دراسات وأبحاث

هل من شياطين في التفاصيل
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

بين الاتفاق الإطاري والاتفاق النهائي

بعد مفاوضات ماراثونية ما بين إيران من جهة، ومجموعة الدول 5+1 من جهة ثانية في مدينة لوزان - سويسرا، توصّل المتفاوضون إلى رسم إطار أساس لحل أزمة الملف النووي الإيراني الذي استمر الجدل والصراع حوله لأكثر من عقد من الزمان. وقد تم الإعلان عن «معايير مفتاحية» أو أساسية لهذا «الاتّفاق الإطاري» (Framework Agreement) في 2 نيسان المنصرم، على أن تستكمل المفاوضات اعتبارًا من ثلث نيسان الأخير وتنتهي الصياغة النهائية لتفاصيل الاتّفاق في 30 حزيران القادم، فيوضع بالتالي موضع التنفيذ.
 

معايير الاتّفاق
في 2 نيسان المنصرم أصدر المكتب الصحفي للبيت الأبيض الأميركي عناوين نص معايير الاتّفاق الذي توصلت إليه الأطراف المتفاوضة، وهي:

• التخصيب:
وافقت ايران على ما يأتي:
- تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي لديها بنسبة الثلثين تقريبًا، والإبقاء على 6104 أجهزة فقط من أصل 19000 جهاز تملكها اليوم، على أن تكون من الجيل الأول (IR-1S).
- عدم تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 3.67% لمدة لا تقل عن 15 سنة قادمة.
- تخفيض مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب من 10 آلاف كلغ إلى 300 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% فقط لمدة الـ15 سنة القادمة.
- وضع كل الأجهزة الزائدة والبنى التحتية للتخصيب وتخزينها تحت مراقبة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (IAEA) وعدم استعمال هذا المخزون إلا لاستبدال الأجهزة والتجهيزات المسموح لها بالعمل.
- التعهّد بعدم بناء أي منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم خلال مدة 15 سنة قادمة.
- تمديد الجدول الزمني المتعلّق بحيازة إيران المواد الإنشطارية الكافية لإنتاج سلاح نووي واحد (والمقدّر من شهرين إلى 3 أشهر إلى سنة في الوقت الحاضر)، على أن تصبح هذه المدة 10 سنوات تحت سقف هذا الاتّفاق.

• المنشآت:
في ما يخصّ منشأتي تخصيب اليورانيوم في فوردو وناتانز، وافقت إيران على الآتي:
- وقف تخصيب اليورانيوم في منشأة «فوردو» لفترة 15 سنة على الأقل.
- تحويل منشأة فوردو إلى مركز للأبحاث النووية والفيزيائية والتكنولوجية للاستخدام السلمي.
- التعهّد بعدم القيام بأعمال البحوث والتطوير التي تتعلق بتخصيب اليورانيوم في فوردو لمدة 15 سنة على الأقل.
- إزالة ثلثي أجهزة الطرد المركزي والبنى التحتية في منشأة فوردو وعدم استعمال الباقي للتخصيب، على أن تخضع كل هذه الأجهزة لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- تخصيب اليورانيوم في منشأة «ناتانز» فقط وذلك باستخدام أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول (نموذج IR-1)، لمدة 10 سنوات ونزع أجهزة الطرد الأكثر تطورًا من المنشأة.
- نزع إيران 1000 جهاز طرد مركزي IR-2M تعمل حاليًا في ناتانز وتخزينها تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة 10 سنوات.
- عدم استعمال إيران أجهزتها المتطورة للطرد المركزي من النماذج: IR-2, IR-4 ,IR-5 ،IR-6 ,IR-8 لتخصيب اليورانيوم لمدة لا تقل عن 10 سنوات، ولكن يحق لها الاضطلاع بأعمال محدودة في البحث والتطوير على هذه الأجهزة (الأكثر تطورًا) وذلك وفق جدول ومعايير وافقت عليهما مجموعة الدول 5+1.
- تحديد أعمال التخصيب والبحوث والتطوير المرتبطة بالتخصيب لضمان التزام جدول زمني مدته سنة، على أن تلتزم إيران خلال 10 سنوات مخطط البحوث والتطوير الذي ستقدمه للوكالة الدولية للطاقة الذرية وبما يتفق مع معايير هذا الاتّفاق والإطار والبروتوكول الإضافي الملحق به.

