قضايا إقليمية

واقع الهوية الإسرائيلـــية في استطلاعات الرأي
إعداد: احسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

يقول الكاتب الإسرائيلي غريغوري ليفي نقلاً عن لسان أحد كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين: «إن إسرائيل يسودها جو عام من الإحباط، ناتج عن عدة أمور من بينها، وربما من أهمها، إحساس غالبية الإسرائيليين بأن الفساد قد انتشر في القطاعات السياسية والاقتصادية المختلفة كافة. كما أنهم ادركوا بأن الحرب الأخيرة (في لبنان) كانت نموذجاً للفشل الذريع». واعتبر الكاتب يغآل سيرنا في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن كثيراً من الإسرائيليين المعاصرين، في عصر العولمة، قد حققوا درجة عالية من الثراء، ولكن بثمن باهظ. فالثراء الفاحش أدى إلى نسف المباني القديمة للسياسة الصهيونية. وهو نقل مكامن القوة إلى المال لوحده مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات إنسانية ووطنية وأخلاقية هي في جوهرها تداعيات سلبية، مثل تضعضع كل أسس  المساواة الاجتماعية وأشكالها. ويقول سيرنا في هذا المجال: «نعم لقد تحولنا إلى إمارة تكنولوجيا عليا (هاي تيك) على شاطئ البحر المتوسط، إلا أن الخصخصة المنفلتة العقال لأغراض العولمة، قد أدت إلى إنهيار دولة الرفاه والتضامن الاجتماعي اللذين قامت على أساسهما الخدمة العسكرية للجميع». وتضيف شارون شاحاف، مديرة العلاقات العامة سابقاً في الهستدروت، في مقال لها في صحيفة «معاريف»، ان التكافل الاجتماعي الذي كان يوماً ما أحد المميزات البارزة للمجتمع الإسرائيلي، قد اختفى تماماً، وحاولت تفسير ذلك بالقول: «إن الجمهور الإسرائيلي يوهم نفسه بأن ثمة تكافلاً اجتماعياً، ولكنه في تصوره هذا لا يختلف عن تصوره الواهم بأن الموساد هي الجهة الاستخبارية الأفضل في العالم، وأن الجيش الإسرائيلي هو أفضل الجيوش في العالم، وأن العبقرية اليهودية ما تزال براقة، وأن الإسرائيليين ينهضون للشيوخ والنساء الحوامل في الحافلات».
على ضوء ما تقدّم أشارت نتائج أحد استطلاعات الرأي مؤخراً إلى أن 78٪ من الإسرائيليين غير راضين عن قادتهم الذين تورطوا في الفساد، والذين تستحوذ عليهم الأنانية وتنقصهم الخبرة، وأن 68٪ من هؤلاء يعتقدون بأن القادة الحاليين هم أسوأ من قادة إسرائيل في الماضي. وهذه الحقائق تكرّست في كثرة الحديث عن مصطلح «فراغ في القيادة» وعن الخوف الذي قد يصل إلى حد اليأس من إمكان ظهور «قيادات رشيدة» في المستقبل، وذكر شلومو غازيت، رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية