ورشة عمل

ورشة عمل حول العلاقة بين الأمن والفساد برعاية الجيش
إعداد: تريز منصور

خسائر الفساد والتهرّب الضريبي في البلدان النامية بلغت 1.26 ترليون دولار سنويًا

 

برعاية قائد الجيش العماد جوزاف عون أقامت الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية - لا فساد، ورشة عمل في فندق مونرو لإطلاق دراسة تحت عنوان «الفساد والأمن» Fifth Column Study، حضرها مدير التوجيه العميد علي قانصو ممثلًا العماد قائد الجيش، والخبير في مكافحة الفساد في قطاع الدفاع في منظمة الشفافية الدولية جايمس لينش (مستشار دولي)، ومديرة مشروع «الفساد في قطاع الدفاع» في بريطانيا السيدة نجلة زيدان دوسن بالإضافة إلى أعضاء مجلس إدارة الجمعية وموظفيها.

 

تحدّث العميد قانصو في افتتاح الورشة، وأشار إلى أنّ «قضية الشفافية ومكافحة الفساد تُعتبر من القضايا المركزية في استراتيجيات الدول ومؤسساتها، لما له من أثر بالغ في تبديد الثروات والإمكانات، واستنزاف الموارد والطاقات، وإعاقة التقدّم الرقمي والتنمية». وأكّد أنّ هذا المؤتمر يُعَدُّ خطوة بارزة نحو تعزيز الثقة بمؤسسات الدولة، وتحديدًا في قطاع الدفاع، ورفع مستوى الوعي لمخاطر الفساد وأهمية الشفافية، والمساهمة في خلق بيئة اقتصادية نزيهة تتناسب مع تطلعات اللبنانيين.
وأضاف: «إنّنا اليوم أمام فرصة قيّمة لتنسيق الجهود وتفعيلها، على صعيد مكافحة الفساد، وتحقيق الاستفادة المتبادلة بين الجيش اللبناني من جهة، ومنظمة الشفافية الدولية – فرع بريطانيا، والجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية من جهة أخرى. وإنّنا نرى في هذا الحدث مناسبة لإبراز مستوى الشفافية الذي تتميّز به المؤسـسة العسكرية...».
وأوضح العميد قانصو في هذا الصدد أنّ العمل المؤسساتي يشكّل نهجًا واضحًا في مسيرة الجيش، إذ تُطبَّق في كل قرار وإجراء، معايير إدارية ومالية صارمة، تشمل جميع الوحدات والقطاعات، بموازاة السعي الدؤوب نحو تطوير هذه الآليات، وترشيد العمل الإداري والمهني.
وقال: «إذا كان التزامنا الأخلاقي قيَم الصدق والأمانة والنزاهة، هو المنطلق الأول كجزء لا يتجّزأ من مناقبيتنا، فإنّ إجراءات الرقابة والمتابعة الإدارية هي الركن العملي الأساسي في أدائنا، وذلك ضمن عدة مجالات:
أولًا: السياسات المعتمدة في قطاع الدفاع: تقتضي سياستنا في قطاع الدفاع، الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأفرقاء مهما تنوّعت انتماءاتهم وتوجهاتهم، والحفاظ على الأمن والسلم الأهلي والمصلحة الوطنية العليا، وذلك من خلال انتشارنا على الحدود وضبطها، وإقفال المعابر غير الشرعية ومنع التهريب، والتزام القرارات الدولية، لا سيّما القرار 1701 ومندرجاته بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. أما في الداخل، فيعمل الجيش على صون الاستقرار وبسط سيادة الدولة وحماية المؤسسات العامة والأملاك الخاصة، وضمان الحريات العامة، خصوصًا حرية التعبير والمعتقد، آخذًا في الحسبان الاحترام الدائم لحقوق الإنسان وفق الاتفاقيات الدولية، شرط ألا يكون في ذلك إضرار بالنظام العام.
ثانيًا: المالية في قطاع الدفاع، المشتريات والمناقصات: تندرج نفقات الجيش ضمن موازنة دقيقة وشفّافة، تتناسب مع الخطوط العامة التي تتضمّنها موازنة الدولة. وتخضع الصفقات وعمليات البيع والشراء والمناقصات إلى تدقيق صارم، بدءًا بالرقابة الذاتية ضمن جهاز السلطة المنفّذة، ثم تأليف لجان شراء ولجان استلام لتأمين المراقبة المتبادلة، والإعلان عن دفاتر الشروط المفصّلة، وصولًا إلى فضّ العروض بشكلٍ علني في حضور مندوبي الشركات المعنيّة، ومراقب عقد النفقات في وزارة الدفاع. كما يبرز خلال هذه المراحل، دور أجهزة الرقابة في المديرية العامة للإدارة والمفتشية العامة ومديرية القوامة ومديرية القضايا الإدارية والمالية. وتتّسع هذه الإجراءات لتشمل التنسيق مع أجهزة الرقابة المالية في الدولة، وتحديدًا ديوان المحاسبة ودائرة التفتيش المركزي. وجدير بالذكر أنّ هذه الأجهزة أكّدت في عدّة مناسبات فعالية معايير الشفافية في الجيش، واعتبرتها مثالًا يُحتذى به للعمل الإداري والمؤسساتي القويم.
