مقابلة

وزير التربية والتعليم العالي: التعلّم بعد كورونا ليس كما قبلها

فرض وباء كورونا إيقاعه على مختلف مجالات الحياة وقطاعاتها ومن بينها قطاع التعليم في مختلف مستوياته، فكان التعليم عن بُعد الخيار الوحيد لعدم خسارة العام الدراسي الذي بدأ بالأساس مبتورًا بسبب التظاهرات والاحتجاجات.

كيف يقيّم وزير التربية والتعليم العالي تجربة التعلّم عن بُعد، وما الدروس المستخلصة من هذه التجربة؟ الوزير طارق المجذوب يجيب عن أسئلة «الجيش» بهذا الخصوص في الحوار الآتي:

 

• ممّا لا شك فيه أنّ فكرة التعلّم عن بُعد كانت أفضل الحلول المتاحة في ظل الظروف السائدة، لكنّها لاقت اعتراضات، ما هو تقييمكم للتجربة بشكلٍ عام؟

- إنّ خطة التعلم عن بُعد، أتت استجابة لفيروس كورونا «كوفيد -١٩» لذلك كان لا بد لوزارة التربية والتعليم العالي من التحرك بسرعةٍ لإبقاء المتعلمين في جو التعلم (أي جو الدرس).

وشملت هذه الخطة المسارات الثلاثة لكي تُغطّي حاجات التعلُّم عن بُعْد جميعها، وتتكيّف مع وضع المتعلمين كلهم. لذلك تركنا للمديرين أن يختاروا أحد المسارات أو أن يمزجوا بينها.

خطة التعلم عن بُعد فرضت نفسها على الوزارة، كما ذكرنا سابقًا، بسبب جاءحة كورونا، ونُعدّها تجربة ناجحة نسبيًا. ولكن، كما ذكرنا في عدة مناسبات، ليست هذه الخطة بديلًا عن التعليم في المؤسسات التعليمية. ونسعى الآن إلى استخلاص العِبَر وتطوير التعلم عن بُعد. فقد يُفرَض علينا، في المستقبل، اللجوء إلى هذا النوع من التعلم لفترةٍ قد تطول. كما أن هذه التجربة علّمتنا أنّ التعلم ما بعد الكورونا لن يكون كما قبلها، وعلينا تطوير كل أساليبنا التربوية.

 

• هناك معوقات أخرى تواجه مسألة التعلم عن بُعد من بينها كلفة الإنترنت العالية وعدم توافرها في القرى النائية بالإضافة إلى الزحمة في بعض المنازل، ما يؤدي إلى عدم وجود تكافؤ في فرص التعلم، فما هو مصير الطلاب «الأقل حظًّا»، لا سيّما طلاب الشهادات الرسمية؟

- تقدَّمنا بطلبٍ إلى مجلس الوزراء لحل مشكلة الإنترنت Internet. ولكن، مع الأسف، لم نصل إلى حل مُرضٍ للجميع. لذلك ضمّت خطة التعلم عن بُعد أكثر من مسار. أما بخصوص صفوف الشهادات (الشهادة المتوسطة والثانوية العامة) فقد عمدنا إلى البث التلفزيوني، بالتعاون مع وزارة الإعلام وتلفزيون لبنان (الذي كان له اليد الطولى في تصوير الحلقات التربوية التلفزيونية، وإخراجها بحلّتها الحالية). وقد قام بإعداد الحلقات التلفزيونيّة عدد من المتطوعات والمتطوعين (من وزارة التربية والتعليم العالي، والمركز التربوي للبحوث والإنماء). إنّ السنة الحالية كانت الأصعب على قطاع التربية في لبنان. ونحضّر، الآن، بروتوكولًا تربويًا – صحيًا – نفسيًا - اجتماعيًا للعودة إلى المدارس في شهر أيلول.

 

• ما هي نسبة المدارس الرسمية والخاصة التي انخرطت في عملية التعلم عن بُعد؟

- تبيّن لنا، بعد دراسة أولية أعدّتها وزارة التربية والتعليم العالي، أنّ نسبة المشاركة في التعلم عن بُعد تخطّت الـ ٥٠٪ من المتعلمين. وهذه النسبة جيدة بالمقارنة مع باقي الدول حسب تقرير اليونيسكو UNESCO.

 

• هل دخلت الجامعة اللبنانية بجميع فروعها منظومة التعلم عن بُعد، وهل هي مؤهّلة (على صعيد الطاقم التعليمي والبرامج المعلوماتية) لهذا النوع من التعليم؟

- كان للجامعة اللبنانية في بعض كلياتها تجربة طليعية أو رائدة في التعلم عن بُعد. وقد تكلَّل عمل بعض الدكاترة بالنجاح، واختلفت نسبة المشاركة بين كلية وأُخرى.