سابقاً أنه «مطلوب زعامة جديدة تعيد شعب إسرائيل إلى القيم المنسية». ونوّه بأن الجميع الآن يشعر بـ«خيبة الأمل من زعماء هذا الجيل». وكتب يوفال اليشاين في صحيفة «معاريف» أن «من الواجب على مواطني إسرائيل الاحتجاج إزاء كثرة الفساد حولهم لا أن يغرقوا في صمتهم وعجزهم ويأسهم». وكتب نحميا شترسلر في «هآرتس» «أن رئيس الحكومة أولمرت لم يعد في هذه الأثناء يدافع عن مبادئه، أو يبادر إلى طرح المشاريع والخطوات، وإنما يحاول تمرير يوم أو أسبوع من أجل الحفاظ على البقاء. هو يعرف أنه لا يملك قوة سياسية أو تأثيراً شخصياً يمكنه من تحديد الإتجاه والتغيير وقيادة الأمور واتخاذ قرارات صعبة». وعودة نتنياهو بحسب يوئيل ماركوس في «هآرتس» سوف تعتبر تكراراً لمشاعر الخيبة التي تسبب بها منذ ثماني سنوات، وأولمرت الذي يحظى بتأييد مُخجل لا يتجاوز 2٪ في استطلاعات الرأي، قد أثبت أنه ليس مجبولاً من طينة القيادة عندما أمسى رئيساً للوزراء بالصدفة، وعامي ايالون يظهر صورة محيرة ومضطربة، وباراك وطّد علاقاته مع نخبة من كبار الرأسماليين في إسرائيل، ولهذا فإنه مع عودته إلى الحياة السياسية، لا بد بحسب رأي الكاتبين غيدي فايس وأوري بلاو (الملحق الأسبوعي لصحيفة هآرتس 25/5/2007)، من فحص هذه العلاقات المباشرة وغير المباشرة مع كبار الرأسماليين هؤلاء من زاوية عدم تضارب المصالح في ما بينهم، علماً بأن باراك بحسب رأي الكاتبين لا ينوي التعامل بشفافية في ما يتعلق بأملاكه وارتباطاته وعلاقاته الاقتصادية، وذلك بعد أن أصبح واحداً من عداد شريحة كبار الأثرياء في إسرائيل، أو حسبما يقال في إسرائيل، شريحة «الواحد بالألف».
هذه هي نبذة عن مواقف الإسرائيليين من أبرز قادتهم، أما بالنسبة إلى مواقفهم من أبرز الموضوعات السياسية والاستراتيجية المثيرة للجدل والإشكالية، فقد جاء في استطلاع للرأي قام به المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن 3٪ فقط لا غير من مجموع الذين شملهم الاستطلاع، يعترفون بأن الدولة الصهيونية قد ارتكبت إثماً بحق الفلسطينيين، بينما نجد أن 57٪ يدّعون أن الفلسطينيين أخطأوا في التصرف فألحقوا الضرر بأنفسهم، وهذه صياغة تعني التهرب من أية مسؤولية أدبية أو قانونية أو اخلاقية. وقال 18٪ إن الفلسطينيين قد نالوا ما يستحقون. في حين أن 16٪ لجأوا إلى صياغة مبهمة تعترف بوقوع إثم، وتتهرّب من المسؤولية الأخلاقية في الوقت ذاته، إذ قال 16٪ إنه قد تمّ إرتكاب إثم ضد الفلسطينيين بغض النظر عن المسؤول عنه. والنسبة الباقية رفضت الإجابة على أي من الأسئلة السابقة.
