إنجازات

ورشة أعادت تأهيل راجمات صواريخ عمرها أكثر من نصف قرن
إعداد: باسكال معوض بو مارون

إنجاز غير مسبوق أعاد للراجمات حركيتها وقدرتها على المناورة

 

بدأت الحكاية مع مجموعة راجمات كان الجيش يملكها، لكنّها لم تعد صالحة للاستعمال، إنما الحاجة في الوقت الحاضر تدعو إلى إعادة تأهيلها، والاستفادة منها... ومن مديرية المشاغل حيث تحقّق إنجاز غير مسبوق في نتائجه الممتازة على صعيد الأسلحة النوعية، إلى فوج المدفعية الثاني الذي سوف يستخدم هذه الأسلحة المجددة لمؤازرة القطع المقاتلة في مهماتها، كان لمجلّة «الجيش» جولة على الضباط الذين ساهموا في تحقيق هذا المشروع الرائد.

 

لماذا؟
انطلاقًا من أهمية راجمات الصواريخ ودور هذا السلاح الفعّال في تأمين الدعم للقطع والوحدات، كان لا بد من تحديث وتجديد عدد من الراجمات قديمة العهد التي بدأت تفقد ميزتها الحركية؛ فقد عانى فوج المدفعية الثاني تقادم عدد من الراجمات الروسية نوع «ب أم 21» المحمولة على شاحنات «أورال» والتي باتت بدورها قديمة، وتتطلّب مساعفتها الصعبة والمعقّدة، الكثير من الجهد لعدم توافر قطع البدل لها، إذ إنّ إنتاجها ووضعها في الخدمة كانا في العام 1963 أي منذ أكثر من نصف قرن. وعلى هذا الأساس كان القرار بالتعاون مع الجانب الروسي لاتّخاذ الإجراءات المناسبة.

 

في مديرية المشاغل
في مديرية المشاغل، عاد بنا مديرها العميد أنطوان استانبولي إلى انطلاقة المشروع وتوقيع عقد مع الدولة الروسية في العام 2014، عقب كشفٍ فنّي أجراه خبراء روس على 11 قسمًا مدفعيًا لراجمات الصواريخ «ب م 21» التابعة لفوج المدفعية الثاني. وضع الخبراء الروس مع خبراء من الجيش اللبناني كشوفات بالأعطال؛ واتفق الجانبان على تحليل النتائج تمهيدًا لتحديد عدد قطع البدل المطلوبة.
وفي إطار التهيئة لتنفيذ هذا العقد، تمّ الاطلاع على ورشة العمل المعينة لإجراء الأعمال فيها من قبل الجانب اللبناني في اللواء اللوجستي، الذي عرض التجهيزات والعدّة المتوافرة في مديرية المشاغل؛ وبعد الاطلاع عليها، قدم الجانب الروسي التوصيات الهادفة إلى تنفيذ الأعمال التحضيرية. وتولّت المديرية من جهتها مسؤولية تجهيز ورشة العمل وأماكنها والأجهزة التكنولوجية والعدّة والمواد المطلوبة والمحروقات والسوائل الخاصّة بها.

 

