دراسات وأبحاث

هل تعيد دول البريكس رسم ملامح النظام العالمي ؟
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

يعقد مؤتمر القمة الخامس لرؤساء دول مجموعة بريكس في مدينة ديربان (Durban) الساحلية في دولة جنوب أفريقيا ما بين الـ26 و27 من شهر آذار الجاري، وفي رأس جدول أعماله، بند إنشاء بنك جديد للتنمية البينية والدولية على غرار البنك الدولي المعروف، وهو ما اتفق على إنشائه في اجتماعها الأخير في نيودلهي العام 2012.


ما الهدف؟
 إن الهدف المعلن لإنشاء البنك هو استكمال الجهود الدولية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية الإقليمية، الرامية إلى دعم النمو والتنمية على المستوى العالمي، غير أن الهدف الخفي في رأي الكثرة من المراقبين، هو إنشاء مؤسسة دولية رديفة للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية (مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) لتكون وسيلة تنافس هذه المؤسسات وتعمل على تحرير العالم من تأثيراتها وقيودها. فهذه المؤسسات تسيطر عليها الولايات المتحدة بشكل أساسي، سواء في ما يتعلق بتحديد إداراتها أو سياساتها، أو بتوجيه عملية اتخاذ قراراتها، أو حتى منع توجيه مواردها في الاتجاهات التي لا تخدم السياسة الأميركية، على الرغم من أنها من حيث المسمى والطبيعة مؤسسات دولية، وهذا ما أدى في رأي كثير من المراقبين، إلى ضياع عقود من النمو على العالم الثالث.

 

ما هي البريكس؟
كلمة « بريكس» هي مختصر للحروف الأولى (باللغة الانكليزية) المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة (حوالى 40 مليون كلم2)، وعدد سكانها يقارب 3 مليارات نسمة أي أكثر من 40 % من سكان الأرض وتملك أكثر من خمس الناتج القومي العالمي. ومن المتوقع كما يرى بعض الإقتصاديين، أن تنافس اقتصادات هذه الدول بحلول العام 2050، اقتصاد أغنى الدول في العالم حاليًا، وذلك حسب دراسات مجموعة غولدمان ساكس البنكية العالمية، والتي كانت أول من استخدم هذا المصطلح العام 2001.
منتدى «بريكس» منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية في عضويته.
بدأ التفاوض لتشكيل مجموعة الـ«بريك» العام 2006.
وقد أضفى أول اجتماع لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (أيلول 2006) طابعًا رسميًا على التجمع الجديد.
عقد أول اجتماع قمة بين رؤساء الدول السابق ذكرها (البرازيل، روسيا، الهند، والصين) في مدينة ييكاتيرينبرغ، في روسيا في حزيران 2009 حيث تم الإعلان عن ضرورة تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. وقد شارك في قمة «برهص» بالعربية، أي «بريك»، رئيس الإتحاد الروسي «ديميتري مدفيديف» ورئيس جمهورية الصين الشعبية «هو جين تاو» ورئيس وزراء الهند «مانموهان سينغ» ورئيس البرازيل «لويس ايناسيو لولا دا سيلفا»، واتفقوا على مواصلة التنسيق في القضايا الاقتصادية العالمية الآنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.
انضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة في كانون الاول العام 2010، فأصبحت تسمى بريكس (BRICS) بدلا من بريك سابقًا.

 

دول البريكس والأمن القومي
 دعت الصين إلى تعزيز التعاون بين دول البريكس خلال الاجتماع الثالث لممثلي هذه الدول حول قضايا الأمن القومى (عقد في 10 كانون الثاني 2013 في العاصمة الهندية). وقال عضو مجلس الدولة الصيني البارز داي بينغ قوه في اللقاء، إن العالم يتعرض لتغييرات ضخمة وجوهرية، وإن الاقتصادات الصاعدة الجديدة والدول النامية ستصبح قوة ضخمة تسهم في تحول البنية الدولية والعلاقات الدولية وفي دفع نمو الاقتصاد العالمي الى الأمام.
واعتبر المسؤول الصيني «أن هذه الدول ستمارس تأثيرًا أوسع على تشكيل كيان عالمي متعدد الاقطاب واسباغ الطابع الديمقراطى على العلاقات الدولية، وكذلك على تغيير الخرائط السياسية والاقتصادية العالمية». ودعا إلى تعميق التعاون ذي الربح المتبادل، والتنسيق بشكل أفضل بين دول المجموعة في الشؤون الدولية والاقليمية، سعيًا إلى تحقيق العدالة الدولية وتعزيز السلام والتنمية وإقامة نموذج جديد للعلاقات بين الدول في عصر العولمة.
وكان صندوق النقد الدولي قد ذكر في آخر تقرير له حول توقعات الاقتصاد العالمي للعام 2012، انه من المتوقع ارتفاع الانتاج العالمي بنسبة 4.4 فى المائة، فيما تشهد الاقتصادات الناشئة والنامية نموًا أعلى بكثير يصل الى 6.5 فى المائة. وقال الصندوق إن دول البريكس، باعتبارها كبرى الاقتصادات الناشئة، ستواصل تفوقها على الدول الأخرى.
 

