وجهة نظر

وجهة نظر
إعداد: بروفسور ميشال ج. نعمة

مبادئ السياسة الخارجية الأميركية

هل تعتمد سياسة أميركا الخارجيّة القيم المسيحية أم المبادئ الرأسمالية؟هل ينطبق النموذج الاقتصادي للنظام الرأسمالي الأميركي على القيم المسيحية؟

 تنبع أهمية الإجابة على هذا السؤال مما نلاحظه هذه الأيام من هرولة بعض الكتّاب نحو تفسيرات أيديولوجية تختلط فيها مبادئ وقيم المسيحية والإسلام بمفاهيم أساسية في صلب سياسات اقتصادية ورأسمالية تتحكم بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة  ومعظم دول العرب. يتم هذا الخلط دون أي تبصر بالعواقب التي قد لا تحتملها مجتمعاتنا ذات الأغلبيّة الفقيرة والمتميّزة بالتعايش الإسلامي المسيحي. وبداية وكما هو معروف للمثقفين، فان الرأسمالية المتحكمة في السياسة الخارجية تقوم على مبادئ أساسية بسيطة تتمثل في فتح الأسواق الدولية والمسيطر عليها  وتشجيع المنافسة الحرة بين الشركات، وبهذا يضمن الغرب أكبر ربح ممكن.

تعمل سياسة أميركا الخارجية والتي تعتمد على المبادئ الرأسمالية، على حصر التدخل المباشر من قبل الدولة في شؤون الأفراد الاقتصادية وذلك من خلال إضعاف أدوات الحكومات في المناطق النامية.

نجح النظام الاقتصادي الرأسمالي في الغرب ومؤخراً عبر الولايات المتحدة، في تحقيق أهدافٍ ملحوظة بتحويل المجتمعات كافة الى أسواق حرة، ولكنه لم ينجح تماماً في فصل تدخل الدولة التي لها طابع إسلامي. تنظر الأنظمة الإسلامية وبعض المثقفين إلى النشاط المتواصل الذي تقوم به الولايات المتحدة في ضرب أدوات التحكم في السوق الاقتصادية الحرة على أنه هجمة مسيحية متطرفة على قيم إسلامية اجتماعية وسبل حياتية اعتاد عليها سكان منطقة الشرق الأوسط. وقد ذهب البعض في تحليلاته الى درجة خطيرة بالقول بأن الاستراتيجيات السياسية للغرب، وخصوصاً في الشؤون الخارجية، هي أقنعة لصراع حضارات تتنافس فيها القيم الإسلامية والمسيحية. الحقيقة أن الأسس التي عليها بنيت كل القيم المسيحية والإسلامية هي واحدة، اما الصراعات فيها فصراعات مصالح. فكما أن الغرب انقسم على نفسه مرات وأقدمت مجموعات مسيحية منه على شنّ حروب ضد مجموعات مسيحية أخرى، كذلك فعل المسلمون على اختلاف تجمعاتهم.

الصراع الغربي الشرق أوسطي ليس على القيم التي تتمثل بالخلفية والعلاقات العائلية ومفهوم ما هو مقبول اجتماعياً أو غير مقبول. بل هو على مصالح اقتصادية وسياسية متعلقة بأسس النظام الرأسمالي الذي يتيحه التنافس الاقتصادي الذي يؤدي بدوره إلى التناحر السياسي. وفي هذا السياق فإن التناحر السياسي في الشرق الأوسط هو تناحر للسيطرة على أدوات الضغط في السوق الحرة، خصوصاً وأن البترول كسلعة أساسية في اقتصاد جميع الدول، بات المؤشر الأول الذي على أهميته يتم تقويم معدلات ومؤشرات النمو وتحديد الأسعار على أساسها.

وفي هذا السياق أيضاً فالتنافس على بناء قدرات عسكرية مع ما يتبعها من خطط لتجاوز القدرة العسكرية التقليدية، هو أيضاً وجه من وجوه الصراع على مفاصل الأدوات الاقتصادية.

والخلاصة أن بعض الشتول لا تصلح للزرع في كل مكان وتحت كل مناخ.ومثلها نظام الاقتصاد الرأسمالي.ففي مناخ الشرق الأوسط ينجح بعض أسس الرأسمالية ولا تنجح كلها.ولا علاقة للقيم الدينية، مسيحية كانت أم إسلامية،بذلك على الإطلاق.