دورات

واثقون أكثر وفخورون أيضًا...
إعداد: المعاون جيهان جبور

إنه الشتاء، موسم إعلان اللون الأبيض سيدًا في أعالي لبنان. هناك ترافق البهجة امتدادات الأبيض اللامع الجميلة. وفيما يفضّل البعض الاستمتاع بالمشهد عبر النوافذ من دون التعرّض للصقيع، يندفع كثر إلى التسلية والمرح على الحرير الأبيض، ويمارس آخرون رياضة التزلج على الثلج، وما أكثر عشاقها. لكن إلى هؤلاء ثمة فئة رابعة تتوجه إلى الأعالي لتكتسب مهارات جديدة ضرورية للحياة العسكرية. وهؤلاء سواء كانوا أصلًا من هواة التزلج أم لم يكونوا كذلك، سيتدربون، وسيبذلون كل جهد ليصبحوا متآلفين مع مقتضيات تنفيذ المهمات في الظروف المناخية الصعبة. وفي النهاية سوف يعودون إلى ثكناتهم واثقين أكثر بقدراتهم، وفخورين بتغلّبهم على نوع جديد من التحديات. 

 

ضمن هذه الفئة الأخيرة تلامذة السنة الثالثة في الكلية الحربية الذين يتضمن منهاج تدريبهم دورة على الثلج ينفذونها في رحاب مدرسة التزلج في الأرز التي تتمركز في واحدة من أجمل مناطق لبنان. 

مشوارنا إلى مدرسة التزلج كان متعة حقيقية، سرنا نحو ساعتين قبل أن نصل إلى مقصدنا، إلى حيث يشعر المرء أنّه خارج دائرة الحياة اليومية، فينسى الضائقة الاقتصادية وسواها من هموم تسيطر على أيامنا. أمام روعة الأبيض تنعكس عليه أشعة الشمس فيبدو كبساط من لؤلؤ، غمرنا الفرح، خصوصًا مع اقترابنا من المتدربين، فأصداء ضحكاتهم كانت تملأ المكان، وتنشر فيه الحماسة والفرح.

اقتربت الآلية من المكان شيئًا فشيئًا، وبدأت صورة المتزلجين تتضح أكثر. وصلنا إلى موقعهم، ألقينا التحية، سألناهم عن تجربتهم مع الثلج في هذه الدورة التي تمتد لعشرة أيام. أجابوا عن أسئلتنا بنبرة تفيض حيوية. تحدثوا عن فرحهم وأيضًا عن مخاوف وعثرات، لكنّهم أعربوا في النهاية عن مدى سعادتهم بما اكتسبوه من مهارات، وبما أضافته هذه الدورة إلى قدراتهم الجسدية والمعرفية، ما يجعلهم مؤهلين للتكيّف مع الظروف المناخية الصعبة، وتنفيذ مهمات خاصة على الثلج ( قتال جبلي، إنقاذ، فتح طرقات وغيرها).

 

تغلبنا على الخوف

التلميذ الضابط حسن عليّان كان أول من تحدثنا إليهم، وقد أوضح لنا أنّ الدورة تنقسم إلى قسمَين، الأول تعليمي يتضمن دورة قتال جبلي ودورة تزلج، والثاني ترفيهي، وبالتالي فإنّ جدية التدريب وقسوته لم تحل دون الاستمتاع بهذه التجربة. يقول: «حبيت هالرياضة كتير»، وإذ يشير إلى الخوف من المرتفعات الذي كان يتملكه في البداية، يؤكد أنّه مع تكرار المحاولة زال شعور الخوف وحلت محلّه دفعة كبيرة من الثقة، «أصبح قلبي قويًا» يقول ضاحكًا. ويسر إلينا: «في البداية كنا نتخبّط في ما بيننا لعدم خبرتنا في السيطرة على أدوات التزلج، ما جعل الجو مشوقًا ومرحًا». 

