رحلة في الانسان

وظيفة النوم عند الإنسان والحيوان
إعداد: غريس فرح

هل من علاقة بين صور الأحلام وعمل الذاكرة

مَن قُدّر له أن يراقب الحيوانات، يعلم من دون ريب أن أكثريتها تستغرق في النوم لساعات قد تطول أو تقصر بحسب جنسها وحجمها.
فبينما يحتاج الفيل مثلاً الى ثلاث أو أربع ساعات من النوم خلال اليوم، فإن فأر الهامستر الصغير يمضي معظم يومه في سبات عميق.
بالمقابل، فإن الدلافين لا تنام ظاهرياً على الإطلاق، على الرغم من أن أدمغتها تؤمن حالة شهبية بالنوم في أثناء حركتها الدائمة في الماء. وهي حالة بالإمكان معاينتها عبر مراقبة هذه الحيوانات، والتي يعرف أنها تغمض عيناً واحدة في أثناء الليل.
هذه المعلومات التي استقاها علماء الأعصاب من خلال مراقبة عالم الحيوان، فتحت المجال أمام دراسة حالة النوم بحدّ ذاتها، وصولاً الى معرفة الكثير عن دوافعها الفطرية، وآلية عملها وأهميتها بالنسبة الى الإنسان والحيوان على حد سواء.

 

الدماغ ينشط في أثناء النوم
كانت التجارب التي خضعت لها مجموعات مختلفة من الناس قد أثبتت أن النوم ليس مجرّد فقدان مؤقت للوعي، بل حالة حياتية يتم عبرها إعادة تنظيم أنشطة خلايا الدماغ العصبية. وهذا يعني أن الدماغ ينشط بشكل غير اعتيادي فور خلود الإنسان والحيوان الى النوم وذلك من خلال مرحلتين هما: مرحلة حركة العين البطيئة التي تمهّد لنوم عميق يستغرق حوالى 90 دقيقة، وتندر في أثنائه الأحلام. أما الثانية، فهي مرحلة حركة العين السريعة التي يبلغ خلالها الدماغ ذروة نشاطه ويصبح النوم ضحلاًَ الى حد ما، وتسرع حركة العينين تحت الجفون المطبقة. وتختلف كل من هاتين المرحلتين عن الثانية وكذلك عن حالة الوعي. وهذا يعني أن الإنسان يمر بثلاث حالات من وجوده، يعمل دماغه في أثناء كل منها بطريقة مختلفة.

 

ماذا يحصل عندما يحرم الإنسان من النوم؟
من هذا المنطلق يصبح من الطبيعي القول إن حاجة الإنسان الى النوم هي حاجة طبيعية توازي الحاجات الوظيفية الأخرى وتفوقها أهمية. ومن هنا التأكيد على أن الحرمان من النوم، وخصوصاً لأسباب مرضية أو أخرى قسرية، يتسبب بحسب الإختصاصيين بحصول إضطرابات مرضية بالغة الخطورة. وقد تتجلى بفقدان التركيز والاستيعاب، وأحياناً الهلوسة والذهان، وتؤدي في معظم الأحيان الى بروز أمراض جسدية لا حصر لها. هذا في حال الحرمان القسري. أمّا في الأحوال الطبيعية الأخرى، فقد ثبت أن دماغ الإنسان والحيوان يتأهب آلياً لرصد دَين النوم المستحق عليه، ويعوّض نقصه بأشكال مختلفة، تتجلى أحياناً بنوبات نوم مفاجئة في أثناء النهار، أو بالنوم ساعات إضافية خلال الأيام التالية. والسؤال المطروح: ماذا يحصل في أثناء النوم، ولماذا يؤثر نقصه سلباً على وظائف الدماغ، والصحة بشكل عام؟
بحسب نتائج الدراسات التي أجرتها مؤخراً جامعة هارڤرد الأميركية، تمّ التأكد من أن مرحلتي النوم المشار اليهما تعملان وفق أنماط مختلفة ولكنهما يتكاملان. فإذا ما أخذنا مثلاً مرحلة حركة العين السريعة، نجد أن نقص النوم خلالها، لا يترك أثراً بالغاً على وظائف الدماغ الفيزيولوجية والمعرفية، إلا أنه يمهّد آلياً لمرحلة حركة العين البطيئة، والتي تعتبر مفصلية وضرورية بالنسبة الى الوظائف الجسدية والعقلية. أما الوظيفة الأهم التي تؤمنها هذه المرحلة، فتتجلى كما ثبت مؤخراً في تسهيل نمو الخلايا العصبية لدى البالغين، الأمر الذي لم يكن معروفاً في السابق.