• أعمال التفتيش والشفافية:
- سيكون للوكالة الدولية للطاقة الذرية محاور وصول منتظمة لمراقبة المرافق النووية الإيرانية جميعًا، ومن ضمنها منشأة التخصيب في ناتانز ومنشأتها السابقة للتخصيب في فوردو، بما في ذلك استخدام أحدث الوسائل التقنية في هذه المراقبة.
- سيكون للمفتشين محاور وصول إلى سلسلة الدعم والتموين التي تغذي البرنامج النووي الإيراني، وبموجب معايير الشفافية وآليات التفتيش الجديدة ستراقب عن كثب المواد و/أو المكونات لمنع التحول إلى برنامج سري.
- سيكون للمفتشين محاور وصول إلى مناجم اليورانيوم ومراقبة متتابعة ومستمرة لمطاحنه، حيث تنتج إيران «الكعكة الصفراء» وذلك لمدة 25 سنة.
- سيكون للمفتشين مراقبة مستمرة لإنتاج المحاور الدوارة لأجهزة الطرد المركزي و«أفرانها» ومنشآت التخزين لمدة 20 سنة. وستجمّد قاعدة تصنيع أجهزة الطرد المركزي وتكون تحت المراقبة المستمرة.
- إنّ أجهزة الطرد المركزي والبنى التحتية للتخصيب التي تنزع من منشأتي فوردو وناتانز ستوضع تحت المراقبة الدائمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- إنّ إنشاء جهاز مكرس للمراقبة والموافقة على شراء إيران المعدات التكنولوجية (المرتبطة بالمشروع النووي والتي قد يكون لها استخدام مزدوج) أو بيعها أو تحويلها سيكون من التدابير الإضافية لتأكيد الشفافية.
- تعهّدت إيران بالموافقة على تنفيذ بروتوكول الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يتيح للوكالة محاور وصول أكثر وأكبر، ومعلومات تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني بمرافقه المعلنة وغير المعلنة.
- ستكون إيران مطالبة بتأمين وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقيق في أي موقع فوق أراضيها يشتبه به أو يعتبر منشأة مخفية للتخصيب أو للتحويل أو لإنتاج أجهزة للطرد المركزي، أو لإنتاج الكعكة الصفراء.
- توافق إيران على تطبيق المدوّنة المعدلة 3.1 التي تتطلّب موافقة مسبقة لبناء منشآت نووية جديدة.
- ستطبق إيران مجموعة تعهّدات وتدابير تتعلق بالأبعاد العسكرية (PMD) لبرنامجها النووي، استجابةً للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

• المفاعلات وإعادة التشغيل:
- وافقت إيران على إعادة تصميم وبناء مفاعل بحوث للماء الثقيل في منشأة آراك مرتكزة على تصميم وافقت عليه مجموعة الدول 5+1، بحيث لا ينتج هذا المفاعل بلوتونيوم للاستخدام العسكري، وإنّما يدعم البحوث النووية السلمية وإنتاج النظائر المشعّة للاستخدام السلمي.
- إنّ قلب المفاعل الأصلي والذي كان سيسمح بإنتاج كمية كافية من البلوتونيوم كسلاح حربي، سيدمر أو ينقل من البلاد.
- ستقوم إيران بشحن الوقود المستنفذ للمفاعل طوال مدة حياة المفاعل إلى خارج البلاد.
- تتعهّد إيران نهائيًا بعدم تشغيل الوقود النووي المستنفذ للمفاعل أو إعادة البحوث وأعمال التطوير حوله.
- إنّ إيران لن تراكم كميات من الماء الثقيل أكثر من حاجتها لمفاعل آراك وستبيع الكميات التي تتبقى من هذا المـاء إلى السوق العالمي، وذلك لمدة 15 سنة.
- ان إيران لن تبني أي مفاعل آخر للماء الثقيل لمدة 15 سنة.

• في العقوبات:
- ستحظى إيران برفع العقوبات عنها إذا تمّ التأكّد من التزامها تعهّداتها.
- تعلّق العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، عندما تتأكّد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قد أنجزت كل الخطوات الأساسية المطلوبة والخاصة ببرنامجها النووي. وستعود هذه العقوبات إلى سابق عهدها في أي وقت تفشل فيه إيران في التزام تعهّداتها.
- تعلّق هندسة العقوبات الأميركية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني طوال مدة الاتّفاق وتعود في حال عدم إنجازه كاملًا.
- تعلّق قرارات الأمم المتحدة السابقة والمتعلقة بالملف النووي الإيراني بالتناسق مع التنفيذ وإنجاز إيران لتعهّداتها النووية الأساسية (التخصيب – فوردو – آراك – الأبعاد العسكرية – الشفافية).
- تبقى العقوبات الأميركية على إيران بالنسبة الى الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان والصواريخ البالستية قائمة.
 

