وجوه

هيلين توماس: «شكرًا سيادةالرئيس» لكن... «ماذا ستفعلون بعدما ارتكبت اسرائيل مجزرة قانا؟»
إعداد: أنطوان صعب

رحلت بعد 3 سنوات من مغادرتها البيت الأبيض
صحافية الصفّ الاول في البيت الأيض وكبيرة المراسلين فيه، صاحبة الاسئلة المحرجة التي عاصرت عشرة رؤساء اميركيين، رحلت في العشرين من تموز الفائت بعد معاناة طويلة مع المرض.
هيلين توماس اللبنانية الأصل، شقت طريقها في عالم قاسٍ وكانت امرأة رائدة لأجيال من النساء في الصحافة.
مسيرتها المهنية الاستثنائية انتهت العام 2010، بسبب مواقفها ضد اسرائيل وضغوط اللوبي الصهيوني لإبعادها عن مركزها.

 

اللبنانية الأصل
ولدت هيلين توماس في 4 آب 1920 في ولاية كينتاكي لوالدين مهاجرين من طرابلس - لبنان هما جورج وماري انطونيوس. تربت في ديترويت ميتشيغين وكانت فخورة بجذورها اللبنانية والعربية, وفي احدى المرات قالت: «اشعر بانتماء الى لبنان. احسّ بانتمائي الى ثقافتين». التحقت بجامعة واين وحصلت منها على البكالوريوس العام 1942. عملت في جريدة واشنطن دايلي نيوز (متوقفة حاليًا). اصبحت مراسلة في البيت الأبيض العام 1961، ولاحقًا رئيسة قسم البيت الأبيض في وكالة يونايتد برس (upi).
انضمت الى وكالة «يونايتيد برس انترناشونال» سنة 1943 حيث قامت بإعداد تقارير عن المرأة لوكالة الأنباء تلك. لاحقًا، كتبت في عمود لصحف المؤسسة تحت عنوان «the news in names». وبعد العام 1955 قامت بتغطية نشاطات الوكالات الفيديرالية الأميركية كوزارة العدل الاميركية، مكتب التحقيقات الفدرالي، وزارة الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية (كانت وزارة واحدة سابقًا). كما خدمت توماس كرئيسة لنادي المراة القومي للصحافة بين العامين 1959 و1960.
ومعلوم عن هيلين توماس أنها قامت بالتغطية الإعلامية لرؤساء اميركا جميعهم تقريبًا بدءًا من جون كينيدي، وكانت أول امرأة عضو في نادي الصحافة القومي، وأول امراة عضو ورئيسة لجمعية مراسلي البيت الأبيض (whca)، وأول امراة عضو في «نادي غريديرون» وهو أقدم ناد للصحفيين في «واشنطن دي سي». ولها اربعة كتب آخرها، «كلاب حراسة الديموقراطية» (watchdogs of democraty) والذي تنتقد فيه دور وسائل الإعلام الأميركية في فترة رئاسة جورج بوش، واصفة وسائل الإعلام الكبرى بأنها تحولت من «سلطة رابعة» و«كلاب تحرس الديموقراطية ومراقب على الديموقراطية» الى «كلاب أليفة».

 

مسيرة استثنائية
طيلة 57 عامًا في مهنة المتاعب، ظلّت هيلين توماس تشق طريقها الصعب في الصحافة الأميركية التي اتسمت لفترة طويلة بسطوة ذكورية، وتقاوم التمييز ضد أصلها العربي، فنجحت في ذلك وتحوّلت الى مثل أعلى لزملائها في المهنة، قبل أن تضطر الى الانكفاء تحت تأثير ضغط اللّوبي الصهيوني الذي ظلّ يمارس ضغوطات جمّة عليها بسبب دفاعها المستمرّ عن القضايا العربية المحقة.
 الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما وصفها بأنها «رائدة فعلية فتحت ابوابًا واخترقت حواجز من اجل أجيال من النساء في الصحافة»، مؤكدا أنه كان دائمًا، وعلى غرار من سبقوه في موقع الرئاسة الاميركية، يتحسّب لأسئلتها المباشرة والصريحة. اما الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون فقال: «الرؤساء يأتون ويرحلون لكن هيلين هنا منذ 40 عامًا».
اشتهرت بجلوسها الدائم في الصف الأول خلال المؤتمرات الصحافية للمتحدثين باسم البيت الابيض، وحظيت بامتياز لم ينله أحد من الصحافيين قبلها، اذ خصص لها مقعد باسمها في الصف الأول، وقد عاصرت عشرة رؤساء اميركيين هم: جون كينيدي، لندن جونسون، ريتشارد نيكسون، جيرالد فورد، جيمي كارتر، رونالد ريغان، جورج بوش الأب، بيل كلينتون، جورج بوش الإبن، وباراك اوباما.  ويذكر الرئيس كلينتون أنه عندما كان يخرج من البيت الأبيض في السادسة والنصف صباحًا لإجراء التمارين الرياضية، كان يجد هيلين توماس بانتظاره «وهي تصرخ» له باسئلتها من بعيد. وكانت طيلة هذه السنوات أول من يصل الى البيت الأبيض وآخر من يغادره من المراسلين.

 

شكرًا... ماذا ستفعلون؟
بصفتها كبيرة المراسلين في البيت الأبيض، كانت تختتم هيلين توماس المؤتمرات الصحافية بعبارة «شكرًا سيادة الرئيس».
 قدمت استقالتها من وكالة « يو بي أي» للأنباء العام 2000، بعدما اشترتها شركة يملكها قس كوري محافظ، وبعدها انضمت الى صحيفة «هيرست» حيث كانت تنشر اراءها السياسية في عمود خاص لها. تميّزت توماس بدفاعها عن القضية الفلسطينية، كذلك تعاطفت مع معاناة ابناء بلدها الأم لبنان في وجه الجرائم الاسرائيلية ضد ابنائه، وهو ما ظهر في اسئلتها النارية للرؤساء الاميركيين. فقد تصدّت للرئيس ريغان بسبب دوره في الحرب الأهلية اللبنانية، وللرئيس كلينتون بعد مجزرة قانا، كذلك انتقدت ازدواجية المعايير في السّياسة الأميركية. في احدى المرّات (2010)، سألها الحاخام دايفيد نيسينوف امام الكاميرا: «أي تعليقات عن اسرائيل؟»، فأجابت «قل لهم أن يخرجوا من فلسطين.تذكّر، هؤلاء الناس تحت الاحتلال وهذه ارضهم. وعلى الإسرائيليين الذهاب الى أوطانهم في بولندا والمانيا واميركا وغيرها من الأمكنة».
هذه المواقف القوية أثارت عاصفة ضدها فاضطرت الى تقديم استقالتها، وفي وقت لاحق اصدرت بيانًا قالت فيه: «آسفة بشدة للتصريحات التي ادليت بها الأسبوع الماضي في ما يتعلق بالاسرائيليين والفلسطينيين. وهي لا تعبّر عن ايماني العميق بأن السلام لن يحل في الشرق الاوسط الا عندما تعترف كل الأطراف بالحاجة الى الاحترام المتبادل والتسامح. علّ هذا اليوم يأتي قريبًا». ومن ثم صرّحت: «لا يمكنك انتقاد اسرائيل في هذا البلد والنجاة بهذا الأمر».