مقابلة

وزير الصحة : السيناريو الأسوأ لن يحصل
إعداد: إلهام نصر تابت

حفظت ذاكرة أجدادنا أخبارًا عن ويلات المجاعة والجراد أيام الحرب العالمية الأولى، وانتقل منها الكثير إلى الأجيال اللاحقة. جائحة كورونا التي عايشناها ستترك في ذاكرتنا الكثير نخبره للأحفاد، لكن سيكون لنا أن نخبرهم بفخر أنّ وطننا تعامل بكفاءة عالية مع الجائحة التي أنهكت كبرى الدول وأغناها وأكثرها تقدمًا. وسيكون لنا أن نقول لهم: لبنان الصغير، الفقير، استطاع وهو منهك بأزماته أن يمنع الفيروس الشرس من التنكيل بنا كما فعل في أميركا وأوروبا. ففي حين كان رئيس وزراء بريطانيا يخبر مواطنيه بأنّهم سيخسرون الكثير من أحبابهم بسبب كورونا، وكان عمدة نيويورك يصرخ قائلًا: الناس في المدينة يموتون وحيدين، كانت وزارة الصحة العامة عندنا تناضل بكل ثقة وكفاءة للسيطرة على الوباء متّخذة الإجراء تلو الإجراء، مدعومة من الحكومة بمختلف وزاراتها وأجهزتها.

 

الكفاءة العالية التي تميّز بها لبنان في مواجهة كورونا كانت موضع تنويه من أهم المرجعيات الصحية العالمية. صحيفة «واشنطن بوست» دعت في تقرير لها (في ١٧ أيار) إلى التعلّم من تجربة البلدان الصغيرة مثل لبنان في مكافحة الوباء، والمواطنون الأميركيون الموجودون في لبنان لم يتجاوبوا بمعظمهم مع رغبة حكومتهم في إعادتهم إلى بلادهم، واعتبروا أنّهم سيكونون في أمان أكثر في لبنان.

كيف استطاع لبنان أن يواجه بهذه الكفاءة؟ سؤال أساسي حملته «الجيش» إلى وزير الصحة العامة الدكتور حمد حسن، الذي أجاب عن السؤال وما يتفرع منه.

بداية أوضح حسن أنّه «عندما بدأنا نسمع عن فيروس كورونا كان قد مضى على تشكيل الحكومة ثلاثة أيام، أول شيء قمت به كان تفقّد مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي للاطلاع على قدرات المختبر. تأكدت أنّنا نملك مختبرًا يمكنه إجراء فحوصات الـ PCR وبالتالي تشخيص الإصابات المحتملة. بعد أسبوع تبيّن أنّ هناك عدة بلدان تشكّل مركزًا للوباء فاتخذنا قرارًا سريعًا بمنع مجيء رحلات مباشرة منها. وفي ٢١ شباط أي عند تحديد أول إصابة بين لبنانيين عائدين من إيران تم اتخاذ الإجراءات اللازمة على متنها، وتحويل أي مشتبه بإصابته إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي لإجراء فحص الـ PCR. هكذا استدركنا الموجة الأولى على عكس بعض البلدان التي كان قد مر على بدء الموجة الأولى لديها أكثر من شهرين من دون أن تكتشف ذلك».

ويضيف الوزير حسن: «تحديد أول إصابة كان أول إنجاز، علمًا أنّ ذلك تزامن مع تسجيل أكثر من إصابة في عدة مناطق مثل كسروان وجبيل والمتن، وهذا ما أدى إلى «خضة» في المجتمع وإلى استنفار أطقم وزارة الصحة العامة، وتوعية الأطباء خصوصًا في بيروت. جهّزنا مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي وتابعنا العمل لتجهيز مستشفيات أخرى تباعًا، بحيث بات في كل منطقة مستشفى فيه قسم خاص بالكورونا، ولاحقًا فرّغنا مستشفيات كاملة للوباء.

الإنجاز الثاني كان القرار الجريء الذي اتُخذ بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي وقضى بإقفال الحضانات والمدارس والمعاهد والجامعات، وقد كان لهذا القرار أثر إيجابي في مسار تطوّر الوباء. بعد ذلك أتى إعلان التعبئة العامة ليقفل الكثير من المؤسسات ويوقف النقل العام. هذه العوامل مجتمعة، أي التشخيص المبكر والاستنفار وإقفال قطاع التربية ووقف النقل العام أدت إلى الحد من انتشار الوباء، وبقاء الإصابات محدودة. وفي هذا الوقت كنا نرفع جهوزيتنا الطبية في المناطق».

 

• كيف تمّ تطوير جهوزية القطاع الاستشفائي والطبي لمواجهة الأزمة؟ مستشفياتنا الحكومية كانت شبه منسية ومهملة طوال عقود، وقد رأيناها تجهز الواحدة تلو الأخرى، مستشفى رفيق الحريري الحكومي شكّل رأس حربة في المعركة. كيف تمّ الأمر؟ كيف تمّ تأمين الأموال؟ ومتى تكتمل جهوزية هذه المستشفيات وفق خطتكم؟

- دور المستشفيات الحكومية كان موجودًا أحيانًا وغائبًا أو مغيّبًا في أحيان أخرى وذلك بقرار أو لعدم وجود قرار. أزمة كورونا بيّنت للبنانيين أنّ الرهان على الدولة ومؤسساتها خصوصًا في القطاع الصحي هو رهان صائب، ويمكن التعويل على هذا القطاع تمامًا كما يمكن التعويل على أي قطاع رسمي آخر.

