تجارب قاسية

هل أنتَ مستعدّ لخوض هذه التجربة؟!

ندين البلعة خيرالله

 

إن لم تُصب أو يُصب أحد في عائلتك، ولم تحضر جنازةً افتراضية من دون أن تتمكن من وداع أحد أحبّائك، فإنّ ذلك لا يعني أنّ كورونا غير موجود، أو أنّك لست في خطر! «ما حدا قبضاي قدّام كورونا»... هي خلاصة جولة على عيّنة من الأشخاص الذين أُصيبوا بالفيروس، وفي المقابل تجد من هم في حالة نكران، أو من يؤمنون بنظرية المؤامرة ويصدّقونها، أو من ينظرون إلى كورونا كأنّه مجرد «مصيبة» تُضاف إلى لائحة الأزمات التي يعيشونها في هذا الوطن النازف على كل الأصعدة. أَو حتى بعضهم اختبر الفيروس ولكنّه ما زال رافضًا أو متردّدًا لفكرة تلقّي اللقاح! لكن كورونا واقع، وواقع خطير جدًا لا يمكن الاستهانة بمفاعيله!

 

حتى أبطال هذه الحقبة لم يسلموا!

«الحرب حربنا ونحن جنود الصف الأول»... تسلّح الأطباء والممرضون بالإنسانية والشجاعة والإرادة والخبرة، لمساعدة لبنان على تجاوز هذه المحنة، معرضين حياتهم وعائلاتهم للخطر، فخرق الفيروس صفوفهم وخطف أرواح عدد منهم.

عاد الدكتور إلى المنزل يومًا ليجد زوجته الملتزمة قرار عدم التجول، متعبة. لم يتردد في تأدية واجبه الطبي، فهناك مرضى بين الحياة والموت «برقبته»، وكانت النتيجة أنّه أتى بالعدوى إلى بيته. «صورة واحدة في بداية الأسبوع مقارنة بأخرى في نهايته كفيلة بإظهار إنسان نال منه الإنهاك، ناهيك عن الحزن والأسى على خسارة الزملاء الذين سقطوا ويسقطون في هذه المعركة!».

طبيب آخر يقول: «منذ تفشّي الوباء عاينّا وجع آلاف المرضى وخوفهم ورأينا الويلات، وكأنّ كل مريض هو فرد من عائلتنا. وحين يُصاب أحد من بيننا، يتعالى على أوجاعه إذا استطاع ولم تتأزّم حالته، ويبقى في ساحة الحرب فلا يترك خلفه مُصابين معلّقين بين الحياة والموت، وهو يشكّل بصيص الأمل الوحيد لهم!».

 

رحلوا بصمت ووحدة!

• «كورونا موجودة وتصيب في صميم القلب، لأنّها تجعلنا نخسر أحبّاءنا! وكأنّني في فيلم رعب... فجأة التقطتُ وزوجي العدوى بكورونا، وما لبث أن فارق الحياة بعد أسبوع فقط من إصابته! لم أودّعه إلّا من شرفتي، مات وحيدًا في غرفة العناية الفائقة، وغادرَنا بصمت».

• «الكورونا مش لعبة ولا Grippe عادي... الكورونا جعلتني أخسر والدي الذي نجا من انفجار المرفأ ليقضي عليه هذا الفيروس الفتاك الذي حرمنا حتى كلمة الوداع الأخيرة!».

• «عبثًا جِلنا لساعاتٍ على المستشفيات حتى نجد مكانًا لجدّتي المُصابة بفيروس كورونا، ولكن الأولوية كانت للأصغر سنًّا، خسرناها! لو كان الناس يلتزمون التدابير ويحترمون القوانين، لما «تغلغل» الفيروس في مجتمعنا، ولما وصلنا إلى هذا الحدّ الذي نتوسّل فيه قارورة أوكسيجين أو كرسيًا في مستشفى، السرير صار حلمًا!».

الآلاف في لبنان من الذين فقدوا أحبّاءهم بصمت. لقد تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ورقة «نعوة» وناقلة لفيديوهات الجنازات الافتراضية ووسيلة للتعزية!

