هنا بدأت المعركة وهنا انتهت
إعداد: ندين البلعة

هناك على نقطة حاجز المحمّرة حيث بدأت المعركة باعتداء غادر شنيع ضد عسكريين للواء الخامس، يقف اليوم رفاق للشهداء، ومن هناك بدأنا جولتنا على مراكز اللواء الذي عاد كما قبل المعركة، اللواء الحامي لمنطقة الشمال.

 

غرف عمليات القطع المشاركة في المعركة كانت تواكب تقدّم المقاتلين وتنتقل معهم من موقع الى آخر، والضباط القادة كانوا دائماً الى جانب عسكرييهم، ويروي أحد عسكريي اللواء الخامس في هذا الإطار: كان قائد اللواء الى جانبنا باستمرار، في إحدى الليالي أتى يتفقدنا ومكث معنا. أحد المجنّدين انتبه الى الأمر وكان بعض رفاقه نياماً. ذهب يوقظهم، فبادره أحدهم قائلاً: لماذا توقظهم دعهم يرتاحون قليلاً... فأجابه المجنّد: قائد اللواء هنا، فكيف ننام؟ إنهضوا واحرسوه...

 

نقطة تعني لهم الكثير
يقفون حيث سقط رفاقهم ضحية الإرهاب. مفعمين بالأسى، وإنما أيضاً بالعنفوان. هذه النقطة تحديداً تعني لهم الكثير:
«هنا كانت بداية المعركة حيث استشهد الملازم الأول روي أبو غزالة ورفاقه، وهنا انتهت في النقطة نفسها باستشهاد الملازم علي نصّار»، هذا ما يقوله النقيب مساعد آمر إحدى السرايا في اللواء الخامس معبّراً عن أهمية هذا الموقع بالنسبة الى اللواء.
ويضيف:
«الألم في القلب صعب أن يذهب، قدّمنا الكثير من الشهداء وخسرنا رفاقاً أحباء، لكن النصر كان عظيماً؛ نصر لنا وللجيش وللبنان».
رفيقا الملازم الأول الشهيد روي أبو غزالة، ملازمان من دورته، يتذكران مواقفه الثابتة وروحه المرحة: «تبقى الحرقة في القلب... رافقناه فترة خدمتنا في اللواء، وفي النهاية كنا من حمله ورفعه عن الأرض بعد وقوعه ضحية الغدر والإرهاب!».
دمعة يخفيها رجال رافقهم الخطر وأصبح استشهاد الرفاق ألماً ينبغي أن يتحملوه يومياً طوال المعركة.

 

تلك القذيفة كأنها خرجت من قلبي
ملازم آخر من إحدى الكتائب المسؤولة عن الرماية بالدبابات، يعبّر عن الصدمة التي شعر بها عند سقوط الحاجز واستشهاد الرفاق: «طُلب منا تنفيذ رمايات بعيدة عن الحاجز تحسباً لوجود عسكريين أحياء. ولكن بعد أن تأكد خبر استشهاد جميع مَن كانوا في تلك النقطة قصفنا الحاجز، كانت قذيفة صعبة وكأنها تخرج من قلبي!».

 

ساعة الملتقى
في جولتنا داخل المخيم، على المحور الذي تسلّمه اللواء الخامس خلال المعركة، كانت لنا محطة على آخر «طريق النضال». «هنا وقعت أشرس المعارك»، يسرد آمر أحد السرايا، «فعناصر «فتح الإسلام» يعتبرون هذا الموقع أساساً، لذلك عندما ضيّقنا الخناق عليهم حاولوا القيام بعملية فرار الى المخيم الجديد ومنه الى الخارج». رئيس الفرعين الثاني والثالث في إحدى كتائب اللواء يزوّدنا المزيد من التفاصيل:
«هنا كانت المرحلة الأخيرة من المعركة. يوم الجمعة قطعنا طريق النضال وتقدّمنا عدة مراكز واضعين الدشم. بقيت لدينا بقعة تضم مبنيين وتفصل بين سريتين، كان يجب احتلالها. مبنى زهري وآخر أزرق، حدثت فيهما اشتباكات عنيفة يوم السبت، فسقط لنا شهيدان وأُصيب ثمانية عسكريين من اللواء، الأحد صباحاً تمكنا من خرق هذه البقعة».
على الرغم من الدمار السائد، آثار دماء الشهيدين كانت بادية في المكان، الرفاق يشيرون: هنا استشهدوا.
نقف لحظة، لا ندري إن كانت لحظة صمت عن راحة نفسَيهما أو لحظة حزن وأسف عليهما أو غضب على مَن سبّب باستشهادهما. على الأرجح الثلاثة معاً.

 

انتهت المعركة
ثم نعود الى محيط التلة المصنوعة من ركام المنازل وحطامها. في هذه النقطة كان الملتقى، لحظة الإنتصار والوقوف على قمة التلة، يصفها العسكريون مع رؤسائهم: «يوم الأحد حوالى الساعة العاشرة صباحاً مشت الأفواج: الفوج المجوقل من الغرب باتجاه الشرق والمغاوير ومغاوير البحر من الجنوب باتجاه الشمال. وصلت الى علو خط النضال والتقت هناك. وكانت الفرحة العظيمة... لم يعد هناك أي عنصر إرهابي، إنتهى المخيم!!».    
عملية لقاء الأفواج كانت من خلال طريقة الهجوم الدائري بالتنسيق بين جميع الأفواج لمحاصرة الإرهابيين وتنظيف البقعة.
مساعد آمر إحدى السرايا يعبّر عن الشعور الذي خالجه في هذه اللحظات:
«قمنا بهذه المهمة بكل فخر واعتزاز لإعادة اعتبار الجيش ووحدته وصموده. لقد كانت الضربة على زملائنا وفي صميم قلوبنا، فقررنا أن نخوض هذه المعركة بعزم وإرادة وصلابة للقضاء على مجموعة «فتح الإسلام» وتحقيق النصر».

 

معركة مَن؟
هل هذه المعركة كانت معركة اللواء الخامس وحده؟ سؤال نطرحه كون الإعتداء حصل على عناصر هذا اللواء. فتأتي الإجابة واحدة من مختلف العسكريين: «نحن أفراد في لواء هو جزء لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية. كان هذا الإعتداء على عناصرنا تحديداً، لكنه كان استهدافاً لكل الجيش وبالتالي إستهدافاً للبنان».  

 

اختبار
كانت هذه المعركة بضراوتها اختباراً لمدى صبر العسكر ولقدرتهم على تحمّل الصعاب ولا شك أنهم نجحوا بتفوق وامتياز.
رئيس الفرعين الثاني والثالث في إحدى الكتائب يقول حول هذا الأمر:
«في أثنـاء القتـال، لفـتتـني ظاهــرة غريبـة عنـد العسكر لم أرها في أي حرب أو معركة: كيس الرمل على كتفه، بندقيته بيده اليمنى والسندويش في يده اليسرى، يهجم باتجاه المركز ليحتلّه!».

 

دمعة وابتسامة
انتهت المعركة وحان وقت عودة العناصر الى ثكناتهم ومواقعهم السابقة حيث بانتظارهم الكثير من المهام.
في القلوب قسوة الفراق وايضاً زادٌ من الفخر يحث على مزيد من العطاء.
أي مشاعر حرّكها في نفوسهم النصر.
الجواب دمعة حبست وابتسامة تقول: ليتهم كانوا هنا الآن.