عملية التجديد
تابعنا زيارتنا في مديرية المشاغل، حيث التقينا المهندسين الاختصاصيين الذين ساهموا في تحقيق هذا الإنجاز، وهم العقيد المهندس مروان الخطيب، والعقيد المهندس سامي طانوس، والمقدّم محي الدين بو عرم، الذين تحدّثوا عن ورشة العمل التي تحققت بعد حضور فريق من الخبراء والفنيين الروس إلى لبنان، وقد امتدت من بداية تشرين الأول من العام الماضي إلى شباط 2016.
وبنتيجة الورشة، نقِل السلاح من شاحنات «أورال» القديمة العهد، وتمّ تركيبه على آليات «كاماز» الجديدة وحديثة الصنع. كما أجريت صيانة عامة للسلاح (مساعفة أو استبدال القطع) شملت بشكل أساسي: السبطانات (تم استبدال 120 سبطانة بأخرى جديدة يمكنها رمي صواريخ مداها 40 كلم)، والموّلدات والتمديدات والدارات الكهربائية، وعلبة الإمرة، وأجهزة التسديد وأجهزة الرمي عن بعد.
شارك في الورشة عناصر من فوج المدفعية الثاني ومن مديرية المشاغل، كانوا يعاونون الفريق الروسي ويحصّلون في الوقت نفسه خبرات فنية كبيرة تمكّنهم من صيانة الراجمات بعد تسلّمها ووضعها في الخدمة. وقد أثنى الخبراء الأجانب على كفاءة العسكريين وحسن استيعابهم ومتابعتهم التدريبات على الأسلحة الجديدة.
عملية التخميد
بعد انتهاء ورشة العمل، وبهدف التأكد من جهوزية راجمات الصواريخ، تمّ إجراء رماية تجريبية بالذخيرة الحيّة. سبق ذلك إخضاع السلاح لعملية تخميد قبل الرمي، أي اختبار حسن اشتغال جميع المهاميد في الآلية. فمن البديهي أن تكون الراجمة ثابتة في أثناء الرمي، وفي حال عدم اشتغال تلك المهاميد بشكل صحيح، يتعذّر الرمي بالسلاح، ما يؤدي إلى مشاكل وأخطار حقيقية.
تمّ التخميد بعد تذخير الراجمة (تلقيمها بأربعين صاروخًا) والسير بها لبضعة كيلومترات على أراضٍ وطرقات مختلفة، ومراقبتها من قبل فنيين للوقوف على حسن أدائها ورصد أي خلل قد يظهر، ومعالجته بالطرق المناسبة.
أنجزت عملية التخميد على مرحلتين، في البقاع وفي ثكنة نهرا الشالوحي، بإشراف مختصّين من مديرية المشاغل وفوج المدفعية الثاني. وبعد التأكّد من حسن الأداء، جرى اختبار حسن اشتغال المولّدات والدارات والتمديدات الكهربائية؛ بما في ذلك المآخذ الموجودة على السبطانات، والتي تتولّى نقل النبضات الكهربائية إلى الصواريخ لتشغيلها وتحقيق عملية الإطلاق.
وقد حرص المختصّون في أثناء عملهم على التثبّت من حسن عمل السلاح، فاهتموا بأدقّ التفاصيل (الحركة الكهربائية للسلاح وهو مذخّر «تحت وزن الصواريخ» التأكد من سلامة التمديدات الكهربائية لجميع السبطانات، حسن اشتغال علبة الإمرة جهاز الرمي عن بُعد في الوضعيتين طلقي ورشقي، التأكد من عملية تصفير السلاح....). وقد جاءت النتائج ممتازة وبات تنفيذ الرماية أمرًا متاحًا.

 

في فوج المدفعية الثاني
من جهته، تحدّث قائد فوج المدفعية الثاني العميد الركن خضر قدوح عن عملية الإعداد للرماية التي جرت بجدّية ودقّة، حيث تمّ تحضير المربض في رأس بعلبك- البقاع، وحددت الأهداف بالتنسيق مع منسّق النيران في مديرية العمليات، وأنجزت كل التحضيرات والاستعدادات العملانية واللوجستية والفنية. فقد تولّى فريق عمل من الفوج تحضير مركز الرمي، ونفّذت الرماية على أهداف حقيقية للإرهابيين في جرود عرسال، بحضور الخبراء والفنيين الروس ولجنة الاستلام الثالثة، إضافة إلى خبراء من اللواء اللوجستي، فكانت النتائج ممتازة حيث أصابت الصواريخ أهدافها بدقة فائقة.
وأشار العميد الركن قدوح إلى أهمية هذه العملية بالنسبة الى الفوج الذي يستخدم سلاح راجمات الصواريخ، وهو ينفرد عن باقي قطع المدفعية في الجيش بهذه الميزة التي جعلته قادرًا على تأمين كثافة نارية كبيرة جدًا للقطع والوحدات الصديقة خلال العمليات الحربية. وأكّد في هذا السياق أنّ راجمات الصواريخ سلاح يتميّز بسهولة الحركة وسرعة التخفّي وبقدرة تدميريّة كبيرة وتأثير معنوي ونفسي فعّال على القوات المعادية، لا سيما أنّه بالإمكان إنزال ضربة سريعة وكبيرة (بمئات الصواريخ دفعة واحدة)، على المنطقة المستهدفة. وبهذا يكون الهدف تحت رحمة الصواريخ المتساقطة عليه بأعداد كبيرة، فيدب الرعب والهلع في صفوف العدو، في حين ترتفع الروح المعنوية للقوات الصديقة، وهذا ما يحتاجه كل جيش في أرض المعركة لتحقيق الانتصار.
ورأى العميد قدوح أن عملية تجديد راجمات الصواريخ والخطوات التي واكبتها وتكاملت معها، ستنعكس إيجابًا على فوج المدفعية الثاني لناحية رفع درجة الكفاءة القتالية والقدرات النارية وسرعة التدخل، لذا لا بدّ من الاستمرار في التحديث والتجديد والتطوير لنكون دومًا على قدر التحديّات المطلوبة. وختم بالقول: يبقى الأمل معقودًا على تحقيق المزيد من الأسلحة الجديدة أو تجديد ما هو متوافر منها في القطع والوحدات، لتبقى الجهوزية في أعلى مستوياتها.

