العوافي يا وطن

... وصنعوا عيدًا آخر
إعداد: إلهام نصر تابت

على مشارف العيد كانوا يحضّرون صعودهم ليصنعوا عيدًا آخر.
الجرود وُجهتهم، وإيقاظ فجرٍ طال انتظاره، مهمّتهم.
في طريقهم إلى فوق:

كان هدير آلياتهم نبضُ القلوب وأدعيتُها.
كان بريق العيون ضوءًا يخترق الغبار.
وكانت الأيادي المرفوعة رسائل المحبّين.رسائل آتية
من كلّ شرفة، من كل دربٍ سلكوه، وساحة مرّوا بها.
مع تحرّك قوافلهم صعودًا، كان كلّ شيء يقول:
أوشكت الساعة أن تأتي.
تمدد الترقّب والانتظار أيامًا.
في ظلّ الترقّب تنبتُ التوقعات.
في ظلّ الانتظار ينمو القلق، ويوسّع الخوف مطارحه:
الأرض قاسية، مسنونة بالخطر في كلّ تلّة وكهف وحنية وصخر.
المعركة ستكون صعبة، بل أكثر من صعبة...
الإرهابيون سوف ينفّذون ضرباتٍ في الداخل...
تحليلات وأخبار لو وضعت في الميزان، لَوَزَنَت قنطارًا.
قلوب تخفق خوفًا على جنود ما فتِئت قوافل شهدائهم تتقاطر منذ سنوات.
أما حيث النصر يُصنع وتعدّ له العدّة،
فلم يكن من وقت للكلام.


كان هناك تخطيط، وقرار:
معركة حاسمة، تحرّر الأرض، تحقّق الوعد، تقضي على الإرهابيين بأكبر ما يمكن من احتراف ودقّة، وأقلّ ما يمكن من خسائر.
دقّت ساعة الصفر، أعلنتها بضع كلمات: باسم اللبنانيين والشهداء والعسكريين المخطوفين، يبدأ الجيش معركة «فجر الجرود».
وقائع المعركة كشفت فعالية الخطّة المعتمدة، وأكّدت أنّ استثمار الكفاءة القتالية التي يتمتّع بها عسكريونا وصل إلى أبعد مدى، وأنّ التنسيق بين الوحدات المشاركة بلغ أفضل المستويات على الإطلاق.
دمّرت نيران الطائرات والمدفعية مواقع الإرهابيين، طاردتهم الصواريخ في أوكارهم، سقطت التلال والوديان والاستحكامات الواحدة تلو الأخرى، وارتفعت رايتنا وصور شهدائنا عالية تهتف للتقدّم السريع، المدروس.
شالات الحرير المهيّأة لاستقبال الأبطال وشّحتها دماء شهداء، وجرحى.
يعرف العسكري أنه قد يستشهد، بل يعرف أن لا معركة من دون شهادة، وأن لا وطن يُصان من دون أن يفتديه خيرة رجاله.
يعرفون ويقدمون.
يعرفون، ويتمنّى من كان منهم خارج المعركة لو كان في قلبها.
يعرفون ويقدّمون، وقد أثبتوا أنهم يعرفون أيضًا كيف يستخدمون قدراتهم.
يقاتلون وينتصرون، وهم حريصون على كلّ نقطة دم شريفة تسيل من عروقهم.
استشهد «العسكري عباس المنقول عَ بعلبك».
استشهد آخرون آتون من عكّار، من زحلة، ومن مناطق أخرى.
كانت دماؤهم الثمن المقدّس، وصارت الراية والحكاية والعهد الأبدي.
بسلامٍ ترقد نفوسهم، بعزّةٍ تصعد إلى السماء.
فحيث سقطوا، ستنبت سنديانات تظلّل الجرود القاحلة، وسوف تصدح في أغصانها ألحان الخلود.

العوافي يا جيشنا.
العوافي يا وطن.