 

إلى أين تتجه أنظار المستثمرين؟
يرى بعض المحللين الإقتصاديين أنه ومع بوادر انتعاش عالمي ووفرة السيولة لدى البنوك المركزية، يصب المستثمرون تركيزهم العام 2013 على الصين وزميلتيها في مجموعة «بريكس» البرازيل وروسيا، وأيضًا اليابان وبعض دول البحر المتوسط.
ولكن يبدو أنه من الصعوبة بمكان الحصول على توافق في الآراء بشأن الدول التي ستتوجه إليها الاستثمارات المستقبلية.
وغالبًا ما تكون أبسط القواعد هي تجنّب الاستثمارات التي حققت أفضل النتائج العام السابق، والبحث عن أصول ذات أسعار منخفضة على أمل ارتفاعها وفق الدورة الاقتصادية. فبعد خمس سنوات من أزمات اقتصادية عالمية قاسية، لن يفكر مديرو الصناديق الغربيون الأكثر تحفظًا حتى في مجرد ترك بلادهم من دون بعض «الضمانات» الأساسية على الاقل، ناهيك من دخول أسواق واعدة جديدة.
وبالتالي فإن الاساس الذي يقوم عليه معظم توقعات 2013 هو افتراضات بعدم انهيار اليورو وتمكّن الولايات المتحدة من تجنب «هاوية مالية» وشيكة، وبتجاوز الاقتصاد الصيني مرحلة انخفاض النمو التي اصابته العامين الماضيين.
ومع أن مسوح «رويترز» لأسواق الأسهم العالمية تشير إلى انتعاش جديد لدول مجموعة بريكس، يعتقد جون بول سميث محلل أسهم الاقتصادات الناشئة في «دويتشه بنك» أن الصين ستواصل احباط المستثمرين بسبب أوجه القصور الهيكلية... وهو أمر شديد الوضوح بحيث لا يستطيع المستثمرون تجاهله، ولا يزال يقلل من فرصها ومن فرص البرازيل وروسيا في الإستثمار الجديد.
 
 

هموم دول البريكس
تعاني دول البريكس كغيرها من الدول مشاكل متعددة تؤثر على مسيرتها الإقتصادية ونموها المتوقع، فالأزمة الإقتصادية أثرت بشكل ملحوظ على مستويات نموها، كما أن بعض دولها لم يحقق ما كان متوقعًا من نمو اقتصادي العامين الماضيين، كذلك فهي لا تملك لغة مشتركة واحدة تسهل التخاطب والتعامل التجاري في ما بينها اولًا، ومع دول الخارج وأسواقه ثانيًا.
كذلك يعاني بعضها مشاكل أمنية داخلية ناتجة عن التعددية الإتنية والدينية في مجتمعاتها إلى اضطرابات موسمية تؤثر على النمو والإقتصاد وغيرهما من العوامل الضرورية في عمليات التطور وارتفاع الدخل القومي.
كما أن الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة لن تسلّم بسهولة موقعها المتقدم والمسيطر على النظام العالمي الاقتصادي السياسي والعسكري أو تتخلى عنه، وهذا ما شهدناه خلال العقدين الماضيين وما نشهده اليوم في مواسم «الربيع العربي» المزعوم وغير العربي. ولعل في ثنايا الأزمة السورية الحالية وتطوراتها وتداعياتها، كما في بعض دول آسيا الشرقية وافريقيا واميركا الجنوبية، ومواقف دول البريكس المناقضة وغير المنسجمة مع التوجهات الغربية والأميركية، ارهاصات محاولة بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يقوم على الإعتراف بدور هذه الدول ومشاركتها في رسم السياسات والتوجهات التي سيبنى عليها هذا النظام، وربما يقوم أيضًا على اعادة الإحترام للقانون الدولي واحترام ميثاق الأمم المتحدة واحترام الشعوب وحقوقها.

 

مرحلة انتقالية
يعيش النظام العالمي الحالي مرحلة انتقالية تتميز بالفوضى السياسية والإقتصادية، وتحاول دول البريكس إرساء قواعد نظام عالمي جديد بعيدًا من إيقاع اللاعبين التقليديين الذين أرسوا النظام السائد الذي كرس هيمنة القوى الغربية الكبرى التقليدية، وأدى الى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ولكن هل تستطيع مجموعة دول البريكس أن تغير في منظومة قيادة الاقتصاد العالمي الحالية وهيمنة سياساتها؟ قد تكمن الإجابة في متون بعض نظريات التطور التاريخية حول صعود الأمم وهبوطها، وحيث أن قيادة الاقتصاد العالمي ونظامه الدولي ينتزعهما من يمتلك أكبر قوة اقتصادية ذاتية عالميًا، وربما ما يحدث في عالم اليوم يشير إلى أن دول البريكس - إذا تكاملت في اقتصاداتها ووحدت اراداتها ومواقفها - تسير في طريقها إلى تحقيق ذلك.

 

 المراجع :
• www.prb.org/Articles/2012/brasil-russia-india-china.aspx
• arabic.people.com.cn/31659/
• Sources:
Population Reference Bureau; United Nations Population Division; International Labour Organization; National Statistical Offices; and Work Bank.