اقتصاد ومال

هل نحن أمام فرصة إجراء إصلاحات حقيقية؟
إعداد: تريز منصور

تنظر الدول النامية بجدية إلى التصنيفات التي تصدرها الوكالات الدولية المختصة، لأنّ تقاريرها السيادية والائتمانية، تؤثّر على سمعة الدول في الخارج، وبالتالي على المساعدات الدولية التي يمكن أن تحصل عليها على شكل قروض أو منح، كما أنّها تُسهم في خلق استراتيجيات طويلة الأجل للديون في الأسواق المالية، وفي توفير الفرص المناسبة لحاجات المستثمرين وخياراتهم.

 

أسئلة كثيرة حول وكالات التصنيفات الدولية والمعايير المعتمدة في تقاريرها، حملتها مجلة «الجيش» إلى الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين، للوقوف على مضامينها وقراءة تأثيراتها على اقتصاد لبنان ومستقبله المالي. وهنا نص المقابلة:
 

• ما هي المعايير التي تعتمدها وكالات التصنيف الائتمانية حسب رأيكم؟
- تقوم وكالات التصنيف الدولية الثلاث الأبرز: «ستاندرد أند بورز»، «موديز» و«فيتش» بتقييم الأسواق وتقديم دراسات للمستثمرين، وبناء عليه يتخذ المستثمر القرار بالاستثمار أو عدمه. وبالتالي، فإنّ عملها مرتبط بالمستثمرين والشركات الخاصة والأفراد، وليس بتقييم الدول.
هناك معايير يستند إليها التصنيف الائتماني ومنها: الاستقرار المالي، العجز في الموازنة، النمو الاقتصادي، الخطط المالية، الترابط بين النقد والمال والاقتصاد، التطور ووجود بنى تحتية أساسية تُسهم في جذب المستثمرين وفي توفير الأمان الاجتماعي، إضافة إلى نسب الفوائد في المصارف.
فالعنصر الأساسي في عمل هذه الوكالات، مرتبط بتقييم سندات الديون والسندات المالية التي تُصدرها الدولة، خصوصًا وأنّها عامل جاذب لفئةٍ من المستثمرين، فهي شبيهة بالبورصة.
تحدّد جميع هذه العومل نتائج التصنيف، ومدى المساعدة في تطويره، خصوصًا إن كان هناك اقتصاد إنتاجي بإمكانه التخفيف من وطأته.
لقد تعوّدنا خلال تاريخ هذه الوكالات عند تقييم دول منطقة الشرق الأوسط، التطرّق إلى الواقع السياسي لهذه الدول، أكثر من الواقع الاقتصادي. ومن هنا، تُطرح علامات استفهام كثيرة حول دور هذه الوكالات في الأسواق، في ظل غياب الرقابة وعدم وجود تقييم واضح في معظم تقاريرها الصادرة حول الشؤون المالية والمصرفية.
والدليل على ذلك إصدارها تقريرًا إيجابيًا في العام ٢٠٠٨، حول المصارف الأميركية وجودة خدماتها العالية والمميزة، في حين حدثت الأزمة المالية العالمية Suprime بعد أقل من شهر، وضربت المصارف والبورصات العالمية، وأوّلها المصارف وشركات التأمين الأميركية.
ومن المعلوم أنّ الدول ذات الاكتفاء الذاتي كالصين وروسيا وأميركا وتركيا، لا تعوّل على التقارير الصادرة عن هذه الوكالات التي تستحوذ على اهتمام الدول النامية فقط، نظرًا لارتباط أسواقها ارتباطًا وثيقًا بالدولار، ولكونه اقتصادًا استهلاكيًا استيراديًا وليس اقتصادًا إنتاجيًا مصدّرًا.
 

