قضايا عسكرية

هل ينسحب الأميركيون والروس من معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية؟
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر

انشغل العالم في الفترة الأخيرة بانسحاب الولايات المتحدة الأميركية، وبعدها مباشرة روسيا، من معاهدة الحدّ من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، وذلك عقب اتهامات متبادلة حول خرقها. وبمعزلٍ عن صحة اتهامات كل من الطرفين، إذ من غير المستبعد أن يكون الخرق من كليهما، يبدو أنّ الصراع البارد بينهما يتجه نحو ملف حساس، قد يكون أخطر من ملف القدرات الصاروخية والنووية، وهو ملف الأسلحة البيولوجية. في ما يلي إضاءة على الموضوع.

 

يُقصد بالأسلحة البيولوجية الاستخدام المتعمد للأحياء الدقيقة والنباتات والحيوانات المجهرية والسموم، لنشر الأوبئة والأمراض والموت بين البشر والمواشي والمحاصيل، عبر هجمات سريعة الانتشار على نطاق واسع. تتميز هذه الأسلحة بانخفاض كلفة إنتاجها، فضلًا عن صعوبة كشفها بالأنظمة الدفاعية الروتينية، وسهولة نقلها من مكان إلى آخر، وقد ازداد مؤخرًا الوعي العام لخطر استخدامها، وبخاصة لأغراض إرهابية.

 

معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية
هدفت هذه المعاهدة إلى منع تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتيرية (البيولوجية) والأسلحة السميّة وتدميرها، وكانت أول اتفاقية من نوعها متعددة الأطراف. وهي ثمرة جهود كبيرة للمجتمع الدولي في إطار عمله على إيجاد اتفاقية مكملة لبروتوكول جنيف للعام 1925، الذي منع استخدام الأسلحة البيولوجية لكنه لم يمنع تطويرها وحيازتها.
وُقِّعت معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية في العام 1972، ودخلت حيز التنفيذ في العام 1975. وتلتزمها حاليًا 165 دولة، لكن، لا يوجد نظام رسمي للتحقق من هذا الالتزام مما يحدّ من فاعليتها، وبعد العام 2011 انضمت إليها 12 دولة جديدة توقيعًا فقط ومن دون مصادقة.

 

الخطوط العامة للمعاهدة
تُختصر الخطوط العامة للمواد الأساسية من هذه المعاهدة بما يأتي:
المادة الأولى: عدم امتلاك الأسلحة البيولوجية، تحت أي ظرف.
المادة الثانية: يجب تدمير الأسلحة البيولوجية والمصادر المرتبطة بها، أو تحويلها للاستخدام السلمي.
المادة الثالثة: عدم نقل أو مساعدة أو تشجيع أو حث أي طرف لطرف آخر على امتلاك الأسلحة البيولوجية.
المادة الرابعة: اتخاذ الإجراءات اللازمة على النطاق الوطني لإنفاذ المعاهدة محليًا.
المادة الخامسة: إجراء استشارة ثنائية أو جماعية لحل أي مشكلة تتعلق بإنفاذ المعاهدة.
المادة السادسة: الطلب من مجلس الأمن التحقيق في أي خرق للمعاهدة والانصياع لقراراته التي تعاقب على هذا الخرق.
المادة السابعة: فعل كل ما سبق بطريقةٍ تشجع الاستخدام السلمي.

 

بعض الأسلحة البيولوجية المعروفة
ثمّة أمراض وفيروسات يتمّ العمل على تطويرها ونقلها ونشرها لتصبح في خانة الأسلحة البيولوجية، ومنها: الحمى البوليفية النزفية، التسمم السجفي، التيفوس الوبائي، الجمرة الخبيثة، حمى الصحراء، حمى الوادي المتصدع، الحمى الصفراء، حمى لاسا، داء توليري، داء البروسيلات، داء نيوكاسل، الطاعون، طاعون البقر، فرانك أولسن، فيروس أيبولا، فيروس رافن، متلازمة فيروس الهنتا الرئوية، إلخ...

