تربية وطفولة

هل تجعل الألعاب الحربية الطفل عدوانيًا؟
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

يحلم كثير من الأطفال بالألعاب الحربية. هل نجاريهم ونشتري لهم ما يريدونه من هذه الألعاب؟ أم نمنعهم عنها؟ وفي الحالتين ما هو تأثير تصرّفنا على أولادنا؟

 

تفجير الغضب
ليس لأنّه يلعب بشاحنة سيصبح طفلك سائقًا عندما يكبر، وكذلك الأمر، ليس لأنه يحب الألعاب الحربية سيصبح بالتالي محاربًا، فقد يتخلّص من العدوانية المكبوتة لديه بواسطة الألعاب الحربية. يعطيه السلاح قوة يستطيع من خلالها أن يقرّر مصير كل شيء، ويضع القانون الذي يريد. كما يمكنه أن يدافع عن نفسه، أو أن يهاجم أحدهم أو أن يقتل... وعندما يضغط على الزناد، أو يستخدم اللّيزر ضدّ خصمه، يشعر الطفل بقوة عظيمة، وبالقدرة على تحديد مصير من حوله.
طبعًا هذا كله يحدث في خيال الطفل، لكنه مع ذلك يشكل عاملًا إيجابيًا على صعيد تحقيق توازنه النفسي. فهو إذا أحسن تفجير الغضب والعنف الكامنين في داخله، سيتقبّل بسهولة لعب دور الطفل الهادئ المطيع والمهذب الذي يسمع ما يقال له.

 

الدلالة أهم من الأداة
يمنع بعض الأهل أولادهم من ممارسة أي لعبة عنيفة داخل المنزل، سواء اقتضت استخدام المسدسات والرشاشات البلاستيكية أو كانت من الألعاب الأكثر تطورًا. هنا لا بد من الإشارة إلى أنّ العدائية تخلق مع الأطفال وتنمو معهم، ويعتبر هذا الأمر خارجًا عن إرادتهم. وبالتالي لا يمكن للأهل أن يمنعوا أطفالهم من تصرّف معيّن أو من ممارسة لعبة معيّنة. فأحيانًا كثيرة يمثّل الولد دور مطلق النار مستخدمًا أصابعه على شكل مسدس، أو أنه يصنع مسدسًا من خشب، المهم هو الدلالة وليس الأداة، وإذا لجأ إلى ألعاب مماثلة، فذلك يعود إلى سببين أساسيين:
- أولًا: يحتاج الطفل إلى إخراج كل ما في داخله من طاقة.
- ثانيًا: يريد أن يتشبه ببطل أسطوري ما، فيستخدم أساليبه وأسلحته. فبواسطة ألعاب اللّيزر يمكنه أن يصبح بسهولة البطل الذي يريد، ويمارس مغامراته، ويسعى إلى النجاح والتألق. غالبًا ما يقلّد الأطفال الأبطال الخيّرين الذين يسعون إلى إحقاق الحق ودفع الظلم ومحاربة القتلة. هنا لا يكون الموضوع خطرًا، ولكن احترسي من أن يقلّد طفلك شخصية شريرة تعكس الكراهية والحقد وتسعى إلى إلحاق الأذى بالناس، فلا تدعيه ينجرّ إلى التماهي بهذه الشخصية. إشرحي له مفهوم الخير والشر لكي لا ينجرّ إلى الخرافات، بل اعملي على إعادته إلى أرض الواقع، الألعاب العنيفة قد تعزّز ثقة الطفل بنفسه، وتنمّي القيم لديه إذا أحسن الأهل التوجيه.
تقتصر الرسوم المتحركة التي يشاهدها الأطفال إجمالًا على الأبطال الأقوياء. لكن الأطفال لا يشاهدون فقط البرامج المخصصة لهم، كثيرًا ما يشاهدون صور الحروب وأنواعًا مختلفة من العنف، وهذا العنف ينعكس سلبًا عليهم بالتأكيد. مع ذلك، فالتلفزيون لا يتحمّل وحده مسؤولية تعلّق الأطفال بالألعاب الحربية. يتعلّق جميع أطفال العالم بهذه الألعاب حتى حيث لا يكون هناك تلفزيون. كان الطفل في السابق يخترع لعبته، وهي قد تكون حربية، أما أطفال اليوم فيبتاعون الألعاب المتطورة من المتاجر، خصوصًا وأنهم يتعرّفون إليها من خلال الحملات الإعلانية والبرامج الترويجية.

 

لاءات ضرورية
الحقيقة التي يواجهها الأهل اليوم هي معرفة قول: «لا»، «لا»: لا لمشاهدة التلفزيون لأوقات طويلة من دون مراقبة ما يشاهدون، ولا لشراء الكثير من الألعاب الحربية.
لا تحرميه متعة ألعاب الفيديو لأنه سيفعل ذلك خفيةً عنك، خصوصًا عند أحد أصدقائه. اختاري له الألعاب التي تناسب عمره وامنعيه من الألعاب التي لا تناسبه، ولو ألحّ في الحصول عليها. ومن المهم جدًا أن تشاركيه اللعب وتراقبي تفاعله مع ما يجري، وتناقشي اللعبة معه باستمرار. ذكّريه بأنّ ما يجري ليس حقيقة بل مجرد لعبة.
تخلق ألعاب الفيديو حالًا من الاندماج بين الطفل واللعبة، حتى يصبح جزءًا منها، ويشعر بالإثارة والتوتر، وكلما أدمن اللعب، كلما تسربت جرعة من العنف إلى داخله، ليعيش بالتالي في عالم العزلة والانفصال عن الواقع، فيزول إحساسه بالزمان والمكان، وتقلّ رغبته في تناول الطعام أو القيام بأشياء مفيدة. وقد يقوده الأمر إلى التقليد الأعمى للألعاب، فيشرع في تطبيق ما يلعبه، إذ يشعر أنه يتمكن منه، كالقيادة بسرعة جنونية مثلًا. لذا نناشد الأهل مراقبة هذه الألعاب، وتحديد الأوقات المخصصة لها. فلا تدعي طفلك يلعب أكثر من عشر دقائق يوميًا. وما من مشكلة إذا شاركته اللعب، فقد يستفيد وتستفيدين أنت من مشاركته في ما يحب.