 

على شفير الموت... تجربة حامل

كانت حاملًا في شهرها الثامن حين التقطت العدوى من زوجها. فرحت للوهلة الأولى وفكّرت «من الجيد أنّني أُصبت بالفيروس حتى أتخلّص منه وأرتاح... ولكنّني لم أكن أعرف ما كان ينتظرني». تدهورت حالة الأم ودخلت العناية الفائقة بعد أن خضعت لعمليةٍ قيصرية.

«كنت في غرفة زجاجية، بعيدة من طفلتي وكل أحبّائي، لا أسمع سوى صفير الماكينات، الأوكسيجين في أنفي والمصل بيدي، لا أرى سوى الممرضات. كنت أكافح المرض وأواجهه وحدي حتى شعرت أنّني فقدت تعلّقي بهذه الحياة المؤلمة. ولكن بفضل العناية الإلهية وجهود الأطباء والممرضين عدتُ إلى الحياة!».

 

عدو قاتل

هو ذاك الرجل الرياضي الذي لا يحتاج إلى أي حبة دواء، حين أصيب بكورونا ساءت حالته فجأة والتهبت رئتاه بنسبة ٦٠٪: «دخلت قسم العناية الفائقة وكانت حالتي سيئة، كنت أفتّش عن النفَس ولا أجده! راحت أرقامي تتدهور حتى وصل الأطباء إلى مرحلة سلّموا فيها أمري لله. شعرت في حينها أنّها آخر الدنيا، إلى أن حصلت المعجزة وشُفيت». ويتابع: «لا تستهينوا بهذا الفيروس بل تعاملوا معه وكأنّه عدو يريد قتلكم!».

 

«مش لعبة»

«بعد إصابتي بكورونا أقنعتني زوجتي بالذهاب «عصحّة السلامة» لإجراء صورة شعاعية للرئتَين بهدف الاطمئنان فقط، على الرغم من أنّني لم أكن أشعر بأي عارض تنفّسي. وهناك كانت الكارثة، وبدأت رحلة معاناتي في العناية المشدّدة بعد أن تبيّن أنّ الرئتَين تضرّرتا بنسبةٍ كبيرة بسبب الفيروس».

يتذكّر وزوجته هذه المحطة من حياتهما بألم، وإنما أيضًا بامتنانٍ، فقد عاد إلى الحياة بعد أن كان على شفير الموت. «كانت حالتي تتدهور مع كل صوت يصدر عن مريض يصرخ من الألم، وكل سعال أسمعه، وحتى مع كل حركة يقوم بها الأطباء من حولي. مرّ شريط حياتي أمامي!».

تقول زوجته: «الموضوع مش لعبة... لقد رأيت كم تعذّب زوجي، فقد كان يشهق ليجد النفس. وبفضل جهودهم وإرادة الله، استعاد زوجي حياته وهو الآن في فترة التعافي الدقيقة».

 

وكأنّ كل أمراض الكون انتهت...

تخبرنا إحدى المصابات السابقات عن تجربتها فتقول: «على الرغم من كل التدابير الوقائية الصارمة التي كنّا نتّخذها، أُصبنا بالعدوى. بطبيعة الحال، وكوني أتابع علاجًا للسرطان، كنتُ الأكثر خوفًا وكان أعظم مخاوفي هو أن أحتاج إلى المستشفى».

الدعم النفسي من قبل عائلتها جعل الفترة التي طالت لأكثر من شهر تمرّ بأقل ضرر ممكن. وهي الآن باتت «تخاف من النسمة» إذا مرّت بقربها، وكأنّ كل أمراض الكون انتهت وما بقيَ سوى كورونا.