 

هل تخالف الولايات المتحدة الأميركية المعاهدة؟
في نهاية العام المنصرم، نقلت فضائية «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية تقريرًا صادرًا عن وزارة الدفاع الروسية، وجهت فيه الأخيرة اتهامًا للبنتاغون، بإدارة مختبرات غير شرعية على الحدود مع روسيا، وفي جورجيا بالتحديد، تعمل تحت غطاء مؤسسات طبية وتقوم بإجراء تجاربها على المدنيين. هذه النتيجة توصّل إليها الخبراء العسكريون الروس بعد تحليل معلومات قدمها وزير أمن الدولة السابق في جورجيا بشأن مركز ريتشارد لوغار للرعاية الصحية الموجود في جورجيا. وفي السياق نفسه اتهمت وزارة الدفاع الروسية الولايات المتحدة الأميركية بانتهاك معاهدة الأسلحة البيولوجية وبالتحضير لشن هجمات بتلك الأسلحة على روسيا والصين، وذلك بالاستناد إلى معطيات استخبارية.
وثمّة اتهامات أخرى للولايات المتحدة الأميركية في الإطار نفسه، منها ما يتعلّق بوجود مختبرات تديرها شركات أميركية في بعض بلدان أفريقيا، تقوم بتجارب على أسلحة سرية.
من جهتها، نفت واشنطن الأمر لكنّها لم تسمح بدخول فرق من الأمم المتحدة إلى المختبرات المذكورة لإجراء التفتيشات اللازمة.
ويقول البروفسور الروسي أندريه مانويلو نائب عميد قسم العلوم السياسية بجامعة موسكو، إنّ هناك حديثًا عن وفاة العشرات في تلك المختبرات خلال التجارب، التي تجرى خارج الولايات المتحدة الأميركية، لأنها غير قانونية داخلها. وهو يضيف أنّ المختبرات الموجودة تنتج أسلحة خطيرة تستعمل في الاغتيالات السياسية السرية، وهذه المعلومات كشفها صحفيون أميركيون، وقد تمّ التأكد من وجود مختبرين في جورجيا من قبل موظفين جورجيين.
في مطلق الأحوال، لا يمكن تأكيد هذه الاتهامات الخطيرة التي نفتها واشنطن، وفي الوقت عينه لا يمكن تجاهلها. فثمّة معلومات أكيدة عن إصابات للخنازير في روسيا والصين بمرض الطاعون الأفريقي، وقد تمّت مقارنته ومطابقته مع الفيروس المماثل الموجود في جورجيا، والذي انتشر بعد تسربات من المختبرات التي يقول الأميركيون إنّها مخصصة لتجارب الأمراض السارية، بينما يقول الروس إنّ تجارب حول الأسلحة البيولوجية تُجرى فيها. وكانت روسيا قد دعت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية للكشف على تلك المختبرات، لكن الأميركيين رفضوا ذلك. وفي ظل هذا الرفض، ازدادت التساؤلات حول سبب إقامة مثل تلك المختبرات خارج الأراضي الأميركية وفي جورجيا بالتحديد، فهل هو قانوني؟ أم أنّه يعود إلى احتمال تسرب الفيروسات إلى خارج المختبرات مع ما يشكله ذلك من خطر على المواطنيين الأميركيين؟ أم أنّه استراتيجي- جغرافي يتعلق بكون أهداف الأسلحة التي يُعمل على تطويرها هي روسيا والصين القريبتان من جورجيا؟
هذه التساؤلات الحساسة، كما الاتهامات الروسية، تبقى موضع شك. فقد سبقتها اتهامات أميركية لروسيا بعمليات قرصنة إلكترونية واسعة في كندا والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى الاتهامات الأميركية الأخيرة حول خرق موسكو لمعاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وبالتالي لا يمكن إخراج الأمر برمّته من دائرة الحرب الباردة التي يبدو أنها تعود بين القطبين من جديد.
 
المراجع:
معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية.%/https://ar.wikipedia.org/wiki
فضائية روسيا اليوم عربي: واشنطن.. هل تحضّر أسلحة بيولوجية ضد روسيا؟
https://youtu.be/XWOlFi6J9xI
موقع سبوتنيك الروسي العربي – رصد عسكري.