لدينا الآن ٢٠ مستشفى حكومي من أصل ٣١ جاهزة لاستقبال حالات كورونا، وإذا دعت الحاجة يمكن لـ٣٠ مستشفى أن تستقبل حالات مماثلة. فقد تمّ تجهيز جميع مستشفياتنا الحكومية بأجهزة التنفس الإصطناعي، والمعدات اللازمة لغرف العناية الفائقة، وأجهزة أشعة متنقّلة. والجيد أنّ تجهيز هذه المستشفيات يخدم مواجهة هذه الجائحة وسيخدم بعدها الصحة العامة، فكورونا وباء عابر.

 

• كيف تمّ تأمين التجهيزات؟

- تمّ تأمين الأموال من أربعة مصادر:

أولًا، سلفة من الهيئة العليا للإغاثة قيمتها ٣ مليارات ليرة لبنانية.

ثانيًا، التبرعات التي تأمنت من خلال الصندوق الخاص لمواجهة كورونا الذي أنشأته الحكومة علمًا أنّ هذه التبرعات كانت متواضعة.

ثالثًا، وهذا الأهم مبلغ ٣٩ مليون دولار من قرض من البنك الدولي كان من المفترض البدء بالاستفادة منه منذ سنتين ولم يحصل ذلك. أعدنا هيكلة القرض بعد مفاوضات صعبة مع البنك الدولي، واستخدمنا المبلغ المشار إليه لرفع الجهوزية الطبية وتأمين معدات الحماية الشخصية للعاملين في القطاع الطبي، وتشخيص حالات كورونا ومعالجتها.

رابعًا، قرض من البنك الإسلامي قيمته ٣٠ مليون دولار، وهو قرض كان معمولًا به من قبل، وبواسطته استطعنا تغطية لائحة التجهيزات التي نحتاجها.

من المفترض أنّنا جاهزون الآن لمواجهة الوباء، وخلال فترة تراوح بين ٣ و٦ أشهر نبدأ بتسلُّم معدات جديدة للمستشفيات كنا قد طلبناها سابقًا. كما رفعنا سقف الاعتمادات المالية لتجهيز المستشفيات الحكومية، أمّا المستشفيات الخاصة فقد قامت بما تستطيع القيام به مشكورة.

 

• أين نحن الآن على صعيد مواجهة الوباء؟

- نحن في المرحلة الثالثة من مواجهة الوباء، نقاوم الفيروس ونمنعه من الانتشار والتحوّل إلى وباء محلي. نقوم بذلك من خلال تتبّع الحالات الإيجابية وتعقّب المخالطين لها. نحن في سباق مع هذا الفيروس وطالما نحن متقدمون عليه يكون مجتمعنا بأمان. السباق ما زال قائمًا على قدم وساق، لا نستطيع القول «خلص» انتهينا. يمكننا القول إنّنا لن نقع في السيناريو الأسوأ سواء كانت هناك موجة ثانية أم لا. كسبنا الجهوزية، كنا نخشى عدم توافر أجهزة تنفس بشكل كافٍ. الآن الوضع أفضل، تمكنّا من تأمين ٣٠٠ جهاز إضافي، ونحن نواصل الحملات التي تستهدف المصابين المحتملين في جميع المناطق، ونعمل على إشراك السلطات المحلية والجمعيات الأهلية في التتبع لتجنب تكرار الحالة التي شهدتها برجا. اتخذنا في ٤ حزيران الماضي قرارًا في المجلس الأعلى للدفاع يقضي بعزل أي مصاب وافد من الخارج في المستشفى. وأي شخص من العائدين تكون نتيجة فحوصاته إيجابية ويسمح له بالذهاب إلى منزله لعدم وجود أي عوارض لديه سيعزل في المستشفى إذا لم يلتزم شروط العزل المنزلي بشكل صارم. السيناريوهات السوداوية لم تعد واردة. لكن مع الأسف هناك نماذج من الإصابات تنمّ عن عدم مسؤولية الفرد تجاه عائلته ومجتمعه، وهذه حالات يجب أن يحاسب عليها القانون. عدم الجدية في التعاطي مع الفيروس لدى البعض واعتباره غير موجود ومجرد لعبة سياسية أمر مخيف. من جهة أخرى علينا عدم التبجّح بالإيجابيات التي حققناها، وإلا سنكون في خطر. كوزارة وبالتعاون مع المجتمع طوينا صفحة الامتحان الصعب، لكن يجب أنّ نتمتع بالوعي وبالحكمة متنبهين إلى خطورة هذا الوباء كي لا نفقد السيطرة عليه.

 

• ما هو حجم المساعدات التي حصلنا عليها لمواجهة كورونا؟

- المساعدات التي تلقيناها محدودة، فقد تلقينا مساعدات عينية من الصين وقطر وإيران والكويت ومن بريطانيا عبر منظمة الصحة العالمية ومن الجاليات اللبنانية في الخارج. الصليب الأحمر تلقى مساعدات كثيرة وهو يستحقها.

كان في جعبتنا مزيد من الأسئلة، لكن التعب كان واضحًا على وجه الوزير حسن إذ كان موعدنا في القسم الأخير من يوم طويل. طوينا أوراقنا وسألناه: معالي الوزير كم ساعة تعمل يوميًا؟... يبتسم ويقول: الآن الوضع بات أفضل، كنت أبدأ مع «وج الفجر» واستمر لغايـة العاشـرة أو الحاديـة عشـرة ليلًا.