بلى فلسفة

... والسّيكار
إعداد: اسعد مخول

قياساً على حالات اللّطافة المتبادلة بين المدخّنين, من تقديم السّيكارة والسّيكار, وكلّ مشتقّات السّيكا وقوفاً قبل المقام الموسيقيّ “السّيكاه” لأنّ لا دخل له بالموضوع, وصولاً الى تقديم الولاّعة وحمايتها باليدين من لفح الريح ومن عصف “الهوى” بحيث تبدوان كاليدين الضّارعتين في اللّوحات الدينيّة, أو في شعارات جمعيّات الأمومة والطّفولة, والفرق هنا أنّ يدي المتلقّي هما الأخريان تقلّدان يدي المضيف فترسمان فوقهما غطاء نصف دائريّ زيادة في الرّعاية والحماية... قياساً على ذلك كلّه, أتخيّل تلك اللّطافة وقد وصلت بالمضيف الى حمل سيكار على أحد كتفيه موجّهاً مقدّمته الى “حنكَي” ضيفه بعد أن يكون قد أضرم النّار في مؤخّرته, إعلاناً للدّفع على طريقة قاذف المدفع في اللحظات العصيبة... والعياذ باللّه من كلّ إصابة, صغيرة أو كبيرة!
أمّا في الغليون, فتحتاج المسألة الى أدوات إضافيّة يتصدّرها ملقاط حديديّ يحرّك الجمرات في الدّاخل, ويثير اللّهب الى الأعلى سحابات سحابات... أنت هنا أمام مدفأة متحرّكة قد تمنع البرد عن الأحشاء, أو موقد تحت الطّلب قد ىُنفخ فيه وقد يُطبخ, أو مدخنة قد تحيل الهموم غيوماً سابحة في الفضاء من دون مطر... تفتّش بعد ذلك كلّه عن الزّهر فلا تلقى سوى الفحم الدّاكن الفاحم.
إنّها لعبة بين الرّائحة واللّون, الغالب فيها هو اللّون, وإنّها مباراة بين الأنف والعين, يستسلم الأنف بعدها لكلّ فاسد من الرّوائح مهما تطوّر الصنّاع في إعداد قوارير العطر المشهور.
أصعب ما في تلك الأدوات المحرقة أنّه لا يمكن تصنيفها, فلا هي طعام, ولا هي شراب, ولا هي نغم للسمّاع أو إبداع للرّؤية والرّؤيا.
وأسوأ ما فيها كراهة الرّائحة وبشاعة المنظر ومخالفة الآداب, في اللّقاء كما في الوداع, في الفرح كما في البكاء... وأسوأ ما فيها الدّلع والدّغدغة بين الشّفاه والعضّ أحياناً بالأسنان... وأسوأ ما فيها التّفريق بين الجلساء, فإن كانوا أكثر أهمّية من المدخّن يتمّ إهمالها قليلاً, أمّا إن كانوا أقل أهمّية فيتم الإنشغال بها إضراماً وإشعالاً وملاطفة وتحريكاً ومراقصة ومحاكاة ومحاباة وموالاة ومسايرة على حساب الذّوق الإنسانيّ.
يا ويل الجليس إن كان غير مدخّن وقضت ظروفه بالوقوف في حضرة المدخّن, أو الجلوس في مجلسه وتلقي تضامنه وعاطفته وودّه بالغمر والعناق واغتصاب الوجنات.
ويا ويل الجليس, مدخّناً أو غير مدخّن, إن امتدّت يد جاره الى صحن طعامه وألقت فيه رماد تلك النّار الجوّالة...
حالة واحدة تظلم فيها السّيكارة ورفيقاها, وذلك حين يشبّ حريق في غابة فيلقى اللّوم عليها, وتبّرأ الأيدي الآثمة التي تحترف تمزيق السّتائر الخضر.
وحالة واحدة لا تكون فيها السّيكارة ورفيقاها في خانة البشاعة التّامّة, وذلك حين تعرض عُلبها الفاخرة مزدانة بأحلى الألوان, فكأنّ الجمال يطلّ بأذنيه أينما تيسّر, كي لا يترك الحبل على غاربه للبوم والغربان.
صلحي مع بعض المدخّنين إن وضعوا حدّاً لسيكارتهم ورفيقيها, فأبعدوها عن أنفي. وصلحي معهم إن وعدوا أنفسهم, ووعدوني أنا, بالتخلّي عنها حتّى وإن لم يتمكنّوا من الوفاء, وذلك بسبب ما تناله من هوى في نفوسهم فتحدّ من قدرتها على اتّخاذ القرار.
لكنّ خصامي معهم إن جاهروا بالوقوف الى جانبها ظالمة أو مظلومة, وخصامي معهم إن شهقوا منها جرعات طويلة فغلب عليهم الشّرود وغاصوا في تفكير خبيث إستعداداً لزفرات سامّة كتلك الّتي يزفرها العواذل والخبثاء والحسّاد.
يا شرّ هؤلاء إن مال الزمان لهم, ويا هولهم إن مال الزّمان بالضحايا أمامهـم, فيشتمـون حين تفيض بهم وقاحة الأشرار, أو يذرفون دموع التّماسيح حين يتستّرون خلف الأطياف النّجسة الملعونة!