- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
ترى الكاتبة الاميركية باربرا سالفين أن الأمر الذي يحول دون اعتبار اسرائيل دولة طبيعية، بالإضافة إلى امور عديدة اخرى، هو أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تملك أسلحة ابادة جماعية من كل الأنواع وغير مصرّح عنها. وتضيف أن هذه الدولة ستكون طبيعية فيما لو ابرمت اتفاقية سلام شامل مع خصومها تتنازل بموجبها عن معظم الاأراضي التي احتلتها العام 1967، وتتعهد بالكف عن توجيه ضربات عسكرية ساحقة إليهم بين حين وآخر، حتى من دون أن تواجه مخاطر أو تهديدات مكافئة لتلك الضربات، وتعترف صراحة بحيازتها اسلحة الإبادة الجماعية. وتخلص الكاتبة إلى الاستنتاج بأن اسرائيل ستحصد مقابل ذلك منافع لا تحصى على الرغم من استمرارها في مواجهة مخاطر جديدة. وتؤكد أنه من مصلحة اسرائيل والولايات المتحدة التي تحميها في الوقت عينه، أن يتحول هذا الكيان إلى دولة طبيعية لا تسيطر بعد الآن على اراض ليست لها وتسكنها غالبية عربية مضطهدة ولا تشن بين الحين والآخر هجمات على هؤلاء السكان يكون المدنيون الأبرياء منهم اول ضحاياها، هذا ناهيك عن أن اسرائيل لن تستطيع احراز الحسم العسكري النهائي على خصومها من خلال الإفراط في القتل ولن تستطيع الولايات المتحدة ايضًا توفير الغطاء لها ولجرائمها إلى الابد.
إن اسرائيل التي استغلت احداث المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية من اجل فرض كيانها كدولة ذات غالبية يهودية على الرغم من ارادة اصحاب الأرض والجيران، لطالما أصرّت ولا تزال تصرّ على امتلاك حرية التصرف العسكري والأمني المطلقة على نحو غير عادي وغير طبيعي تحت ذريعة حماية امنها وغالبيتها اليهودية، إلا أن الضغوط العسكرية والدبلوماسية المقابلة أدت إلى التخفيف نسبيًا من ميلها الغريزي نحو استخدام القوة الساحقة تحت شعارها المرفوع بعنوان «كي الوعي العربي».
المؤيدون للسياسات الاسرائيلية الهوجاء هذه في الشرق والغرب، ينفون عن اسرائيل تحمّل المسؤولية في عدم تحوّلها إلى دولة طبيعية ذات حدود واضحة مثبتة ضمن دستورها مثل سائر دول العالم في الأمم المتحدة، لا بل ينتقدون بقسوة ما يسمونه الحملة الدولية الجائرة لنزع الشرعية عنها من قبل يساريين اوروبيين مؤيدين للحقوق الفلسطينية، ويهود معادين للصهيونية، علمًا بأن هذه الحملة تقوم على تشبيه السياسات الإسرائيلية بسياسات جنوب افريقيا عندما كانت محكومة من قبل نظام التمييـز العنصــري، بل وحتــى بسياســات النازييــن في القـرن الماضي.
معهد رؤوت الاسرائيلي، رأى من جهته، في دراسة شاملة، على ضوء ما تقدم، أنه قد آن الاوان لكي تبدي اسرائيل التزامًا «اكثر اتساقًا وصدقية» بإنهاء احتلالها الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وبدمج جميع المواطنين العرب المقيمين داخلها، وهم اصحاب الأرض الأساسيين، بالمجتمع الاسرائيلي وعدم الاستمرار في معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثالثة او الرابعة، وإلا فإن مشاعر العداء ضدها ستتعاظم وتتفاقم في الغرب وخصوصًا غرب اوروبا. كما وسيتزايد ميل الولايات المتحدة، التي هي كبرى حلفائها الأساسيين، إلى اعتبارها عبئًا استراتيجيًا بدلًا من تصنيفها كثروة استراتيجية. إلا أن روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، يرى بأن أفعال اسرائيل ليست اسوأ من افعال الولايات المتحدة التي قتلت قواتها أو ساهمت في قتل عشرات الألوف من المدنيين الاأبرياء في كل من العراق وافغانستان، ناهيك عن قتل الملايين من السكان الأصليين من الهنود الحمر عند تأسيس الدولة في القارة الجديدة في القرن الثامن عشر. من هنا نستنتج بأنه لم يعد لأي مناخ دولي متعاطف مع اسرائيل أن يسمح لها بحرية التصرف كيفما تشاء خصوصًا مع استمرار تعنتها وقضمها المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية واستمرار محنة الفلسطينيين الذين لا مأوى لهم. وعلى هذا الأساس يقول الكاتب اوري نير في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: كان هناك وقت تسامح فيه المجتمع الدولي مع ممارسات اسرائيل الاستثنائية بسبب المحرقة النازية متصورًا انها تدافع عن وجودها، ثم جاء وقت في تسعينيات القرن الماضي ساد فيه اعتقاد بأنها جادة في التوصل