مدارس وتعليم

هل من حلول لأزمة الأقساط ورواتب المعلمين؟
إعداد: ريما سليم ضومط

عامٌ دراسي جديد يكاد يطل على لبنان، فيما مصير الأقساط المدرسية ورواتب المعلمين عن العام الحالي ما زال يتخبّط في دوامة تحديد المسؤوليات وإيجاد الحلول التي تُرضي جميع الأطراف المعنيين بمن فيهم أصحاب المدارس والمعلّمون ووزارة التربية ولجان الأهل.


أزمة الأقساط المدرسيّة التي بدأت إبان عملية التعلّم عن بُعد القسرية التي فرضها فيروس الكورونا، تشعّبت مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان. فمن جهة الأهالي، لم يسدّد قسمٌ كبيرٌ منهم القسط المدرسي، إما بسبب الأزمة المعيشية وعدم القدرة على التسديد، أو لقناعة البعض بضرورة إجراء حسوماتٍ على الأقساط طالما أنّ التلامذة لم يتعلّموا بشكلٍ طبيعي هذا العام.
المدارس بدورها أطلقت الصرخة مؤكدة أنّ ما سُدّد لها من القسط المدرسي لا يسمح لها بتسديد رواتب المعلمين والمستحقات المتوجبة عليها، وقد أعلن بعضها عن رغبته في الإقفال بسبب العجز عن الاستمرار في ظل ما آلت إليه الأمور.
في هذا الإطار، يعتبر الوزير السابق زياد بارود أنّ قرار مجلس الوزراء تخصيص ٣٥٠ مليار ليرة للمدارس الخاصة غير المجانية، خطوة جيدة.
بحسب رئيس اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة ريمون الفغالي، فهناك حوالى أربعين إلى خمسين مدرسة ممّن أبلغوا الأهالي أنّهم سيقفلون في العام القادم. وإذ توقّع ألّا يقل عدد التلامذة المنتقلين من المدارس الخاصة إلى المدارس العامة عن مئة ألف تلميذ في العام المقبل، بحسب معلومات وردته من وزارة التربية، تساءل ما إذا كانت تلك المدارس قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل، وما إذا كانت مؤهلة في الأساس للقيام بهذه المهمة.
على صعيد المعلمين، الوضع ليس أفضل حالًا على الإطلاق، فقلّة منهم نالت راتبًا كاملًا طوال فترة الحجر المنزلي، فالبعض حصل على نصف راتبٍ، فيما لم يتقاضَ حوالى ١٣ ألف منهم رواتبهم خلال الأشهر الأخيرة، وفق ما أكد المستشار القانوني لنقابة المعلمين في لبنان الوزير السابق المحامي زياد بارود، والأسوأ كان إبلاغ بعض المدارس عددًا من أساتذتها بالاستغناء عن خدماتهم.
من جهتها، لم توفّر وزارة التربية جهدًا لمعالجة الوضع، وهي قد شاركت في لقاءات ومشاورات بين ممثلين عن جميع الأطراف المعنيّة، تمّ بموجبها التوصّل إلى بعض الحلول الآنية، التي قد تخفف العبء عن الأهالي والمدارس في هذه المرحلة وتسهم في حل مشكلة رواتب المعلمين، لكنّها لا تؤمّن حلًا جذريًا للمشكلة.

 

