في رحاب التحدي

هل تجرؤ!؟
إعداد: ندين البلعة خيرالله

بعد طول انتظار أقر مجلس الوزراء الموافقة على تطويع تلامذة ضباط وتعيينهم في الأجهزة الأمنية، وبدأت الكلية الحربية تعدّ العدة لاستقبال الطلبات وإجراء الاختبارات اللازمة لاختيار نخبة من الشباب اللبناني، ترفد المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية الأخرى بدماءٍ جديدة.

ومن المتوقع أن تشهد الكلية الحربية نسبة إقبال جيدة، إذ طالما كان الدخول إليها حلمًا يراود الشباب، وهؤلاء كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن تفتح أبوابها لاستقبالهم. فما هي الميزات التي تجعل هذا الصرح التعليمي العريق خيارًا لشبابنا رغم الانكفاء عن الالتحاق بمؤسسات القطاع العام بسبب الأزمة الحالية؟

 

ينجذب الشباب اللبناني إلى خيار الالتحاق بالكلية الحربية، بعد نجاحهم في شهادة البكالوريا بمعدل علامات 12/20 كحدٍّ أدنى. وثمة بينهم من يبذل كل جهوده ليحقق هذا المعدل ويحظى بفرصة الترشح لاختبارات الدخول والمشاركة في هذه المنافسة الشريفة التي تتيح للجميع فرصًا متساوية، فالمتبارون يخضعون لمعيارٍ واحد موحد للقبول ألا وهو الأكثر كفاءة. وقد ذاع صيت الكلية الحربية كصرحٍ يتخرّج منه الخيرة من الشباب المزودين مستوى تعليميًا وثقافيًا متقدّمًا، فضلًا عن تمكّن في اللغات الأجنبية، وكل ذلك يجعلهم يُبدعون ويتميّزون حيثما حلّوا، وخصوصًا في الدورات الخارجية التي يتابعونها.

 

شهادتان عسكرية ومدنية

خلف جدران الكلية الحربية وداخل قاعاتها التعليمية وفي ملاعبها وساحاتها التدريبية، يتم التركيز على الجانبَين الجسدي والفكري للتلميذ الضابط خلال سنوات تدريبه.

على الصعيد الفكري والثقافي، تسعى قيادة الجيش إلى تحقيق مشروع مستقبلي واعد يشكّل حافزًا لكل شبابنا. فحاليًّا، يتابع التلامذة الضباط ثلاث سنوات من التدريب ويتخرّجون منها ضباطًا برتبة ملازم مع شهادة الإجازة الجامعية في العلوم العسكرية. بتاريخ 16 حزيران 2022، تمّ توقيع بروتوكول تعاون أكاديمي بين الجامعة اللبنانية وقيادة الجيش ينص على تمكين التلامذة الضباط في الكلية الحربية من الحصول على إجازة مدنية في أحد الاختصاصات الآتية: الجغرافيا السياسية، العلوم السياسية، المعلوماتية الإدارية، إضافة إلى اختصاصهم الأساسي الذي يؤهلهم الحصول على إجازة في العلوم العسكرية. على أمل أن يتم إنهاء التعليمات التطبيقية لهذا البروتوكول واعتماده في القريب العاجل.

لا يتوقف التعلّم وصقل المهارات خلال مسيرة الضابط العسكرية. فهو يختار الاختصاص الأقرب إلى قلبه (طيار، بحري، مشاة، مدفعية، مدرعات، هندسة، إشارة...) ويتابع تطوير نفسه ومعارفه من خلال الدورات التدريبية المستمرة في الداخل والخارج، فيصبح محترفًا في اختصاصه. فالعلم العسكري يبدأ من المقاتل الفردي ويصل إلى المستوى الاستراتيجي في قيادة الجيوش وخوض المعارك والحروب العسكرية، وبالتالي فإنّ عملية التعلّم والتطور في هذا المجال لا تتوقف أبدًا.

 

اكتشاف القدرات ورابط الأخوّة

من جهة أخرى، إضافةً إلى حياة المغامرة التي يختبرها الشباب في الكلية الحربية، يعمل المدربون على الموازنة بين الشقَّين الفكري والجسدي. تركّز الكلية الحربية على إرادة التلميذ وتجعله يكتشف أبعاد القدرات الكامنة في داخله والتي تتخطّى ما يعرفه عن نفسه. وبذلك يستكشف كل تلميذ قدراته الجسدية وينمّيها من خلال الإعداد الجسدي والتركيز على التمارين والنشاطات الرياضية التي تزيد من قدرته على تحمّل المشقات والصمود في الظروف الصعبة.

تشدّد الكلية الحربية على القيم الوطنية، وتخلق علاقة مميّزة بين الضابط ووطنه وشعبه. هذا الارتباط يعزّز انتماءه الوطني وحسّ المسؤولية، فينمّي لديه روح التضحية والالتزام والانضباط، وهي مبادئ وقيم لا يستطيع الجميع تقبّلها وتطبيقها في حياتهم... لذا فإنّ الكلية الحربية ليست للجميع، بل هي لمن يجرؤ فقط... فهل تجرؤ!؟