 

وكأنّك منبوذ

شخص آخر اختبر العدوى أيضًا ولكن بعوارض أقل شدةً، يلفت إلى أنّ «أكثر ما يرعب في هذا المرض هو المجهول الذي يسير إليه المريض: هل ستتأزّم حالتي؟ هل سترتفع حرارتي أو يضيق نفسي؟ هل ستمرّ فترة الحجر بخير أم سأحتاج للعناية؟ ناهيك عن الرعب الذي يسبّبه نقص بعض الأدوية الضرورية لعلاج كورونا وفقدان بعضها الآخر من الصيدليات! أضف إلى ذلك، الشعور بالذنب من إمكان التسبّب بعدوى لأحد المسنّين أو أحد المرضى في العائلة، والشعور وكأنّك منبوذ من المجتمع، وكأنّ الحياة توقّفت!».

 

«الشدّة قوّتني»

شخص ثالث جعلته كورونا يلازم منزله ويوقف نشاطه اليومي، ما أزعجه كثيرًا. فقد اعتاد ممارسة الرياضة اليومية لمدة ٣ ساعات على الأقل، ناهيك عن العمل والحركة المستمرّة. «في البداية أقنعت نفسي أنّه رشح عادي وسيمرّ، كابرت وحاولت متابعة نشاطاتي رافضًا الاستسلام للمرض، ولكنّ العوارض تفاقمت واكتشفت أنّني مصاب بكورونا». وفي خلاصة تجربته يقول: «الشدّة قوّتني، وتعلّمت أنّه لا يجب الاستسلام أمام الصعوبات. الكورونا وباء حقيقي فلا تستهينوا به».

 

من خلف الباب

هل أصعب من أن تجلس ربّة المنزل في غرفة منعزلة عن أولادها، ينادونها فلا تستطيع تلبيتهم؟ وعندما يحين وقت الدرس أونلاين، يجلسون على بابها مع كتبهم وأجهزتهم الذكية فتشرف على دراستهم من خلف باب الغرفة حتى لا تعرّض صحتهم للخطر.

«ما أصعب أن تسمعي ابنك يقول: «ماما، اشتقت إلى غمرتك!» والله ستر أنّني لم أحتج إلى دخول المستشفى لكانت كارثة علينا!».

«الجمرة ما بتحرق إلّا مطرحا» و«ما حدا قبضاي قدّام كورونا»، فإذا لم تصدّق بعد أنّ كورونا موجود أو لم تُصب بعد بالعدوى ولم تعرف نوعًا من الدمار أو الخسارة التي تتسبّب بها، هل أنتّ مستعدّ لهذا الاختبار!؟

 

الوهلة الأولى!

«تلّج راسي»... «دخت وقشط ضغطي»... «بكيت وأُصبت بانهيار للوهلة الأولى»... «انرعبت لأنّ عندي مشكلات صحية»... «ما صدّقت كيف وليش ومن وين»... إنّها ردة الفعل الأولى بعد تلقّي نتيجة فحص PCR الإيجابية! هي ليست تهيّؤات بل عوارض جسدية ناتجة عن اضطراب نفسي Psychosomatic، يشرح د. وائل سلامة (اختصاصي بالأمراض العقلية والنفسية وأستاذ جامعي)، تكون في الكثير من الأحيان مشابهة لعوارض كورونا حتى لو لم يكن الشخص مصابًا بالفعل.

 

«لمين نقلت العدوى... ومين عداني!؟»

بعد الإصابة بفيروس كورونا:

٦٠ - ٧٠٪ من المصابين يشعرون بالذنب والقلق والخوف من أن يكونوا قد نقلوا العدوى لأشخاص آخرين خصوصًا من الكبار في السن أو الذين يعانون مشكلات صحية، هذا الأمر يعود لحسّ المسؤولية الاجتماعية Social responsibility المرتفع لديهم.

٢٠ - ٣٠٪ يُصابون بما يُسمى «الهوس الإجرامي» ليعرفوا من أوصلهم إلى هذه الحالة. هؤلاء يركّز عليهم علم النفس بشكلٍ أساسي لأنّهم يفتقرون في معظم الأحيان للتصرفات المسؤولة، ويميلون إلى المخالفات والكذب وتبرير خرقهم لإجراءات فترة الحجر.