على صعيد آخر، يتلقّى الجيش مساعدات من جهات وطنية ودولية، وهي على نوعين، مالية وعينية. ونذكر هنا المساعدات ذات الطابع العسكري، وهي ذات أهمية كبرى، وتتزايد باستمرارٍ نتيجة ازدياد الثقة الدولية بأداء الجيش، وهي غير مشروطة ولا تستدعي أي نوع من الالتزامات، والمساعدات المالية التي تُصرف حسب رغبة الواهبين من مؤسسات وأشخاص، وهي تدخل في حساب خزينة الجيش في المصرف المركزي؛ وأبرز أشكالها المساعدات المخصّصة لعائلات الشهداء، التي توزَّع وفق برنامج يضمن المساواة لجميع الشرائح...
ثالثًا: مخاطر العمليات: تأتي مخاطر العمليات التي ينفّذها الجيش من مصدرَيْن رئيسيَّيْن هما العدو الإسرائيلي والإرهاب وخلاياه النائمة. ونحرص في أثناء العمليات على عدم التعرّض للأبرياء وتحييد المدنيين والتخفيف من الأضرار قدر الإمكان. وقد ظهر ذلك بوضوح في عدّة محطات، أهمها معركة «فجر الجرود» إذ خاض الجيش معركته ضد الإرهابيين متجنّبًا المساس بمخيمات اللاجئين الذين استخدمهم الإرهـابيـون كـدروعٍ بشرية.
ونلفت هنا إلى أنّ الجيش أنشأ مديرية القانون الدولي وحقوق الإنسان، وأطلق مدوّنة حقوق الإنسان في عمليات حفظ الأمن، تأكيدًا على التزامه الكامل بهذه الحقوق، وإيمانًا من الضباط والعسكريين بضرورة صون الكرامة الإنسانية.
أما الموقوفون فتتمّ إحالتهم إلى القضاء المختص بعد التنسيق مع النيابة العامة العسكرية، من دون إبقاء أي موقوف في سجون المؤسسة العسكرية خلافًا للمهلة القانونية المحدّدة.
رابعًا: الأشخاص العاملون لدى المؤسسة العسكرية، وتتمّ عملية التطويع لمختلف الرتب والوظائف من خلال مباريات واختبارات متنوّعة تجريها لجان فاحصة متخصصة، بشكلٍ يضمن تكافؤ الفرص واختيار الناجحين استنادًا إلى كفاءتهم ومؤهّلاتهم من دون أي تمييز بين مرشح وآخر.
ويبقى مبدأ الثواب والعقاب في صلب ثوابتنا، لتحفيز الإنتاجية ومكافأة الجهود المميّزة والنجاحات المحقّقة، ومحاسبة التقصير في أداء الواجب. وهذا المبدأ الثابت هو ذو بعدين بالنسبة إلى الجيش: داخلي ضمن المؤسـسة، وخارجي يتعلق بصورة الجيش وعلاقته مع الجهات الخارجية من مواطنين ومؤسسات وغيرها.
يضاف إلى كل ما سبق الدور الإغاثي الذي يضطلع به الجيش من خلال عمليات الإنقاذ، والدور الإنمائي المتمثّل بمديرية التعاون العسكري - المدني التي تنفّذ مشاريع إنمائية ترتبط بمعيشة المواطنين في مختلف مناطق لبنان وتساعدهم على التمسّك بأرضهم وتجاوز الصعوبات الحياتية».
وأضاف قائلًا: «لقد استعرضنا في ما مرّ العديد من النقاط والمبادئ والإجراءات، التي تشكل دليلًا قاطعًا على مركزية الشفافية بالنسبة إلينا، وموقعها الثابت في استراتيجيتنا ومبادئنا وعقيدتنا، حرصًا منّا على المال العام، وعلى مؤسسات الدولة، وصون أمن المواطنين واحترام حقوقهم. وإنّ واجبنا في تحمّل هذه المسؤوليات أمانة غالية لن نفرّط بها أبدًا.
لكن لا بدّ من التوقف عند نقطة مهمة، ألا وهي عدم الإفصاح عن بعض المعلومات والأمور التي تتعلق بالأمن القومي والعمليات العسكرية الحسّاسة، وكشف هوية عسكريينا في المهمات الخاصة، وهذا إجراء تتبعه كل الجيوش والمؤسسات الأمنية في العالم، إلّا أنّ ذلك لا يلغي الرقابة الداخلية الفعّالة على هذا المستوى».
وختم بالقول: «في ظل التحدّيات المتعددة التي تواجه اقتصادنا، باتت الشفافية ضرورة ملحة لتطوير أداء المؤسسات في القطاعَيْن العام والخاص، وتحقيق عوامل النهوض والتقدّم الاقتصادي والاجتماعي، وضمان حق الأجيال القادمة في عيش أفضل.
لذا، نرى في هذا اللقاء تأكيدًا لوضوح رؤيتنا المشتركة نحو أداء مؤسساتي شفاف، وسنعمل جاهدين ليكون نقاشنا مثمرًا، ولنرفع درجة التنسيق بيننا وبين المؤسسات الوطنية والدولية المعنيّة بمكافحة الفساد».