 

• ما هي الثغرات التي ظهرت في الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية بعد تطبيق التعلم عن بُعد، وهل من طروحات لمعاجتها؟

- المشكلة الأساسية كانت الإنترنت Internet. وبعد التقييم، ستقوم وزارة التربية والتعليم العالي والمؤسسات التربوية الأُخرى بتدريب الأساتذة على إتقان كل أبعاد أو جوانب التعلم عن بُعد.

ويمكن إجمال أهم مستلزمات التعلم عن بُعد في مرحلة ما بعد الكورونا بالأمور الآتية:

١- رأسمال بشري مؤهَّل ومدرَّب، لأنّ الإنسان في القطاع التربوي هو الأساس. ومن يقدر على تطوير الإنسان لا يكسب معركة التربية فقط، بل يكسب كذلك معركة التنمية والمستقبل.

٢- بنية تحتية تكنولوجية، موثوقة وأمينة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية. ويكمن التحدي الرئيسي في كلفة الاتصال وكفاءته وفي توفير شبكات الاتصالات وبنوك المعلومات (الموارد الإلكترونية E - Resources، مثلًا) بأسعارٍ مناسبة.

٣- بنية تحتية مؤسسية، من مكوناتها سياسة اقتصاديّة تُجيز الاستثمار في مضمار التعلم عن بُعد وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتُحفّز الشركات على المُنافسة في الأسعار، وقيادة سياسية مؤمنة بتعزيز كل ما سبق.

٤- بنية تحتية قانونية، فالتحوُّل من نظام التعلم التقليدي إلى نظام التعلم عن بُعد يستلزم استنباط قواعد قانونيّة جديدة واستخدام مفاهيم جديدة للتعليم والتقييم والتقويم، وخصوصًا مع ازدهار ما يُسمى بالشهادات الإلكترونية عبر شبكات الإنترنت Internet.

 

• هل من خطة لتطوير المناهج وتقنيات التعليم؟

- يعمل المركز التربوي للبحوث والإنماء على تطوير مناهج التعليم العام. أما في مديرية التعليم المهني والتقني والجامعة اللبنانية، فهناك مشاريع لتطوير المناهج لتتلاءم مع متطلبات العصر. وللمناهج الدور الأساس في تحديد ملامح المواطن الذي نريد، لذلك من الضروري العمل على تطويرها.

 

• هل لحظ برنامج التعلم عن بُعد الضغوط النفسية التي يتعرّض لها الأهل والتلامذة بسبب الحجر المنزلي، فشمل مثلًا نشاطات ترفيهية معيّنة من شأنها تخفيف وطأة البرنامج الدراسي؟

- أخذنا بعين الاعتبار الضغوط النفسية التي يتعرّض لها الأهل والتلامذة بسبب الحجر الصحي، لذلك قُمنا بحلقات توعية تلفزيونية بالتعاون مع اليونيسكو UNESCO. كما قام المركز التربوي للبحوث والإنماء بتحضير حلقات بهذا الصدد. ونُعِدّ الآن، بالتعاون مع وزارة الصحة (برنامج الصحة النفسية) واليونيسف UNICEF، برنامجًا لمواكبة الشباب. كما قامت وحدة التوجيه التربوي في مديرية الإرشاد والتوجيه بتوفير الكفايات اللازمة للموجّهين التربويين ليُشاركوا في الخط الساخن، لمواكبة الأهل والأساتذة والمتعلمين.

 

• ما هو دور وزارة التربية في معالجة مسألة الأقساط المدرسية خصوصًا أن الهوّة كبيرة بين ما تطلبه المدارس وما يطالب به الأهل؟

- لقد عقدنا عدة اجتماعات للأسرة التربوية في القطاع الخاص لمعالجة مسألة الأقساط، ومن بينها اجتماع في ٣/٥/٢٠٢٠، وقَّع خلاله أعضاء هذه الأسرة جميعًا محضرًا يتضمّن بعض المبادئ والحلول الواقعية. وفي اليوم التالي، أصدرنا قرارًا لدراسة ملاحق الموازنة، بين لجنة الأهل وإدارة المدرسة الخاصة، استنادًا إلى القانون ٥١٥ للعام ١٩٩٦. ويسمح تطبيق هذا القرار بإعادة درس بنود الموازنة وتخفيض الأقساط، وبالتالي نحافظ على استدامة القطاع التربوي الخاص.