قضايا عسكرية

هل نشهد ما يشبه الحرب الباردة بين الروس والأميركيين عبر حاملات طائراتهم؟
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر

تُعتبر حاملة الطائرات القطعة الحربية الأولى في سلاح البحرية والأكثر تعبيرًا عن القدرات الاستراتيجية للدول، وهي تقدّم للجيوش التي تملكها الإمكانات والقدرات المطلوبة لأيّ اشتباك خارج حدودها، مهما كان بعيدًا وراء البحار والمحيطات. كما أنّها تؤمّن في الوقت نفسه بديلًا كاملًا لقاعدة بحرية وجوية، ثابتة أو متحركة، وهذا العنصر يعتبر الأساس والرئيس في دعم ومساندة مناورة القتال الواسعة في حروب اليوم المتطورة.

 

يأخذ الصراع اليوم بين الأطراف والقوى الكبرى أوجهًا مختلفة، أهمها السباق على السيطرة والتوسع والانتشار ما وراء الحدود وخلف المحيطات، من هنا أهمية حاملات الطائرات بما تقدّمه من إمكانات في هذا المجال، فهي بالإضافة إلى قدرتها على نقل مئات القاذفات والمروحيات مع طواقمها، وعلى إدارة معركتها بكامل ما تحتاجه من خدمات لوجستية وتجهيزات وذخائر وعتاد صيانة، تشكّل بما تقدمه من قوّة نارية متحركة الورقة الرابحة لأيّ جيش في حسم المعركة.
سنحاول الإضاءة أولًا وبشكلٍ مختصر، على ميزات وقدرات أكثر حاملتَي طائرات نشاطًا حول العالم، وهي الأميركية «يو أس أس جورج بوش» والروسية «أميرال كوزنيتسوف»، لنتطرّق بعدها إلى بعض المهمات الحساسة التي تنفذها كلٌ منهما.

 

يو أس أس جورج بوش
تعتبر حاملة الطائرات الأميركية «يو أس أس جورج بوش» أكبر قطعة حربية بحرية في العالم، سُميت باسم المنتقم، نسبةً للاسم السرّي للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، والذي اشترك في الحرب العالمية الثانية كطيارٍ في البحرية الأميركية. دخلت الخدمة ضمن القوّات البحرية الأميركية في العام 2009، وبلغت كلفتها 6.2 مليار دولار. طولها 333 مترًا، مع مدرج للطائرات بطول 200 متر، تحمل على متنها 80 طائرة بين قاذفة ومقاتلة من نماذج مختلفة: «أف 15» – و»أف 16» – وأف 35» بالإضافة إلى عدد من طوافات القتال المختلفة الأنواع ومنها: طوافات «أف18» - «في22» - و»سي أتش53».
وتحمل «يو أس أس جورج بوش» على متنها 5700 بحار وجندي، وتعمل من خلال مفاعلَين نوويَين، إضافة إلى أسلحة متعددة لحمايتها.
كانت مهمتها الأولى في أيار من العام 2011، إذ شاركت في التدريبات السنوية التي تنفّذها البحرية الأميركية والملكية البريطانية. وفي آب من العام 2011 أرسلت إلى بحر العرب بمواجهة مضيق هرمز والمداخل الغربية للمحيط الهندي، في مهمة مشتركة مع الأسطولَين الأميركيَين الخامس والسادس، وبعد 7 أشهر التحقت بميناء تمركزها الرئيس في قاعدة نورفولك البحرية في ولاية فيرجينيا.
شاركت في العام 2014 في الحرب الأفغانية، وأصبحت منذ شباط 2017 قاعدة انطلاق للمهمّات الجوية ضمن عمليات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بين العراق وسوريا.

 

