من القلب

وفاء لـ «ألبر الحاج»

خلال تشييع العميد الركن المتقاعد ألبر الحاج، ألقى رفيق دورته العميد الركن المتقاعد عبد الله واكيم كلمة مؤثرة. في ما يلي نص الكلمة.

 

في أيلول ترحلُ الطيور، وتحلو أيامُ الحصاد...
وفيه تتنهّد التلال، وتتلوّن الطبيعة في مشهد ولا أروع.
وفيه، هذا العام، يحمل ألبر الحاج غيبوبته ويمضي... فما أوجع البعد، وما أعمق المحبة.
عرفته ضابطًا عِصاميًا، وإنسانًا شهمًا، وأبًا محبًا وصديقًا وفيًا...
شموخه تواضع، وتواضعه شموخ.
طموحه لا تحدّه صعاب، ولا تثنيه المعوّقات عن بلوغ هدف معين.
في حياته صداقات كثيرة. خلوق، جريء، لا يهادن ولا يكابر بل يُقدمُ بكل ثقة. محلّل بارع، وطنيته يُشهد لها، شغوف بالجيش وشرس عنيد في الدفاع عنه، قُلْ هو منارة مشعّة ووجه مشرق أبدًا كما شقائق النعمان.
هذا الإنسان الفذّ، تعشق روحه المرحة، واهتمامه الدائم، ويؤثرك ملقاه الودود، إنّه من طينة نادرة، وعجينة أصيلة. كلماته ونصائحه نهج حياة وأفكاره القيّمة وليدة اطّلاع واسع وتجارب مشعّة، لا تفارق البسمة محيّاه حتى في المُلمّات.
كلّما كنت ألتقيه، كان يعيدني من دون أن أدري إلى المدرسة الحربية، وحلاوة الذكريات. فهو ابن التراث والعراقة. صوتُه الخافت يُنبؤك وكأنّه القابض على سرّ الأمور ومكنوناتها، تُسحرك تحاليله المنطقية، وتشدُك تعابير وجهه وحركة يديه، فيمسي كالنسر أمامك يتعمشق القيم، ويضيء على الأشياء بكل دقة وبراعة.
كان موسوعة من المعلومات، يُعجب بالكلمة الملِكة، ويؤخذُ بالتعبير اللافت، إنّه ألبر الحاج صيّاد المحبة وقنّاص الجماليات والإبداع. له العديد من الخواطر والمذكّرات، ولعلّ قصيدته «رشو الفل العسكر طل» شاهدة على مدى حبّه للمؤسسة العسكرية.
ذهب مؤخرًا في غيبوبة، وكأني به أحبَّ أن يهجر هذا العالم المجنون بكلّ هدوء وسكينة إلى هناك، حيث الفرح والرجاء والقيامة.
ألبر الحاج أحببتَ الجميع، ثق أنّك باقٍ في قلوب الجميع. سيفتقدك «الذوق» وأهاليه، ولَوْزه الأخضر، وستحتضنُك ضيعتُك «الشطّاحة» الحالمة حيث نشأت وترعرعت، بشيبها وشبابها. وستبقى أبدًا مع رفاق دَورتكَ في القلب والبال، وسيرفعُك الجيش سيفًا لامعًا في سماء لبنان. وستبقى المعرفة تحنُّ إليك حنين البراعم إلى غصونها والطيور إلى أعشاشها.
ألبر الحاج أمثالك لا يموتون، ولو ردَّ التراب على قبورهم، دورتُك إذ تودِّعك تفخر بك وتشدُّ على كلّ الأيادي الطيّبة التي عَرَفَتْك وأحّبتك. دعنا نرش فوق نعشك حُبيبات دموعنا، ونلقي آهات أوجاعنا وحكايات درْبنا الطويل. أيها الأصيل الأنيق المتفاني، على وقع خطاك يستفيق الصّباح، ومع غفوة عينيك تستيقظ الأحلام.
تعازينا القلبية إلى القائد وهو رفيق دورتنا، وإلى جيشنا الباسل وإلى عائلة كريمة ربَّيتها بالسهر المتواصل وعرق الجبين، وحصَّنتها بما تختزن من علم ومعرفة وأخلاق، عائلة نفتخر ونعتزُّ بها. تعازينا القلبية إلى كلّ محب عرفك من قريب أو بعيد.
سلّم على الرفاق والسلام.