ليست المرة الأولى
• يتأثر لبنان بالتصنيفات السيادية التي تصدرها وكالات التصنيف، ما هو تعليقكم، وهل هو قادر على تغيير التصنيف المنخفض المتوقّع صدوره بعد أشهر؟
- ترتبط العوامل الأساسية للتصنيف بالأسواق والعلاقات الخارجية. ودخول لبنان نادي الدول النفطية، من شأنه المساهمة في رفع قيمة التصنيف.
وهذه ليست المرة الأولى التي يصنّف فيها لبنان بدرجاتٍ متدنية مثل -B أو CCC، نتيجة الفساد المستشري فيه، والذي يُعد من العوامل المؤثّرة جدًا في التصنيف. فالخيارات المالية والاقتصادية المتّبعة أوصلتنا إلى النتائج الآتي ذكرها:
- اقتصاد ريعي واستهلاكي على حساب الإنتاج.
- اقتصاد مُرتهن بشكلٍ أساسي إلى مؤسـسات التصنيف، وسـوق مدولر، إذ إنّ نسبة الاستيراد فيه تصل إلى ٢٠ مليـار دولار سنويًا، بينما لا تتخطى نسبة التصدير الـ٣.٥ مليارات دولار سنويًا. ممّا يعني أنّ لبنــان يحتــاج إلى ١٦.٥ مليـارًا من العـمـلات الأجنبـيـة لتأميـن احتياجـات أسواقـه الداخليـة.
- بلوغ قيمة الدين العام الداخلي والخارجي مستويات عالية (٩٠.٥ مليار دولار)، وبذلك بات يشكّل ١٥١٪ من الناتج المحلي.
- نسبة نمو صفر ٪.
- ارتفاع في نسبة البطالة وبلوغها الـ٣٥٪، في حين يتخرّج سنويًا نحو ٣٠ ألف طالب جامعي، لا تتوافر أمامهم سوى ٥٠٠٠ فرصة عمل.
- تضخّم كبير في القطاع العام.
- عجز كبير في ملف الكهرباء يبلغ نحو ٢.١ مليار دولار، مقابل عجز تراكمي تخطّى الـ٣٠٠ مليار دولار خلال ٣٠ سنة.
- غياب التخطيط والرؤية السليمة والبنّاءة.
 

لماذا الآن؟
وأضاف ناصر الدين: منذ العام ٢٠٠٤ ولغاية العام ٢٠١٦، لم يكن هناك من موازنات مالية في لبنان، فاعتمدت الحكومة طوال تلك الفترة على الخطة الإثني عشرية في عملية الصرف. وعلى الرغم من ذلك، لم تصدر مؤسـسات التصنيف تقارير سلبية عن لبنان، علمًا أنّ الموازنة تؤدي الدور الرئيس في معايير التصنيف. ويدل هذا الأمر على أنّ السياسة هي التي تتحكّم بتقارير التصنيف السيادية والائتمانية. وبالتالي، على لبنان بناء اقتصاده على أسسٍ سليمة، خدمة لبقائه ولمصلحة شعبه، وليس خدمة لمؤسسات التصنيف الائتماني.
ومن ناحية أخرى، شهِدت الأسواق المالية اللبنانية فترة ذهبية بعد حرب تموز ٢٠٠٦ وخلال العام ٢٠٠٧، إذ وصلت نسبة النمو في الناتج المحلي إلى ٦٪، ولم ترفع هذه المؤسسات تصنيف لبنان إلى A مثلًا، وهذا يؤكد وجود قرار بشأن لبنان: «لا انهيار ولا ازدهار».
 

• كيف ترى الفرصة أمام لبنان للخروج من النفق الاقتصادي المظلم؟
- لبنان اليوم أمام فرصة كبيرة لإجراء الإصلاحات الحقيقية في موازنة العام ٢٠٢٠، وتحويل الإنفاق إلى استثمار، وذلك من خلال إشراك الجيش اللبناني بشكلٍ أساسي فيها، خصوصًا وأنّه يحوز ثقة الشعب اللبناني.
 

هل يُسند ملف الكهرباء إلى الجيش؟
في ما خص ملف الكهرباء، يمكن إسناد مهمة الإشراف على بناء المصانع ومراكز التوزيع والتحويل والاستقبال للجيش اللبناني، وسحب هذا الملف من يد الطبقة السياسية التي استنفدت المالية العامة من جراء الصفقات المالية الضخمة التي جرت، وغياب أعضاء مجلس إدارة وهيئة ناظمة بسبب الخلافات السياسية. وفي حال تسلّم الجيش هذا الملف، نكون قد وفّرنا على خزانة الدولة مليارَي دولار سنويًا.
والتجربة المصرية في هذا المجال مشجّعة، إذ أشرف الجيش المصري على خطة الكهرباء التي نفّذتها شركة Siemens، وبالنتيجة باتت الكهرباء متوافرة في مصر ٢٤/٧.
 