الأميرال كوزنيتسوف
«أميرال كوزنيتسوف»حاملة طائرات روسية، سُمّيت في البداية «بريغاد»، ثم حملت لاحقًا اسم الرئيس السوفياتي السابق ليونيد بريجنيف، قبل أن تُعطَى مرة أخرى اسم «تبليسي»، واستقر الأمر في نهاية المطاف على اسم نيكولاي كوزنيتسوف قائد البحرية السوفياتي السابق.
بدأ بناء الحاملة في شباط 1983، وأبحرت للمرة الأولى في العام 1985. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي أعلنت السلطات الأوكرانية أنّ «كوزنيتسوف» التي كانت تتمركز أساسًا في ميناء سيفاستوبول الأوكراني هي تحت تصرّفها، ولكنّ قائدها قرّر الإبحار تسللًا نحو المياه الإقليمية الروسية، ووصل إلى ميناء فيديايفو في مقاطعة مورمانسك حيث قاعدة الأسطول الشمالي.
طولها 300 متر، ويصل عرضها في الوسط إلى 73 مترًا، بإمكانها استيعاب 1960 شخصًا، بينهم 626 من قادة الطائرات والمروحيات المقاتلة.
تصل مساحة سطحها إلى 14700 متر مربع، بينما تبلغ حمولتها القصوى نحو67500 طن. وقد صُمّمت لتحمل ترسانة جوية وصاروخية ضخمة، من طائرات «سوخوي27 و33» إلى جانب «ميغ 29»، وطائرات تدريب ومروحيات قتالية، ومنظومة دفاع جوي وصواريخ. وهي قادرة على حمل أكثر من خمسين طائرة، ومزوّدة صواريخ مجنّحة مضادة للسفن من نوع «غرانيت»، وصواريخ «كلينوك» المضادة للأهداف الجوية، وأنظمة «كاشتان» الصاروخية المدفعية، إضافة إلى منظومات دفاعية متكاملة مضادة للغواصات.
في 14 تشرين الثاني 2016، وصلت «أميرال كوزنيتسوف» إلى السواحل السورية في إطار تعزيز القوّات العسكرية الروسية التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري، وقد وصلت إلى المتوسط معزّزة بكامل مجموعة السفن الملحقة بها، علمًا أنّها تتمركز عادة في سيفيرومورسك في بحر بارنتس.

 

في المواجهة الباردة بين الحاملتين
تُعدّ روسيا والولايات المتحدة الأميركية من الدول الأقوى والأكثر تنافسًا في البحار والمحيطات، وطموحًا ونشاطًا للتوسع والسيطرة وفرض النفوذ خارج حدودهما، فنشاطات كلّ منهما العسكرية والاستراتيجية، والمنفّذة عبر حاملات الطائرات بالدرجة الاولى، تتداخل وتظهر في أحيان كثيرة على شكل اشتباك غير مباشر أو مواجهة باردة، لا ينقصها إلّا إطلاق العنان للقدرات الصاروخية والجوية.
هذه المواجهة الباردة أو الاشتباك غير المباشر بين الحاملتين الروسية والأميركية يظهر في نقطتين، الأولى تتمثّل في الصراع البارد، والثانية تتمثّل في الصراع غير المباشر الدائر حاليًا في الشرق الأوسط.
في الصراع البارد القديم الجديد بين حلف الناتو وروسيا اليوم أو الاتحاد السوفياتي سابقًا، تجلّت مهمّات الحاملتين في إطار هذا الصراع بمعظمها في الانتشار المتقارب دائمًا في بحرَي الشمال والبلطيق، على تخوم خطوط المواجهة بين الحلف المذكور وروسيا، قبالة قاعدة سان بطرسبرغ الروسية ومقاطعة كالينينغراد الروسية التوجّه من جهة، وسواحل النروج والسويد وأستونيا ولاتفيا التابعة لحلف الناتو من جهة أخرى.
أمّا الصراع غير المباشر فيجري حاليًا في الشرق الأوسط وخصوصًا شرق المتوسط في سوريا، حيث تنفّذ كل من الحاملتين مهمّات عسكرية خالصة، كقواعد إطلاق قاذفات ومروحيات لتغطية المعارك في الحرب السورية. تتمركز «أميرال كوزنيتسوف» قبالة السواحل السورية في إطار تعزيز الوحدات الروسية ودعم الجيش العربي السوري، وهي تنفّذ منذ العام 2015 ضربات جوية داخل الميدان السوري، بينما تؤدي حاملة الطائرات الأميركية « يو أس أس جورج بوش « ومنذ شباط 2017 دور قاعدة انطلاق للمهمّات الجوية ضمن عمليات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب (داعش) بين العراق وسوريا. وقد شاركت حسب تقرير نشره موقع «ديلي بيست» الإخباري الأميركي في أيار 2017، في إدارة عملية قصف مطار الشعيرات السوري، في الوقت الذي كانت فيه «أميرال كوزنيتسوف» الروسية تساند بمعطياتها الاستعلامية في الرصد والمراقبة الجيش العربي السوري وتدعمه في معركته بمواجهة القاذفات الأميركية.