خطوة جيدة
من بين الحلول التي أعلنها وزير التربية تخصيص الحكومة مبلغ ٣٥٠ مليار ليرة للمدارس الخاصة غير المجانية تُصرف لدفع رواتب المعلّمين وأجور العاملين. هذا القرار وصفه الوزير السابق المحامي زياد بارود بالخطوة الجيدة في اتجاه مساهمة مجلس الوزراء في تخفيف وقع الكارثة المالية على القطاع التربوي، رغم أنّها تحتاج إلى قانون في مجلس النواب لتأمين الاعتمادات المقترحة وإقرار آلية توزيعها. وقد رأى أنّ المعالجات المطروحة، وإن كانت ظرفية وآنية، لكنّها ضرورية، شرط إقرارها بالسرعة المطلوبة، لأنّ عقارب الساعة تسير بما لا يترك مجالًا للتأجيل والانتظار، موضحًا «أنّنا نتحدث هنا عن الآلاف من العائلات التي ستتضرر بصورة أكيدة وقاسية في حال لم يعالج موضوع الرواتب، إضافة إلى مسألة الصرف من الخدمة وإنهاء العقود الذي يطال أعدادًا غير مسبوقة».
عن مدى تجاوب الأطراف المعنية في مسألة رواتب المعلمين، أوضح المحامي بارود أنّه بالنسبة إلى البعض، «العين بصيرة واليد قصيرة»، وبالنسبة إلى البعض الآخر، المعالجات لا ترتقي إلى مستوى الخطر المحدق. وإذ أكّد أنّ الكل معني بالأمر لأنّ كل الأطراف يشكّلون أسرة تربوية واحدة لها المعاناة نفسها وإن من زوايا مختلفة، أشار إلى أنّ المجلس النيابي يواكب عبر لجنة التربية وهي مشكورة، فيما شكّل وزير التربية لجنة طوارئ وفتح أبواب الوزارة للحوار، موضحًا أنّ نقابة المعلّمين تقدّر صعوبة الأحوال، ولكنّها حريصة على حماية ما تبقّى من حقوقٍ لأفراد الهيئة التعليمية. أما المدارس، فمنها من يتعاطى بإيجابية وتفهّم واحتضان لأسرته التعليمية وللأهالي، مقدّرًا أوضاعهم الصعبة، ومنها من أقفل باب النقاش وربما أيضًا أبواب المدرسة. أما لجان الأهل، فعلاقتها مع المدرسةد لا المعلمين، لأنّ العلاقة التعاقدية هي بين هؤلاء والمدرسة، وليست مع الأهل.
وإذ أبدى تفهّمه بأنّ المعلمين والمعلمات جزء من مجتمع يعاني، تمامًا كما الأهل وإدارات المدارس، فقد شدّد على أنّ رواتبهم هي حد أدنى من الحقوق التي لا يجوز التفريط بها أو حجبها عنهم.

 

نقاط إيجابية
السيد ريمون الفغالي تحدّث عن نقاطٍ إيجابية في اللقاءات من بينها صدور القرار ٢٢٩ الذي طالب فيه وزير التربية المدارس الخاصة بإعادة النظر في موازنتها وحسم الوفر من أقساط الفصل الثالث، مشيرًا إلى أنّه نُفّذ في أكثر من ستين في المئة من المدارس باتفاقات مع لجان الأهل، وفيما لم يحقق بعضها حسومات تُذكر، فقد ارتفعت نسبة الحسم في مدارس أخرى إلى ٣٠ و٣٥ ٪ كحدٍ أقصى. وفسّر سبب هذا التفاوت بأنّ القانون ٥١٥ يقضي بتخصيص ٦٥ في المئة من القسط المدرسي كحدٍ أدنى لتسديد رواتب المعلمين، مقابل حدٍ أقصى منه ٣٥ في المئة للمصاريف التشغيلية، وبما أنّ نسبة المصاريف والمداخيل تختلف بين مدرسة وأخرى بحسب عدد الطلاب ورواتب المعلمين وغيرها من المعايير، فإنّه لا يجوز التعميم في مسألة الحسومات.
ومن بين النقاط التي تمّ الاتفاق عليها في اللقاءات، العمل على إصدار قانون يقضي بمساهمة الدولة في التعليم عن طريق البطاقة الطالبية، (مبلغ من المال يدفع من الدولة كمساهمة عن كل تلميذ في المدارس الخاصة غير المجانية). وقد أوضح الفغالي أنّ الدولة تجبي الضرائب من المواطنين، وبالتالي فمن واجبها دعمهم في مسألة الأقساط المدرسية، لا سيما وأنّ المدارس الرسمية ليست خيارًا في المرحلة الحالية، ولو أنّ الدولة استثمرت في مدارس القطاع العام لما وصلنا إلى هنا.
كذلك تم الاتفاق على أن تخفف الجهات الضامنة الأعباء عن المدارس كي تحقق الأخيرة وفرًا يُترجم كحسومات على الأقساط المدرسية.
وأكد الفغالي مواصلة الحوار بين لجان الأهالي والمدارس لما فيه خير الطرفين، موضحًا أنّ الظروف الحالية لا تسمح لنا بمحاسبة بعضنا وإنما يجب التعاون والتضامن بين جميع الأطراف، وعليه فإنّ كل جهة يجب أن تسهم بحسب قدرتها كي نتمكن من الصمود في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وإلّا سوف يتم إقفال المزيد من المدارس، وقد يحصل ما نخشاه ونحذر منه دائمًا ألا وهو الهجرة إلى الخارج طلبًا للعلم.