 

مجذوب
ثم كانت الكلمة لعضو مجلس إدارة «الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد» الدكتور مصباح مجذوب، الذي أكّد أهمية تعاون الجيش مع منظمة «الشفافية الدولية» وجمعية «لا فساد»، وقال: «إنّ اجتماعنا اليوم يهدف إلى الحصول على شرح مفصل لمنهجية مؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع (الجيوش)، الذي سيصدر لاحقًا هذا العام»، موضحًا أنّ ورشات عمل أخرى ستقام للبحث في الخطوات التحسينية لدرجة لبنان بالتعاون مع الجيش اللبناني، وذلك من خلال خطة ممنهجة ووفق جدول زمني دقيق.
وأشار إلى أنّها ليست المرة الأولى التي يصدر فيها المؤشر، فقد أعلنت منظمة الشفافية الدولية – فرع بريطانيا، نتائج المؤشر للمرة الأولى في العام 2013، يومها احتلّ الجيش اللبناني المرتبة الأولى على الصعيد الإقليمي لناحية مكافحة الفساد والتزام الشفافية وتطبيق معايير العمل المؤسساتي بين الجيوش إقليميًا، ومن ثم أعلنت المنظمة نتائج المؤشر مجددًا في العام 2015، وحل الجيش اللبناني في المرتبة الثالثة.
وقال: «جدّدت جمعية «لا فساد» موقفها الواثق بالجهود التي ينفّذها الجيش اللبناني في عملية مكافحة الفساد بمساعي قائده العماد جوزاف عون، انطلاقًا من الدور المميّز للمؤسسة العسكرية في حياة اللبنانيين»، مشدّدًا على «وجوب دعم الجيش اللبناني وتسليحه من قبل الدول الحريصة على أمن لبنان واستقرار سيادته».

 

النقاش
أدار السيد جايمس لينش النقاش حول العلاقة بين الفساد والأمن والذي جرى على مرحلتين:
المرحلة الأولى: تناول فيها السيد لينش تعريف الفساد بأنّه «سوء استغلال للسلطة المؤقتة لغاياتٍ أو مكاسب شخصية». كما أعلن عن أهداف ورؤية الجمعية الداعية إلى العيش في عالم خالٍ من الفساد في قطاع الحكومة والسياسة والتجارة والأعمال والمجتمع المدني والحياة اليومية للناس.
كما تطرّق إلى قضية المجتمع والمفاهيم الخمسة المتعلّقة بالتأثيرات التي يشكلها الفساد على الأمن الداخلي للدولة، مستعرضًا على سبيل المثال لا الحصر، العلاقة بين الفساد والفقر، وتأثير الفساد على سيادة الدولة. متوقّفًا عند الخسائر التي يسبّبها الفساد والتهرّب الضريبي والبالغة نحو 1،26 ترليون دولار سنويًا في البلدان النامية.
2-المرحلة الثانية: عرض خلالها السيد لينش موضوع النزاهة في قطاع الدفاع، وناقش المنهجية المتّبعة لإصدار مؤشّر الفساد في هذا القطاع وتبيان المخاطر في هيكلة المؤسـسة العسكرية، متحدّثًا عن حق المواطنين والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في الحصول على المعلومات المفصّلة والدقيقة في ما يتعلّق بموازنة الدفاع. كما تحدّث السيد لينش عن ضرورة تطوير خطّة النزاهة وتقديم الإرشادات والتوصيات المناسبة...