خطوات عملية
وأضاف ناصر الدين: ثمة إصلاحات يمكن أن تلجأ إليها الحكومة لإنقاذ الوضعيَن المالي والاقتصادي، وأبرزها:
- تطبيق القانون القاضي باستيراد النفط من دولة إلى دولة، إذ يمكن توفير نحو ٦٠٠ مليون دولار.
- اتخاذ قرار بشراء الفيول بسنداتٍ بالليرة اللبنانية مؤجلة لمدة ١٨ شهرًا، وهي مدّة كافية لبناء مصانع إنتاج، وإحداث صدمة إيجابية في الأسواق.
- اتخاذ قرار سياسي واضح في قضية ضبط الحدود الجمركية، بحيث تغذي مداخيلها خزانة الدولة.
- استعادة الدولة لعائداتها الناتجة عن الأملاك البحرية.
- ضرورة إدخال النفط ضمن البنيان الاقتصادي اللبناني.
- إعادة النظر بالحلول الاقتصادية واعتماد المجدي منها وليس الضرائب. وهذه الخطوة مهمة لإزالة الانكماش من الأسواق، وعدم هروب المستثمرين، وزيادة في نمو الإيرادات الضرائبية، والحد من البطالة...
وختم بالقول، إنّ العوامل السياسية هي التي تمنع بشكلٍ رئيس استعادة الدولة لإيراداتها وإيقاف المحاصصات والتقاسم الداخلي.
 

وكالات التصنيف
توجد في العالم عدة وكالات للتصنيف الائتماني يتجاوز عددها الـ١٥٠ شركة، من بينها ثلاث وكالات أميركية بارزة تعوّل على تقاريرها معظم الدول وكبار المستثمرين، ويمكن ترتيبها تفاضليًا على النحو الآتي: موديز Moody’s، ستاندرد آند بورز Standard & Poor’s وفيتش Fitch.
وتشكّل تصنيفات هذه الوكالات الثلاث المتعلقة بإصدارات الديون (سواء كانت للدول أو الشركات) نسبة ٩٥٪ من تصنيفاتها، وتسيطر موديز وستاندرد آند بورز على نحو ٨٠٪ منها.
ثمّة نوعان من التصنيفات:
١- تصنيفات سيادية تُمنح للدول والحكومات.
٢- تصنيفات تُمنح للشركات بمختلف قطاعاتها، وفي مقدمتها مؤسسات التمويل، البنوك، وشركات الاستثمار.
تتوزّع التصنيفات الائتمانية لدى الوكالات الثلاث وفق حروف ورموز، تنطلق من A لتصل إلى D، وهي تنسحب على الدول والشركات.
 

معايير تحديد التصنيفات الائتمانية
تعتمد وكالات التنصنيف الائتماني عدة معايير أساسية عند إصدار تقييمها، مع العلم أن المعايير التي تُعتمد للتصنيف الائتماني السيادي للدول، تختلف عن تلك المستخدمة للتصنيف الائتماني للشركات.
أبرز معايير التصنيف الائتماني السيادي للدول هي كالآتي: المالية العامة للدولة وتشتمل على الموازنة، نمو الناتج المحلي، وضع الديون الخارجية للدولة، معدل التضخم، ميزان المدفوعات، التنمية الاقتصادية والتشريعات والقوانين وبيئة الأعمال، نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وتاريخ الدول في التزامها سداد ديونها والجهاز المصرفي، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات السياسية والاستقرار الأمني والاجتماعي في الدولة، قبل النظر إلى وضعها الاقتصادي.
أما أبرز معايير التصنيف الائتماني للشركات فهي: الملاءة المالية للمؤسسة، وفاء ديونها السابقة، استجابة الشركة أو المؤسسة للمعايير الدولية، تحقيقها لأداء تشغيلي يضمن حقوق الدائنين والمساهمين، عدم وجود عجز في ميزانيتها العمومية.