 

النتائج المباشرة
عن نتائج عملية التجديد، تحدّث أيضًا الرائد جورج الشامي من فوج المدفعية الثاني، فقال إنّها خطوة نوعية وجبّارة قامت بها قيادة الجيش، فهي الأولى بضخامتها وغير مسبوقة بالنسبة لسلاح الراجمات منذ دخوله الخدمة في الجيش اللبناني. فقد أعيدت للراجمات أهم ميزة كانت قد فقدتها إلى حد كبير، ألا وهي الحركية وسرعة الانتقال والقدرة الكبيرة على المناورة. وهكذا كسب الفوج عدة راجمات جديدة تستطيع تنفيذ رمايات لمسافة 40 كلم.
كما اكتسب عناصر من الفوج مهارات فنيّة وتقنية مهمة جدًا تتعلّق بالسلاح وصيانته. وأصبح الفوج يمتلك قدرات قتالية نوعية، حيث زادت كفاءة السلاح وارتفع مستوى آدائه نتيجة المرونة المستجدّة والقدرة الكبيرة على المناورة والحركية، وبالتالي سرعة التدخّل وتقديم الدعم الناري المطلوب.

 

غرفة عمليات حديثة
مواكبة للتطوّر في منظومة سلاح المدفعية عمومًا وراجمات الصواريخ خصوصًا، تمّ تجهيز مركز رمي حديث في فوج المدفعية الثاني هو كناية عن غرفة محصّنة، جرى ترميمها كمنشأة بالإمكانات المتوافرة، وبمساعدة من فوج الأشغال المستقل، وجُهّزت بالعتاد اللازم من أجهزة كمبيوتر، ولوح تفاعلي، ولوحات عرض، فتحوّلت إلى غرفة عمليات متطورة وحديثة.
كما تمّ تحضير مشاريع خاصّة لكل المرابض المرتقبة لوحدات الفوج في مختلف المناطق اللبنانية، شمل كل مشروع نسائخ منفّذة بواسطة نظام GIS، مع تفاصيل عن المرابض المراقبة، وقطاعات الرمي، وأميال الارتقاب، والمسافات، بحيث يتمكّن الضبّاط، وبسرعة كبيرة، من تحديد كيفية معالجة أي هدف، ومراقبة ومواكبة الأعمال بالتفاصيل الدقيقة.
كل هذه المشاريع مسحوبة على خرائط ورقية ومعلّقة في غرفة العمليات وموجودة في ملفات خاصة في الكمبيوترات المخصصّة للرماية، ما يسمح باستعمالها من قبل جميع الضبّاط سواء بالطرق التقليدية أو بتلك الحديثة المتّبعة حاليًا.
إضافة الى هذه المشاريع، استحدثت بعض البرامج الخاصة كاحتساب تصحيحات الرمي ونقله، وحلّ النشرة الجوية... وذلك بالاعتماد على المعطيات الرقمية الأساسية لكل رماية فقط. وتقوم هذه البرامج، بعد تزويدها المعطيات المناسبة، باحتساب عناصر الرمي والتصحيحات بدقةٍ متناهية؛ ما يُسهّل عملية تحضير الرمي وإداراته وتنفيذه، ويؤمن فعالية في معالجة الأهداف. وفي هذا الإطار، تُنفّذ أسبوعيًا جلسات تعليمية في مركز الرمي لضباط الفوج للتدريب على استعمال تلك البرامج واستثمارها، لتعميم الفائدة وتوحيد لغة العمل.