 

ما المطلوب؟
من جهتها أكّدت المستشارة القانونية لاتحاد هيئات لجان الأهل في المدارس الخاصة المحامية مايا جعارة أنّ المطلوب اليوم ورشة تشريعية لتحديث القوانين في القطاع التربوي عامة من ضمنها صياغة قانون موحّد جامع لنصوص القوانين المتعاقبة يزيل التعجيز الناجم عن الإحالات إلى قوانين سابقة. وأضافت أنّه آن الأوان لتعديل القانون ٥١٥/٩٦ المتعلّق بتنظيم الموازنات المدرسية بإعطاء صلاحيات أوسع وأشمل وأوضح للجان الأهل كي تستطيع ممارسة دورها بفعالية وراحة أكبر وكي تؤدي دورًا فاعلًا ومؤثرًّا في المعادلة وفي العلاقة مع إدارة المدرسة لما فيه خير الطرفين وخير التلاميذ.
وأشارت إلى أنّ الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد، تقضي بإيجاد حلول استثنائية تبدأ بالتقشّف المفروض في هذه المرحلة الدقيقة وتقليص النفقات وشدّ الأحزمة من قبل إدارات المدرسة لا سيّما في النفقات التشغيلية وغير الأساسية، لحين تخطّي الظروف الصعبة التي نعيشها، يُضاف إلى ذلك ضرورة السماح للجنة الأهل بالإطلاع مسبقًا على الأرقام التقديرية وأنّ قيام الدولة بمسؤولياتها حيال دعم أهالي الطلاب في المدارس الخاصة عبر البطاقة الطالبية، مشيرةً إلى أنّ القوانين والأنظمة اللبنانية قد أقرّت إلزامية التعليم في مرحلة التعليم الأساسي، بالإضافة إلى وجود تشريعٍ يلحظ مبدأ التعليم الإلزامي المجاني في المرحلة الابتدائية كحقٍ لكل لبناني في سِنّ الدراسة الابتدائية، وطالما أنّ هناك مبدأ قانوني مهمّ جدًا وهو مساواة الجميع أمام مبدأ الإنفاق، تصبح البطاقة الطالبية الحلّ الأمثل، فمن شأنها أن تخفّض كلفة التعليم عن كاهل الأهالي الذين يسهمون في تمويل الخزينة من خلال تأديتهم الضرائب والرسوم. وطالما أنّ كلفة التلميذ في المدارس الخاصة مرتفعة (يقدّر بحسب الدراسات بما بين ٦ إلى ٨ ملايين ليرة لبنانية) فالحلّ الذي نقترحه هو أن تقوم الدولة بتسديد ثلث هذا المبلغ (اي مليوني ليرة لبنانية) عن كلّ تلميذ في المدارس الخاصة غير المجانية عن الأهل كمنحة تعليم تخففّ عن كاهلهم جزءًا من عبء الأقساط.
ودَعَت جعارة جميع الأطراف إلى تحمّل مسؤولياتهم للحفاظ على سلامة القطاع التربوي، الذي وصفته بالاستثمار الأهم، مستشهدةً بقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «الاستثمار في التربية أغنى الاستثمارات، لأنّه يؤمّن ثروة ثابتة تتزايد سنويًا ولا تهزّها أزمات».

 

الأقساط بالليرة اللبنانية
أصدر وزير التربية طارق المجذوب التعميم الرقم ٢٣/م/٢٠٢٠ الموجّه إلى المسؤولين عن المدارس الخاصة والمتعلّق باستيفاء القسط المدرسي وشراء الكتب والمستلزمات المدرسية، استنادًا إلى قانون النقد والتسليف والقانون ٥١٥، وجاء فيه: «يحظّر على المدارس الخاصة كافة تحديد القسط المدرسي بغير الليرة اللبنانية، على أن يتم الالتزام بهذا الشأن وفق ما هو مدرج في الموازنة المدرسية، وكذلك عدم إلزام التلاميذ شراء الكتب واللوازم المدرسية من المدرسة أو منعهم من استخدام الكتب المستعملة التي ما زالت صالحة للاستعمال».