ليست السيطرة على أدوات التزلج بالأمر اليسير لكنها ليست أصعب ما يختبره المتدربون الذين يحملون عتادًا ثقيلًا، ويضطرون إلى المرور عبر الانحدارات والجروف الصخرية، فضلًا عن التنقل من مكان إلى آخر يصل فارق الارتفاع بينهما إلى ٦٠٠ متر. 

وقد تضمنت الدورة تمارين سير على عدة مسالك مختلفة الارتفاعات، ورماية نهارية وليلية، وهذه الأخيرة كانت صعبة نظرًا للبرد القارس في المنطقة. «كان الإمساك بالسلاح شبه مستحيل فضلًا عن صعوبة الرؤية ليلًا وفق ما يقول التلميذ الضابط عليّان. 

 

لو لم أكن مجبرًا...

ننتقل إلى التلميذ الضابط إبراهيم إبراهيم فيفاجئنا إذ يُقر بأنّه لو لم يكن مجبرًا على المشاركة في الدورة لما كان عاش هذه التجربة. فهو ليس من محبّي الثلج ولم يسبق له أن توجّه إلى منطقة الأرز من قبل. أما الآن فالوضع يختلف بعد أن مرّ بهذه الخبرة واكتسب ما اكتسبه، والأمر يستحق المحاولة حسب رأيه.

 

الجدية لا تمنع المرح

«أتينا لاكتساب خبرة التأقلم مع المناخ القاسي»، يقول التلميذ الضباط علاء حسن، مشيرًا إلى أنّ نشاطات الدورة تخللها الكثير من المرح. ويضيف في هذا السياق: تراشقنا بالثلج، وطمرنا بعضنا البعض فيه، استمتعنا كثيرًا. وفي عودة إلى التدريب، يوضح: تعلّمنا كيفية تسلّق الجبال، والهبوط بالحبال على الثلج، وإسعاف جريح وسحبه إلى حيث يكون آمنًا. ويؤكد أهمية ما اكتسبوه قائلًا: رياضة التزلج من أهم الرياضات التي تمكّن الفرد من تعزيز ثقته بنفسه وتحسين لياقته البدنية. 

 

لا أضرار تُذكر

الحوادث التي تقع على الثلج ليست بقليلة، حتى المتزلجون المحترفون قد يتعرضون للسقوط ويصابون بأذى، لكن حيطة المدربين والتزام قواعد السلامة حالت دون إصابة أي من المتدربين بأضرار تُذكر وفق ما تخبرنا التلميذ الضابط كريستيل غانم من مدرسة القوات البحرية. برأيها «كانت الدورة محطة لتنمية قدراتنا الجسدية وتحدي الذات وكسر حاجز الخوف». وهي تؤكد أنّه على الرغم من خطورة هذه الرياضة إلا أنّ حبّها لممارسة التزلج ووجودها في المؤسسة العسكرية منذ ٥ سنوات، ساعداها على التكيّف وإنهاء الدورة بنجاح.

 

عندما كنت طفلة

تجربة التلميذ الضابط كرستين ندور (أمن عام) مختلفة، فهي تخبرنا: عندما كنت طفلة حاولت مرة أن أتعلم التزلج، فقمت بشراء الـmoniteur، إلا أنني لم أتمتع بالجرأة حتى للمحاولة»... خلال الدورة كانت حريصة جدًا على الاستفادة من الفرصة وتعلّم تقنيات التزلج، ويومًا بعد يوم كانت تحرز التقدّم إلى أن حققت هدفها وباتت فخورة بإتقان التزلج خلال فترة وجيزة.

غادرنا الموقع حاملين كمًا من البهجة والراحة، تمنينا للمتدربين التوفيق، وشكرناهم، فقد انتقلت عدوى فرحهم إلينا وأفعمتنا بمشاعر أنستنا لفترة من الوقت ما نعيشه من سواد...