إلى سلام، واليوم لم يعد لمثل هذه التصورات من وجود، وبات ينظر إلى الحكومات الاسرائيلية الراهنة بأنها لاتسعى مطلقًا للسلام وإنما تكافح من أجل تخليد الاحتلال المرفوض من معظم دول العالم، لاسيما اثر الحروب العدوانية المتعاقبة (لبنان 2006 وفلسطين 2009) وما صحبها من مجازر وجرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان كما ورد في تقرير القاضي اليهودي ريتشارد غولدستون، وإثر استخدام جوازات سفر مزورة صادرة عن دول اوروبية واجنبية لاغتيال مسؤول حماس محمود المبحوح في دبي، مما أدى إلى موجة سخط عارمة حملت كلًا من استراليا وايرلندا والمملكة المتحدة على طرد دبلوماسيين اسرائيليين من اراضيها، وكذلك القول بالنسبة للكومندوس الاسرائيلي الذي اعتدى على السفينة التركية في المياه الدولية خلال محاولة ايصال مساعدات انسانية للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، مما أدى إلى سقوط تسعة من الاتراك المتطوعين. يومها، تساءل انتوني كوردسمان الخبير والمستشار في شؤون الشرق الأوسط والمؤيد جدًا لاسرائيل: هل اضحت اسرائيل عبئًا استراتيجيًا على الولايات المتحدة؟ واضاف: «إن الوقت قد حان لكي تدرك اسرائيل بأن عليها واجبات تجاه الولايات المتحدة فضلًا عن واجبات الولايات المتحدة تجاه اسرائيل، وأنه ينبغي عليها أن تكون أكثر حذرًا في اختبارها مدى صبر الولايات المتحدة واستغلالها دعم اليهود الاميركيين... وان عليها اظهار ما يعكس حقيقة انها تمثل مصلحة استراتيجية اميركية استثنائية في عالم معقد ومليء بالتحديات».
يوسي آلفر الضابط السابق في الموساد الاسرائيلي والمدير السابق لمركز يافيه للدراسات الاستراتيجية، أفاد بأنه «يوجد مسؤولون عسكريون وامنيون كبار في الولايات المتحدة يرون بأن اسرائيل تجر الآن الولايات المتحدة إلى محاربة ايران، كما جرت الولايات المتحدة، في حينه المملكة المتحدة إلى محاربة العراق»، لكنّ هؤلاء المسؤولين يعتقدون بأن احتواء البرنامج النووي الايراني ممكن من دون الاضطرار إلى توجيه ضربة عسكرية مدمرة للجميع. هذه الشواهد جميعها تؤكد أن اسرائيل ليست ولا يمكن أن تكون دولة طبيعية لا اقليميًا ولا دوليًا، والشاهد الذي يؤكد ذلك ايضًا، أن العديد من السياسيين والضباط الاسرائيليين غالبًا ما يضطرون إلى الغاء رحلاتهم إلى اوروبا مخافة اعتقالهم في المطارات بسبب سجلاتهم الحافلة بارتكاب جرائم حرب، هذا ناهيك عن مقاطعة انشطة الاكاديميين والفنانين الاسرائيليين في العديد من دول العالم المتمدن. والشاهد الدائم على كون اسرائيل دولة غير طبيعية هو موقفها من برامجها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل، وفي هذا السياق يقول المحللون الاسرائيليون إنه إذا كانت اسرائيل تعتقد أنها تملك الحق في امتلاك مثل هذه الأسلحة، فيجب عليها أن تجد طريقة للإفصاح عن ذلك. وبعد انقضاء اكثر من خمسة وستين عامًا لا بد لها من أن تكون أقل قلقًا وأقل سلبية في المطالبة بحماية مصالحها المبالغ فيها، واكثر صراحة وصدقًا في تحمّل الواجبات التي تتحملها عادة الدول المتحضرة. ويؤكد هؤلاء أن السياسات الملتوية والملتبسة والمخادعة من شانها أن تطرح الشكوك الكبيرة في ما تدعيه من تبني نظام ديموقراطي وهي السبب الاساس في ما تعانيه من تعقيدات ازمة الهوية، حيث لاتتمتع بالشرعية على صعيد امتلاك حدود واضحة المعالم ومعترف بها دوليًا، وعلى الصعيد الداخلي لا يوجد لديها دستور، بالإضافة إلى مسائل اساسية غير معروفة ولا متفق عليها بشكل كامل وواضح، مثل تحديد من هو اليهودي؟ ومع ذلك فهي تصر على فرض الاعتراف بها كدولة يهودية عنصرية. وبينما تقول إنها تؤيد حلّ الدولتين، نجد أنها تؤيد المستوطنين المتطرفين وتشجعهم على بناء المزيد من المستوطنات في الاراضي الفلسطينية ولاسيما القدس، مما يوحي بأنها مستمرة في مشروعها التوراتي المزعوم الممتد من الفرات إلى النيل. ومن الواضح في هذا المجال أن العيب هنا لا يقتصر على الحكومات الاسرائيلية المتطرفة فقط، بل يطال وللأسف الإدارات الأميركية غير المنصفة التي غطت في معظم الأحيان التجاوزات الاسرائيلية الفاضحة للعدالة الدولية والقانون الدولي، وتسببت بالتالي بجمود المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وانتفاء الأسباب المبررة لاستمرارها.