رحلة في الإنسان

هل يبقى سحر الحب بعد الزواج؟ الإختصاصيون يقولون: نعم... وإنما بشروط
إعداد: غريس فرح

العلاقات الحميمة وفي مقدّمها الزواج، هي من أهم ينابيع الإكتفاء في حياتنا اليومية. وعلى الرغم من أن معظم الأزواج يرغبون في إنجاح هذه العلاقة، إلاّ أن بعضهم يبقي عليها بفعل الإلتزام، أو يصل لاحقًا إلى مرحلة الطلاق. مع ذلك ينجح البعض في المحافظة على علاقة زوجية سعيدة. ما سر هؤلاء يا ترى؟


مفاتيح السرّ
تحمل الدراسات الأخيرة بعضًا من مفاتيح هذا السّر المنبثقة من علم النفس الإيجابي. هذا العلم الذي تأسس العام 1998 في جامعة بنسلفانيا الأميركية، وتضمّن أبحاثًا متعلقة بالمشاعر الإيجابية، والقوى البشرية، والقيم العليا.
فخلال السنوات الأخيرة الماضية، إكتشف الباحثون أن الأزواج الذين يشدّدون على نواحي الحياة الإيجابية هم أكثر سعادة من الذين يتضامنون فقط في أثناء المصاعب، ويمرّون باللحظات السعيدة مرور الكرام، وكأنها تحصيل حاصل.
إلى ذلك، تثبت أن كلًا من الأزواج السعداء يتمتع بمفرده بنسبة أكبر من المشاعر الإيجابية مقارنة بسواهم. كما عرف أن بعض التقنيات التي نأتي على ذكرها لاحقًا، تعزّز هذه النسبة وتقوي العلاقة ما بين الزوجين.

 

لنفسح المجال أمام الحياة الحلوة
إن كيفية تجاوب الأزواج الرومانسيين مع مشاكل بعضهم البعض وطريقة معالجتهم المشاعر السلبية كالغضب والغيرة وسواها، هما اللذان يؤمنان نجاح الزواج أو فشله.
على هذا الأساس، ونتيجة إجراء تجارب على مجموعات من المتزوّجين، ثبت أن إيمان كل شريك بشريكه بشكل مطلق هو مفتاح السر الأكبر للسعادة الزوجية. وهذا يعني أن على كل من الشريكين الإيمان بأن الآخر سيقف إلى جانبه في اللحظات الصعبة مهما كانت النتائج. إلى ذلك، تمّ التشديد على ما سبق وذكرناه من أن التركيز على الاحتفال باللحظات الحلوة يقوي الروابط الزوجية اكثر من التضامن في مستنقعات الهموم.
فالفرح يحيي الرومانسية التي يقضي عليها الدوران الدائم في فلك الهموم والمشاكل.
صحيح أن الزواج لا يخلو من المكّدرات التي من الواجب معالجتها بتأنٍ وروية، لكن السّر هو بالتفتيش عن لحظات إيجابية قد تكون غير منظورة أحيانًا، ومنحها حجمًا يليق بما تقدّمه للزواج من منافع.
من أجل دعم هذه النظرية نشر الباحثون أحاديث سجّلت لأزواج في المختبر خلال مناقشتهم الأمور السلبية والإيجابية، إضافة إلى ردّة فعل كل منهم ومدى تفهمه للآخر.
وكانت النتيجة أن الأزواج بشكل عام يفضّلون ردّات الفعل الداعمة المواقف المرحة، اكثر من تلك المتجاوبة معها بفتور، أو حتى المواقف المتعاطفة خلال الأوضاع السيئة.
ويجدر بالإشارة هنا أن الأمور الإيجابية تحدث بنسبة ثلاث مرّات اكثر من الأمور السلبية، الأمر الذي يعطي الشركاء الفرصة لقطف ثمارها من أجل زواج أكثر سعادة.

 

قوّة المشاعر الإيجابية
من أهم منافع التجاوب مع الأنباء السعيدة، تعزيز المشاعر الإيجابية. وكانت الدراسات التي أجريت خلال العقد الماضي قد أظهرت أن المشاعر الإيجابية توسّع أفق التفكير وتعزّز العلاقات مع الغير. إلى ذلك فهي تمكّن من رؤية الصورة بوضوح وتجنّب الوقوع في فخّ تفاهة التفاصيل المغلقة. واللاّفت هنا أن وضوح الرؤية يؤمن الحلول للمشاكل العالقة ويحسّن من طريقة تعامل الفرد مع المؤشرات السلبية.
فعندما تتفوّق المشاعر الإيجابية لدى الفرد على السلبية منها، تحوّله إلى إنسان مقرّب ومحبوب، لا لشيء، إلاّ لأنه يتغاضى عن الهموم بعد معالجتها بطريقة بناءة، ويشعر بالإمتنان حيال أي ومضة بريق قد تطل على حياته، وخصوصًا من قبل شريكه. فالشعور بالإمتنان يشعر الشريك بالأهمية، ويزيد العلاقة متانة.

 

إظهار مشاعر الحب العقلاني
كما التعبير عن الشعور بالإمتنان، فإن إظهار مشاعر الحب العقلاني، الخالي من الوساوس والقلق والغيرة، يقوّي الروابط الزوجية ويطيل أمدها. فهذا النوع من الحب يحافظ على استقلالية كل من الشريكين في ظل النضج العاطفي، ما يساعد كلًا منهما في الاهتمام بهواياته وخصوصياته اكثر، بدلًا من تسخير مشاعره لتأجيج الارتباط الزائد عن حدّه. فالتصاق الزوجين بشكل خانق، يغذّي الأنانية ويقتل تناغم الحب.
وكانت الأبحاث قد أظهرت في هذا السياق، أن الحب المتناغم ينتج حسنات منها حسن التركيز انطلاقًا من النظرة الإيجابية الموطّدة للعلاقة الرومانسية.

 

كيف نرسّخ هذه العلاقة؟
من أجل ترسيخ هذه العلاقة ينصح الاختصاصيون باتباع خطوات تساعد على التجاوب مع مواقف الشريك البناءة، وهنا أهمها:
• فتّش عن مناسبات من أجل التعبير عن الاهتمامات المتبادلة والدعم المقرون بالحماسة.
• إسأل نفسك على الدوام، ما هو الخبر السعيد الذي فاجأني به شريكي هذا اليوم، وكيف يمكنني الاحتفال به؟
• أكّد للشريك أنك تهتم لسعادته واترك البحث في مخاوفك لوقت يكون ملائمًا.
• كن متفهمًا لسماع حديثه وشارك في تفاصيله.
• إنخرط في نشاطات تعزّز الروح الإيجابية، كالمشي والرياضة البدنية والمشاركة في الحفلات الإجتماعية مع الأصدقاء.
• عايش الذكريات السعيدة التي تعزّز الروح الإيجابية، وحاول نسيان السيئة منها.
• فتش عن مناسبات تعبّر من خلالها عن امتنانك لاهتمام الشريك، وابحث كل يوم عن وقت تشاركه خلاله مشاعرك الإيجابية.