وجاء في الاستطلاع نفسه أن 74٪ من مجمل المستوطنين الصهاينة يرون أن أهم عوامل بقاء إسرائيل هو عامل تفّوقها العسكري. وفي استطلاع آخر للرأي قال 48٪ ممن شملهم الاستطلاع أن أهم عوامل بقاء إسرائيل ومنعتها هو هجرة يهود العالم إليها، مع علمهم بأن يهود العالم خصوصاً اليهود الأميركيون لا ينوون الهجرة إلى اسرائيل. وما من شك في أن قضية الهجرة اليهودية من الشتات تعتبر من القضايا الجوهرية الأكثر أهمية وخطورة لجهة تحديد معالم الهوية الإسرائيلية في المستقبل خصوصاً بعد نضوب مصادر الهجرة السوفياتية. واليهود في الماضي، كانوا يدّعون التعرض للتهديد والاضطهاد، أما اليوم فمعظمهم يعيش في مجتمعات ليبرالية ويتمتع بأوضاع اقتصادية ممتازة. وبالرغم من أن إسرائيل تضم أكبر تجمع يهودي في العالم، فإن التجمعات المتبقية منتشرة في الشتات، وهي تتجاوز ما عدده 700 ألف إسرائيلي، معظمهم في الولايات المتحدة ممن لم يروا اسرائيل مطلقاً في حياتهم. ويذكر الناطقون بإسم الوكالة اليهودية في مؤتمر هرتسليا الأخير أن تقوية العلاقة مع المانحين اليهود الذين يتنفّسون حب اسرائيل حتى لو لم يعيشوا فيها، تعتبر من أهم سبل دعم الهجرة، فالمانحون يستثمرون أموالهم وجهودهم لسد الفجوات الاجتماعية التي تزداد تباعاً في إسرائيل، وعن طريقهم تمكّنت الوكالة اليهودية مؤخراً في أعقاب الحرب على لبنان من جمع مبلغ 350 مليون دولار، الأمر الذي يشكّل نجاحاً كبيراً لهذه الوكالة، التي تعلن دائماً أنها ملتزمة توفير عالم أفضل لليهود وتحقيق دولة إسرائيلية أفضل، وهي أقامت العديد من المشاريع الاستثمارية المبنية على مشاركة رجال أعمال يهود من الشتات لدعم الهجرة والمهاجرين مثل مشروع «في البيت معاً»، والذي يهدف إلى تشجيع المهاجرين ومساعدتهم للإحساس في إسرائيل بأنهم في وطنهم. وتسعى مبادرات أخرى في هذا السياق لدعم المهاجرين الشباب بنوع خاص من خلال توفير فرص التعليم العالي للذين يتعرضون للتهميش مثل الكثير من الوافدين من روسيا وأثيوبيا. وفي المحصلة فإن هجرة يهود الشتات إلى إسرائيل إنما تعتبر جزءاً من الحل الأمني، لأنها تعني وصول مادة بشرية قتالية ورأسمال هام من الكفاءات الناشطة التي تنعش الاقتصاد الإسرائيلي.
ثمة مسألة هامة أخرى تكشف عن الهوية المجتمعية والإنسانية في إسرائيل، وهي الموقف من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، حيث نرى أن الأغلبية الساحقة، من الإسرائيليين تدّعي الشعور بالتعاطف إزاء هؤلاء المستوطنين، ولكن من الواضح أنه تعاطف أجوف، لأنه حين ينتقل الحديث إلى الأعباء الاقتصادية والأمنية الناجمة عن الإستيطان والإحتلال فإن الأمر يختلف تماماً، فقد جاء في استطلاع للرأي أجراه يائير شيلاح في «هآرتس» أن 55٪ ممن شملهم الاستطلاع يرون أن المستوطنات تشكّل عبئاً إقتصادياً وأنه ليس لها أهمية أمنية، وأنه يجب إلغاء كل المزايا الاقتصادية والمالية الممنوحة للمستوطين، وجاء أيضاً أن 45٪ عارضوا فك المستوطنات في مقابل 51٪ وافقوا. وبالنسبة إلى مسألة إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة العام 1967 في الضفة والقطاع فإن 34٪ وافقوا و65٪ عارضوا. ومثل هذا الانقسام يتلاشى تماماً عندما يدور الحديث عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. فعلى هذا الصعيد لم يوافق سوى 2٪ فقط على الاعتراف بهذا الحق ويميل 5٪ إلى الموافقة ويعارضه 84٪ بالإضافة إلى 7٪ يميلون إلى المعارضة. وتبين إن نتائج استطلاعات الرأي مماثلة تقريباً عندما يدور الحديث عن الزيجات المختلطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين العرب حيث يقول آمنون دينكز في «معاريف» «إن رحم المرأة الفلسطينية سوف يُغرِق في نهاية الأمر الأكثرية اليهودية»، هذا علماً بأن الشعب اليهودي في العالم، «يتآكل بمعدل عال يسبب الذعر على ضوء الزيجات المختلطة والتخلي عن اعتناق اليهودية».