مواقف من الاتّفاق
رحّب الرئيس الأميركي، باراك أوباما بالاتّفاق المبدئي وقال: «توصّلنا لاتّفاق تاريخي بما سيحول دون حصول طهران على سلاح نووي.. الاتّفاق المبدئي مع إيران يلبي أهدافنا الأساسية». وإذا أقدمت «إيران» على «الغش» فإنّ العالم سيعلم بذلك.
واعتبر وزير الطاقة الأميركي إرنست مونيز الذي شارك في محادثات لوزان، أن الاتّفاق قد سدّ كل الطرق أمام إيران للحصول على القنبلة النووية، ولكن الرئيس الأميركي صرح بعد ذلك بأسبوع أن إيران قد تصنع القنبلة بعد 13 سنة أو أكثر.
مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية لم يؤيد الاتّفاق ولم يعارضه، لكنّه طالب باتّفاق يكون في مصلحة الشعب الإيراني، وقال إنّ عدم الاتّفاق أفضل من اتّفاق سيّىء، مع ذلك أكّد دعمه للفريق المفاوض.
أما الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني فقد رحب بالاتّفاق واصفًا يوم إعلانه باليوم «الذي سيبقى في الذاكرة التاريخية للأمة الإيرانية»، وفي ما بعد طالب بإلغاء العقوبات المفروضة على إيران فور التوقيع عليه وليس تعليقها.
وزير الخارجية الإيراني ورئيس الوفد الإيراني المفاوض في لوزان الدكتور جواد ظريف قال بدوره: «إنّ الاتّفاق لا ينص على إغلاق أي من منشآتنا وسنحترم تحديد نشاطات التخصيب بموقع واحد».
وقالت الجامعة العربية في بيان لها إنها «تابعت عن كثب المفاوضات بين إيران ودول 5+1 حول برنامجها النووي، وهي تأمل في أن يكون الاتّفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه بداية لإزالة أي شكوك حول هذا البرنامج، وأن يراعي الاتّفاق النهائي مشاغل الدول العربية بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط».
الأكثر قلقًا من هذا الاتّفاق كان العدو الإسرائيلي الذي قال رئيس وزرائه: «إنه اتّفاق سيّىء يسمح لإيران بالتوجه نحو القنبلة النووية»، معلنًا أنّه سيسعى للحيلولة دون تطبيقه، ولكنه طالب أن يتضمن الاتّفاق «إقرارًا إيرانيًا بحق إسرائيل في الوجود ومراقبة إنتاجها الصاروخي».
 

خلاصة
 يعتبر هذا «المخطط الإطار للعمل» حول الملف النووي الإيراني استكمالاً «للاتّفاق المبدئي» الذي تم التوصل إليه في 24 تشرين الثاني من العام 2013 بين الأطراف نفسها، وضمن الجدول الزمني المتفق عليه في عملية التفاوض الطويلة والمستمرة في العلن طورًا وفي السرّ أطوارًا. وقد تقاطع في هذه العملية الكثير من العوامل والمداخلات السياسية والعسكرية في المنطقة والعالم، وهي كانت (ولا تزال) عملية قاسية من الكباش السياسي والدبلوماسي عكسته صراعات دموية ما زالت قائمة على مسارح العديد من الدول الإقليمية وقد تشكل خطرًا على الاتّفاق ذاته. لكن هذا الاتّفاق الإطاري بحد ذاته يشكل ربّما منظورًا جيوسياسيًا لتوازن جديد للقوى الدولية فوق المسرح الإقليمي والدولي. وقد يؤسس التفاهم حول هذا الملف نواة محورية لبلورة مدار فضائي من التفاهمات الجيوستراتيجية، وقاعدة مفتاحية لحلّ عدد من الأزمات في المنطقة، وذلك إذا صدقت النوايا وتواضعت الأنانيات الدولية.
كذلك أثبتت المفاوضات أنّ للدبلوماسية «الطويلة النفس» ولطريقة إدارتها أهميتهما وجدواهما في حلّ الأزمات المستعصية، وقد أظهرت الأطراف المشاركة فيها جدية كبيرة ومسؤولية متوازنة ورغبة وإرادة في التوصل إلى حلّ على الرغم من كثرة العوائق والصعوبات. ولكن الطريق الممتدة ما بين الإعلان عن إطار المعايير وبين التوقيع على الاتّفاق النهائي في نهاية حزيران القادم، ما تزال مزروعة بالكثير من الشك والشوك وبخاصة من قبل بعض القوى الدولية والإقليمية التي تعترض على أي اتّفاق مع إيران ترى فيه تهديدًا وخطرًا على مصالحها وتوجهاتها وأدوارها في الإقليم والعالم. وكما قال الرئيس الأميركي أوباما إنه «لا اتّفاق على شيء حتى الاتّفاق على كل شيء»(Nothing is agreed until everything is agreed) ولأنّ «الشيطان يكمن في التفاصيل» كما يقال، فإنّ بعض هذه الدول والقوى المتضررة قد تحاول تعطيل الوصول إلى الاتّفاق النهائي عبر وسائل وأساليب متعددة.
 

 المراجع:
-Voice of America - Parameters for a Joint Comprehensive Plan of Action
- www.state.gov
- Globalsecurity.org