 

النوم العميق يحارب تأكسد الخلايا
وكان الدكتور جيرم سييغل من جامعة كاليفورنيا الأميركية قد نبّه من خلال تقرير نشرته مجلة «Nature»، الى وجود وظيفة بالغة الأهمية لهذه المرحلة المعقدة من النوم، تتمثل بمحاربة تأكسد الخلايا.
فالنوم العميق خلال مرحلة العين البطيئة، يساعد حسب ما أكدته نتائج الإختبارات الحديثة، على مواجهة عوامل التأكسد الناجمة عن الإجهاد،  والتي تؤثر سلباً في جهاز المناعة وتتسبب في ظهور الأمراض، وفي مقدمها أمراض القلب والشرايين والسكري.
وكانت نتائج الدراسات التي أجراها الدكتور سييغل على الحيوانات، قد أكدت أن الحيوانات الصغيرة الحجم، تتمتع بنشاط بنيوي مرتفع، أو تغيرات سريعة في الخلايا الحية، الأمر الذي يعرّضها لخطر الجزئيات الحرّة التي تتسبب بمرضها. ومن هنا الاعتقاد أن هذه الحيوانات تحتاج بطبيعتها الى ساعات نوم أطول من سواها لحماية ذاتها، إضافة الى ترميم التلف الذي يلحق بخلاياها في حال حصوله. والدليل أن الأبحاث الأخيرة التي أجريت على فئران حرمت ساعات من النوم، أثبتت معاناتها زيادة تأكسد خلايا جسمها نتيجة الإجهاد. 

 

ما هو دور مرحلة حركة العين السريعة؟
باعتبارها المرحلة التي تلي النوم العميق، أو مرحلة حركة العين البطيئة، والتي يرتفع خلالها نشاط الدماغ البنيوي، فهي تظل عموماً محتفظة بهذا النشاط، بموازاة سرعة حركة العينين، الأمر الذي يمهّد لاضطراب الأفكار اللاواعية، ويتسبب بتواتر صور الأحلام غير العقلانية.
وحسب النظريات العلمية الحديثة، فإن هذه المرحلة هي ضرورية من أجل ترسيخ صور الأحداث في الذاكرة، وخصوصاً بعدما ثبت أن 65 بالمئة من مشاهد الأحلام، ترتبط بصور أحداث اليقظة، وهو ما أدى الى الإعتقاد أن توارد هذه المشاهد هو حالة وظيفية مرتبطة بعمل الذاكرة، والذي من شأنه تنسيق الصور، وترسيخها في مركز الحفظ.
على كل، فإن حقيقة العلاقة بين الذكريات والأحلام، تبقى حتى الآن لغزاً مبهماً، خصوصاً وأن الدراسة التي أجريت مؤخراً في جامعة هارڤرد الأميركية بهذا الشأن، لم تعط نتيجة واضحة.

 

مرحلة يلفها الغموض!
إذا ما إستثنينا العلاقة الغامضة بين هذه المرحلة من النوم، والصور المخزنة في الذاكرة، نرى أن الدراسات الحديثة كافة قد ركزت على دورها في حصول ما يشبه الرؤى.
وكان الباحث الأميركي الدكتور آلان هوبسون قد أشار في أحد تقاريره الى أن مرحلة حركة العين السريعة هي حالة فيزيولوجية تتسبب باضطراب يشبه الذهان. وهو إضطراب تبرز من خلاله رؤى دماغية مشتتة. وقد علل الدكتور هوبسون هذه الظاهرة بالقول، إن الدماغ يُنتج خلال هذه المرحلة من النوم رؤيته الخاصة بشأن بعض الأمور العالقة، أو أنه يعمد الى تحليل أمور حياتية يتعذر عليه تحليلها في أثناء اليقظة، إلا أنه لم يؤكد على وجود مسار متوازٍ بين النظريتين المشار اليهما، ومع ذلك، تمكن من الاستنتاج أن الأحلام ترتبط الى حد ما بالواقع بطرق مختلفة. فهي من جهة تجسّد الرؤية الفردية اللاواعية، وتعمل من جهة ثانية على تحليلها. وقد تكون بحسب رأيه جزءاً من الحدس المتطور والمتفلت من حدود الواقع. وهذا يحدث عموماً عندما يتعمق العقل اللاواعي في التحليل، ويصل الى استنتاجات تترجمها الرؤى الغامضة.
هذا يعني أن العلم الحديث يجهد باستمرار لتفهم هذه الأمور، كما يعمل على تفهم تفاصيل بالغة الدقة ومتعلقة بعمل وظائف الدماغ في أثناء النوم، وفي مقدمها، قدرات التعلم والحفظ والاستيعاب، وكذلك الإبداع.
ويبقى السؤال: ماذا يحدث في أثناء نوم الحيوانات، وبماذا تحلم؟