المتبادل ثابت مستمر لا تغيّره أو تحول دون تحقيقه ظروف مهما كانت قاسية، وهذا العهد يتجلّى في معنويات المصابين إرادة لا تنكسر.
 
بملء إرادتي...
من بين هؤلاء المؤهل أول عبد الفتاح محمّد من الفوج المجوقل الذي كان في عداد من صنعوا الانتصار في معركة «فجر الجرود»، دفع ثمنًا غاليًا بفقدانه بصره، مع ذلك لم ينكسر ولم يستسلم! يُقر بأنّه مرّ بمرحلةٍ صعبة جدًا إثر إصابته، لكنّه لم يكن وحيدًا خلالها، فقد اجتازها محاطًا برعاية المؤسسة العسكرية وقيادتها. يقول: «مرحلة واجتزناها، المؤسسة لم تبخل عليّ بشيءٍ، لا من ناحية الطبابة والاستشفاء وتأمين الأدوية والمستلزمات الطبية والمراقبة المستمرة، ولا من الناحية النفسية والمعنوية، بل أنّها خصصت عنصرًا لمساعدتي على التنقّل، وهو يلازمني منذ 5 سنوات. اليوم أشعر بالراحة جسديًا ونفسيًا، فقد تحسّن نظري من 5 إلى 10% بعد أن كان الأمل بالتحسن ولو بنسبة 1% مفقودًا في حالتي».

لعصبية القطعة دور مهم في تعزيز معنويات أفرادها، وهذا ما يعكسه حديث المؤهل أول محمد حين يقول: «عندما تقدّمنا إلى دورة المجوقل كنا 750 فردًا، تخرّج منها 40 فقط، وكنّا جميعًا مستعدين لافتداء لبنان بدمائنا. كنت أعرف حجم الصعوبات التي سأواجهها، واخترت ذلك بملء إرادتي. ولو عدت اليوم واخترت مسيرة حياتي مرة أخرى لكانت خياراتي هي نفسها، حتى المهمة التي أُصبت فيها كنت سأُنفّذها من جديد وبالاندفاع نفسه».

ويختم حديثه قائلًا: «البلاد والمؤسسة تمرّان اليوم بظروفٍ صعبة، لكنّ هذا لا يعني أن نتخلّى عنهما ونستسلم... على العكس، فلنتسلّح بالصبر وقوّة التحمّل. شعبنا متعلّق بهذه البزة التي أقسمنا يمين الولاء لها، ولن نستسلم في لحظة ضعف».
 
العسكري لا يستسلم
أُصيب المعاون أول صهيب عمر في عملية مداهمة مخيم النور - عرسال التي نُفّذت منذ بضع سنوات. هو من عسكريي الفوج المجوقل الفخورين بقطعتهم وبزتهم أيضًا. أدى واجبه بشجاعةٍ، وها هو يواجه إصابته بشجاعةٍ مماثلة مؤكدًا أنّه مستعد للتضحية من جديد إذا دعت الحاجة، ولتنفيذ المهمة ذاتها إذا أُوكلت إليه مرة أُخرى. إيمانه بلبنان لا يتزعزع رغم قسوة الظروف. وهو يقول: «علينا الصبر والتحمّل قليلًا، فوطننا سوف يستعيد عافيته مجددًا». ويضيف: «المؤسسة العسكرية لا تتركنا أبدًا، تسهر على راحتنا، خصوصًا لناحية العلاج والاستشفاء». المعاون أول صهيب يرى أنّه «من دون البزة العسكرية لا وطن ولا شعب ولا شيء آخر... ومن هذا المنطلق لا يستسلم أي عسكري يرتدي هذه البزة».
 
لن أتردد لحظة
على الرغم من إصابته البليغة خلال مداهمة المطلوب «أبو سلة» في الشروانة، يقول أحد عسكريي الوحدة الخاصة في مديرية المخابرات: «عندما تطوّعت في الجيش اللبناني وارتديت البزة المرقطة أقسمت يمين الولاء لوطني، وأعلنت استعدادي لافتدائه بدمي. وكنت أعلم أنّني سأحمل دمي على كفّي دومًا... احتمال أن أُصاب أو حتى أن استشهد كان واردًا في أي لحظة، وكنت مستعدًا لذلك. نحن مستمرون والمؤسسة مستمرة، لا نستسلم حتى آخر قطرة دم لنار.

برعايتها لهم، تؤكد قيادة الجيش لعسكرييها أنّها إلى جانبهم دائمًا، وبتضحياتهم وصبرهم يؤكدون لها وللبنان أنّهم على القسم باقون. هكذا يُصنع الصمود، صمود المؤسسة وعناصرها، وصمود الوطن...